حسن سالم العكيدي

حسن سالم العكيدي (شافعي / العراق)

ولد عام ١٣٦٥هـ (١٩٤٦م) في مدينة بغداد، ونشأ في بيئة تنتمي إلى المذهب الشافعي، ومن أهمّ الأسباب التي شجّعته على الاستبصار رحلته إلى إيران، وتعرّفه على المذهب الشيعي فيها، فلمّا أملت عليه الأدلّة أحقيّة هذا المذهب استبصر عام ١٤١١هـ (١٩٩١م) في مدينة «سنقد».

السبيل الصحيح لمعرفة الله:

حينما يبتغي الإنسان معرفة الله تعالى ويهتمّ بهذا الأمر في الصعيد العملي من أجل نيل هذه المعرفة يصل إلى هذه النتيجة بأنّ معرفة الله تعالى لا تحصل إلاّ عن طريق الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الذين أمر الله الناس باتّباعهم، وأوصى بمحبّتّهم، وأكّد على رضايتهم، فجعل رضايتهم رضايته.

«من أطاعكم فقد أطاع الله، ومن عصاكم فقد عصى الله، ومن أحبّكم فقد أحبّ الله، ومن أبغضكم فقد أبغض الله»(1) ; لذلك أيّ شخص يجتاز طرق معرفة الله تعالى عن طريق أهل البيت(عليهم السلام) فإنّه سيكون ممّن قد عرف الله حقّ معرفته، وبهذا سيكون سعيداً وموفّقاً ومحبوباً عند الله، وسيكون ممّن له المكانة العالية في يوم القيامة حيث بغبطه الناس إزاء اتّباعه السبيل الصحيح، وأيّ شخص يطلب معرفة الله من غير الطريق الذي بيّنه الله فلن يصل إلى معرفة الله الحقيقيّة ; وبهذا سيكون مبغوضاً عند الله وسيحاسبه الله في الآخرة أشدّ الحساب ; ولهذا جاء في الزيارة الجامعة: «سعد من والاكم، وهلك من عاداكم، وخاب من جحدكم، وضلّ من فارقكم، وفاز من تمسّك بكم، وأمن من لجأ إليكم، وسلم من صدّقكم، وهدي من اعتصم بكم…»(2).

فلذا تعدّ معرفة أهل البيت(عليهم السلام) من أهمّ وظائف الإنسان في الحياة ; وينبغي على الإنسان أن يجعل هذه المهمّة في طليعة حياته ليسعه التقدّم نحو الكمال.

ومن هذا المنطلق اهتمّ «حسن عكيدي» بدراسة حياة وسيرة أهل البيت(عليهم السلام).

علم الإمام علي(عليه السلام):

وجد «حسن عكيدي» عند مراجعته لكتب الحديث والتاريخ حول شخصيّة أمير المؤمنين(عليه السلام) بأنّ شخصيّة أمير المؤمنين(عليه السلام) شخصيّة مميّزة عن سائر الصحابة، ومن أبرز ا لصفات التي ميّزته عن الآخرين هي علمه.

وقد وردت أحاديث وروايات مختلفة تثبت هذه الحقيقة منها:

قول الإمام علي(عليه السلام): «علّمني رسول الله ألف باب من العلم، استنبطت من كلّ باب ألف باب»(3).

وقال(عليه السلام) «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً»(4).

وقال(عليه السلام) أيضاً: «ها إنّ هاهنا – وأشار إلى صدره – لعلماً جمّاً لو أصبت له حملة»(5).

وعن أبي الطفيل قال: شهدت عليّاً يقول: «سلوني، والله لا تسألوني عن شيء يكون يوم القيامة إلاحدثتكم وسلوني من كتاب الله، فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل»(6).

وعن سعيد بن المسيّب قال: لم يكن أحد من صحابة رسول الله يقول: «سلوني» إلاّ عليّاً»(7).

وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة الزهراء(عليها السلام): «أما ترضين أن أزوّجك أقدم أمّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً»(8).

وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «أعلم أمّتي من بعدي علي بن أبي طالب»(9).

وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «علي وعاء علمي ووصييّ، وبابي الذي أؤتى منه»(10).

وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «علي باب علمي، ومبيّن لأمّتي ما أرسلتُ به من بعدي»(11).

وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «أعلم أمّتي بالسنّة والقضاء بعدي علي بن أبي طالب»(12).

وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «أنت تبيّن لأمّتي ما اختلفوا فيه بعدي»(13).

وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «ليهنك العلم أبا الحسن، لقد شربت العلم شرباً ونهلته نهلاً»(14) 

عبادة الإمام علي(عليه السلام):

وصفت الكتب الروائيّة والتأريخيّة عبادة أمير المؤمنين باروع الصفات، وأكدّت على إخلاص أمير المؤمنين في عبادته، ورسمت صورة من مناجاة أمير المؤمنين مع الله تعالى، وهي مناجاة تدهش العقول، وتفتح آفاق الإنسان نحو مراتبه وكماله وتدفعه إلى القناعة التامّة، بأنّ أمير المؤمنين أولى بالإمامة والولاية من سائر الصحابة.

والإنسان حينما يرى كلّ هذه الكمالات في أمير المؤمنين فإنّه سيتقرّب إليه حسب فطرته الكماليّة.

ومن الأحاديث المهمّة التي أشارت إلى عبادة أمير المؤمنين:

قول الإمام علي(عليه السلام): «صلّيت مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الناس سبع سنين»(15).

وقوله(عليه السلام): «ما أعرف أحداً من هذه الأُمّة عبد الله بعد نبيّنا غيري…»(16).

وقوله(عليه السلام): «أسلمت قبل إسلام الناس، وصلّيت قبل صلاتهم»(17).

