أحمد نايف جاسم الدليمي

أحمد نايف جاسم الدليمي(حنفي / العراق)

ولد «أحمد» في «بغداد» عاصمة أرض السواد «العراق»، ونشأ في أحضان أسرة تنتمي إلى المذهب الحنفي، سلك نهج أبويه بتبعيّة عمياء شأن أغلب الأبناء، فهم يرون آبائهم أناساً أولي بصيرة وعلم وتديّن، فيسيرون مسارهم وينتهجون نهجهم بتبعيّة عشوائيّة تفتقر إلى أدنى مراتب العلم والمعرفة.

وتكون هذه المولاة في حقبة من حياة الإنسان حيث لم يكتمل الفرد ولم يكوّن لنفسه شخصيّة مستقلة عن أبويه، وبعد اجتيازه لهذه المرحلة بالذات والبدء بتكوين وبناء شخصيّته العلميّة وإعلان استقلاليته تتكوّن له قناعات ورؤى مختلفة، وتجول في ذهنه أسئلة واستفسارات عديدة تفرض عليه التحرّي عنها والبحث عن الإجابة الشافية والوافية لها، بشرط أن يتجاوز عقبتين تكمن في طريقه وتكون العائق الأكبر في نهج الباحث عن الحقّ والمتحرّي عن الحقيقة، وهما: العصبيّة، والتبعيّة العمياء للآباء والأسلاف.

فإن أمكنه اجتثاث التعصّب الأعمى من نفسه، والتخلّي عن تبعيّة آبائه وأجداده بتحكيم عقله – الذي جعله الرحمن حجّة على جميع الأنام – فستنفتح أمامه آفاق جديدة، ويطّلع على رؤىً مختلفة، ويمكّنه البحث بحياديه وموضوعيّة عن شتّى الأمور العالقة في ذهنه من دون أن يتأثّر بالعواطف الهائجة، والهتافات الخادعة، والشعارات المغرية.

تمكّن «أحمد» من اجتياز هاتين العقبتين، وجعل عقله هو الحكم والفصل في جميع الأبحاث التي عزم الخوض فيها، وحرّر نفسه من التقديس الواهي لكلّ من أفضى عليه المجتمع هالة من القداسة، وجعل ينظر إلى الدليل والبرهان لا الاسم والعنوان.

كان «أحمد» يعيش في مجتمع خليط من الطائفتين الشيعيّة والسنيّة، فراودته تساؤلات عديدة عن عقائد المسلمين عامّة، والدوافع الكامنة وراء اختلافهم إلى عدّة مذاهب، وأيّ مذهب يسير على نهج الحقّ ويتّبع الهدى؟! وإلى غير ذلك من الأمور التي علقت في ذهن «أحمد» مدّة من الزمان حتّى أُتيحت له الفرصة في التفكير والتمعّن في معطيات الأدلّة التي أقامها كلّ من الفريقين.

قام «أحمد» بإجراء مقارنة بين براهين الشيعة والسنّة، مع تحكيمه للعقل والمنطق، وتغليبهما على باقي العوائق، وعند مقارنته للبراهين بهت «أحمد» إزاء ما توصّل إليه من نتائج البحث الحثيث الذي أجهده مدّة مديدة، ورأى أنّ أدلّة الشيعة وحججهم تعلو ولا يعلى عليها.

فمن جملة الموارد التي يتعجّب الإنسان لنشوء الخلاف فيها بين المسلمين هي مسألة الوضوء، فهو من جملة الأمور عامّة البلوى بين المسلمين، حيث لم يكن أمراً خفيّاً عليهم لتطمس معالمه وتخفى ملامحه، بل كان من الأمور التي يقوم به قاطبة المسلمين في كلّ يوم عدّة مرّات، وقد صرّح القرآن الحكيم بحكمه، فيا ترى كيف وقع هذا الخلاف فيه؟

الوضوء في عهد التشريع:

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ(1)، والآية واضحة الدلالة على وجوب غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس والرجلين للعربي الخالي عن شوائب الأوهام على كلتا القراءتين المشهورة في الأرجل.

قال أبو حيّان: «قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر، وهي قراءة أنس، وعكرمة، والشعبي، والباقر، وقتادة، وعلقمة، والضحّاك: ﴿وَأَرْجُلِكُمْبالخفض، وقرأ نافع، والكسائي، وابن عامر، وحفص: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ بالنصب»(2).

فعلى الأوّل (الخفض): تكون الأرجل معطوفة على لفظ الرؤوس، والحكم في الرؤوس هو المسح فيسري إلى المعطوف عليه (الأرجل) للتشريك بين حكم المعطوف والمعطوف عليه، فلو قلت: أكرم زيداً وعمراً فحكم الإكرام يكون مشتركاً بين زيد وعمر فعليك إكرامهما كما هو واضح.

وعلى الثاني (النصب): – كما هو المثبت حاليّاً في الكتاب العزيز-: فهو عطف على موضع الرؤوس فإنّها محلاًّ منصوبة لوقوع فعل المسح عليها، وهذا هو الوجه الصحيح لإعراب الآية على قراءة النصب كما اعترف به أكثر علماء أهل السنّة.

وأمّا عطف الأرجل على الأيدي فيكون المعنى: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم فيرد عليه:

أوّلاً: قال علماء الأدب: أنّه لا يجوز الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بفاصل أجنبي، فلا يفصل بينهما بمفرد فضلاً عن كونه جملة مستقلّة تبيّن حكم آخر غير حكم المعطوف عليه، فلا يمكن الفصل بينهما بخبر مغاير لخبر المعطوف عليه، فلا يقال أكرمت محمّداً وعليّاً ومررت ببكر وعمراً وتريد بذلك إكرامك لعمر مع محمّد وعلي، فهذا الكلام في غاية البعد والركاكة ولا يصدر من متعرّب فكيف بعربيّ فصيح، فما تقول في القرآن الذي هو الفصاحة بعينها؟!

ثانياً: يلزم ترك العمل بمقتضى ظاهر العطف من غير ضرورة، إذ أنّ ظاهر العطف كون حكم المعطوف «الأرجل» والمعطوف عليه «الرؤوس» شيئاً واحداً وهو المسح، فالإعراض عن هذا الظاهر من دون ضرورة تقتضيه – كما في الآية الكريمة – بعيد عن الفصاحة والبلاغة.

ثالثاً: يلزم عند عطف الأرجل على اليدين بدل الرأس ترك العطف على ما بعد المعطوف إلى ما لا يليه، وهذا أبعد من البعيد، فلا يقال: أكرمت زيداً ومررت بعمر وبكراً وتريد عطف بكر على زيد دون عمر.

رابعاً: ذهب النحاة عند اجتماع عاملين على معمول واحد إلى لزوم إعمال الأقرب منهما، فلو فرض كون الأرجل معمولاً للغسل والمسح فاللازم تقديم العامل الأقرب وهو المسح.

ومن هذا المنطلق نرى أنّ القائلين بالمسح حجّتهم داحضة دامغة، فهم يفسّرون الآية الكريمة على كلتا القرائتين بما يوافق وينسجم مع أصول القواعد العربيّة والأدبية والبلاغيّة، من دون أي شذوذ ومخالفة.

أمّا القائلون بالغسل فهم يخالفون أُولى ا لقواعد الأدبيّة والبلاغيّة، ويتحمّلون المشقّة والجهد الكثير لصرف القرآن عن ظاهره، فقد اطّلعت على ما أورد عليهم على قراءة النصب التي هي أهون من قراءة الخفض، فإنّ ما أوردوه في الخفض على وجوب المسح ممّا لا يصار إليه بوجه وهو من الركاكة بمكان.

فقالوا بالعطف على الجوار أي أنّ الأرجل معطوفة على الرؤوس من باب المجاورة من دون أن تشترك معها في الحكم، فالأرجل سرقت الكسرة من الرؤوس خاصّة، وهذا الكلام قد استهجنه علماء أهل السنّة أنفسهم، وجعلوه خارجاً عن نظم الإعراب وبلاغة القول وفصاحة الكلام، فهو ممّا لا يمكن المساعدة عليه بوجه من الوجوه فإنّ العطف على الجوار لو سلّم فهو إنّما يمكن ويتمّ للضرورة الشعريّة أو للنثر، فيقتصر على هذا المقدار.