فكان علي(عليه السلام) أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوماً، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد، وقيام النافلة، وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبُسط له نطع بين الصفّين ليلة الهرير، فيصلّي عليه ورده، والسهام تقع بين يديه وتمرّ على صماخيه يميناً وشمالاً، فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتّى يفرغ من وظيفته؟ وما ظنّك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده»(18)؟

وقد روي عن أبي ذر، حيث قال: «دخلنا على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: من أحبّ أصحابك إليك، فإن كان أمر كنّا معه، وإن كانت نائبة كنّا من دونه؟

قال: علي، أقدمكم سلماً وإسلاماً(19).

جهاد الإمام علي(عليه السلام):

من أبرز الصفات الأخرى التي اشتهر بها أمير المؤمنين وميّزته عن الآخرين هو جهاده في الإسلام، فيعدّ جهاده وشجاعته في القتال بحيث أصبح هذا الأمر من المسائل المتواترة عند عموم المسلمين، وبمجرّد أن يطرق الإنسان سمعه شخصيّة الإمام علي(عليه السلام) فسينطلق إلى شجاعة أمير المؤمنين(عليه السلام)، في الغزوات، ويشهد التاريخ بانتصار الإسلام بسبب جهاده في حرب بدر والأحزاب وخيبر وحنين وغيرها من الحروب والغزوات.

ومن الأحاديث المرتبطة لهذا الموضوع:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله يوم خيبر: «لأدفعنّ الراية إلى رجل يحبّ الله ورسوله، ويفتح الله عليه».

قال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ… فدفعها إلى علي(عليه السلام) قال: قال: ولا تلتفت، حتّى يفتح عليك فسار قريباً، قال: يار سول الله أعلام أُقاتل؟

قال(صلى الله عليه وآله وسلم): حتّى أن يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها، وحسابهم على الله تعالى»(20).

كما أنّه(عليه السلام) حينما جاء عمرو بن عبد ودّ العامري في غزوة الخندق، وقد عجز عنه المسلمون، وبرز له علي(عليه السلام) فعندها قال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه.

ونقل أحمد بن حنبل في مسنده، قال: خطب الحسن(عليه السلام) بعد استشهاد أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال: «لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأوّلون بعلم ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله يبعثه بالراية، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله لا ينصرف حتّى يفتح له(21).

وقد ورد عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم الحديبية – وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب – يقول: هذا أمير البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، ثمّ مدّ بها صوته وقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الدار ; فليأت الباب»(22).

وعن ابن عبّاس قال: «إنّ راية المهاجرين كانت مع علي(عليه السلام) في المواقف كلّها، يوم بدر ويوم أحد ويوم خيبر ويوم الأحزاب ويوم فتح مكّة، ولم تذل معه في المواقف كلّها»(23).

وكلّ من يتعرّف على شخصيّة الإمام علي(عليه السلام) ويكون لديه إلمام بفضائله(عليه السلام)فإنّه سيندفع من دون إرادة إلى اتّباعة وهكذا كان شأن «حسن عكيدي» فإنّه درس سيرة أهل البيت(عليهم السلام)، فعشق سيرتهم، وأحبّ منهجهم، واتّبع خطاهم، ولم تمض فترة قصيرة إلاّ ووجد نفسه من أتباع أهل البيت(عليهم السلام).

اعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام):

يقول «حسن»: قبل هجرتي إلى إيران كنت أعتقد بأنّ مذهبي على الحقّ وهو المذهب الوحيد القائم على البراهين والأدلّة الرصينة والمحكمة والمنطقيّة، ولكن حينما ذهبت إلى إيران رأيت الكثير من أصدقائي اعتنقوا المذهب الشيعي فأحببت التعرّف على مذهبهم ; فلهذا انطلقت بالبحث والمطالعة، فرأيت خلال البحث والدراسة براهين قويّة لدى الشيعة أقنعتني، وكلّما كنت أطالع أكثر، يزداد اعتقادي بحقّانيّة المذهب الشيعي.

كما كنت أشعر برغبة شديدة لمتابعة المزيد من البحث بدقّة وإمعان، وبعد فترة أيقنت بأنّ المذهب الشعي هو المذهب الحقّ، وهو المذهب القائم على البراهين والأدلّة الرصينة فحرّرت نفسي من التقليد الأعمى وبدأت اغترف من معين معارف أهل البيت. وكان استبصاري عام ١٤١١هـ (١٩٩١م).

____________

1- مفاتيح الجنان، الزيارة الجامعة.

2- نفس المصدر.

3- تفسير الرازي ٨: ٢٣.

4- المناقب لابن شهر آشوب ١: ٣١٧.

5- نهج البلاغة، خطب الإمام علي ٤: ٣٦.

6- فتح الباري ٨: ٤٥٩.

7- ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ٨٣ .

8- مجمع الزوائد للهيثمي ٩: ١٠١.

9- المناقب لابن شهر آشوب ١: ٣١٢.

10- الغدير للأميني ٣: ٩٦.

11- كنز العمّال ١١: ٦١٤، ح٣٢٩٨١.

12- الغدير للأميني ٢: ٤٤.

13- المستدرك ٣: ١٢٢.

14- ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ٧٨.

15- تاريخ الطبري ٢: ٥٦.

16- خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٤٧.

17- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٣٠.

18- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٧.

19- بحار الأنوار ٣٨: ٢٥٣.

20- مسند أحمد ٢: ٣٨٤ – ٣٨٥.

21- مسند أحمد بن حنبل ١: ١٩٩.

22- تاريخ مدينة دمشق ٤٢: ٣٨٣.

23- نفس المصدر ٤٢: ٧٢.