أمّا في أمثال المقام حيث يكون العطف فيه عطف النسق فلا يمكن قبوله بوجه(3)، مع أنّه لا ضرورة في المقام أصلاً، فإنّ غاية ما يوجبه الخفض هو مراعاة السجع والتقفية، وذهب علماء البلاغة إلى حسن النظم فيما إذا لم يوجب إخلال في المعنى والتباس في الكلام، وعرفت ما في الخفض على الجوار من ركاكة – لمخالفته حكم المسح في الرأس – توجب خروج الكلام عن أُولى قواعد البلاغة والفصاحة، فكيف ينسب تجويز ذلك على الكتاب العزيز الذي هو الفصاحة والبلاغة بعينها؟!

وحكي عن أبي إسحاق النحوي أنّه قال: «الخفض على الجوار لا يجوز في كتاب الله عزّ وجلّ، وإنّما يجوز ذلك في ضرورة الشعر»(4)، وهذا أقوى الوجوه في استدلالهم على الخفض، وهناك وجوه أخرى ذكروها في غاية الوهن والضعف لا تصلح أن تكون دليلاً بحال لما فيها من المخالفة للفصاحة.

فصريح القرآن في المسح ولا يصار إلى الغسل فيه بوجه من الوجوه، فياترى ما الداعي الذي دعى القوم إلى مخالفة صريح القرآن وإبدالهم مسح الرجلين بغسلهما؟!

أمّا السنّة فهي عندهم على طائفتين:

الطائفة الأولى: توافق الكتاب وتوجب المسح على الأرجل، وهي عدّة روايات قد صرّح علماؤهم بصحّتها:

منها: ما عن الإمام علي(عليه السلام) بطرق مختلفة صحاح أنّه: «صلّى علي رضي الله عنه الظهر في الرحبة، ثمّ جلس في حوائج الناس حتّى حضرت العصر، ثمّ أتي بكوز من ماء فصبّ منه كفّاً فغسل وجهه ويديه ومسح على رأسه ورجليه، ثمّ قام فشرب فضل الماء وهو قائم، ثمّ قال: «إنّ ناساً يكرهون أن يشربوا وهم قيام ورأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعل مثل الذي فعلت»، وقال: «هذا وضوء من لم يحدث»(5). وفيه دلالة واضحة على أنّ أناساً أحدثوا في وضوء النبيّ، وأكّد الإمام علي(عليه السلام) أنّ هذا الوضوء الذي توضّأه هو الوضوء الصحيح غير المحدث على الرسالة المحمّديّة.

ومنها: ما عن ابن عبد خير عن أبيه قال: رأيت عليّاً توضّأ فمسح ظهورهما(6).

ولسنا بصدد إقصاء جميع الروايات الواردة في هذا الباب، بل الهدف هو بيان أنّ عند القوم أنفسهم روايات كثيرة صحيحة واردة بعدّة طرق توجب المسح على القدمين.

الطائفة الثانية: ما أوردوه من الروايات التي تدلّ على غسل الرجلين:

منها: رواية ويل للأعقاب أو العراقيب، فروي عن ابن العاص قال: «تخلّف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنّا في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقنا العصر فجعلنا نتوضّأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته: «ويل للأعقاب من النار»، مرّتين أو ثلاثاً»(7).

ومنها: ما عن ابن الخطاب: «أنّ رجلاً توضّأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ارجع فأحسن وضوءك» فرجع ثمّ صلّى»(8).

وإلى غيرها ممّا رووه في هذا الصدد وقد أشكل بعض علمائهم في دلالة ما أوردوه تارة وفي سنده أخرى، فما تمّ دلالته فهو قاصر سنداً وما تمّ سنده تراه قاصراً في الدلالة، وخير ما قيل في المقام ما عن ابن حزم الظاهري قال: «أبطلتم مسح الرجلين وهو نصّ القرآن بخبر يدعي مخالفنا ومخالفكم أننا سامحنا أنفسنا وسامحتم أنفسكم فيه، وأنّه لا يدلّ على المنع من مسحها، وقد قال بمسحها طائفة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم»(9).

فنقول للقوم: على فرض تسليم صحّة روايات الغسل دلالة والإغماض في أسانيدها، والإغماض عن تأخّر زمان نشوء خلاف المسلمين حوله نحو ثلاث عقود بعد وفاة النبيّ، والإغماض عمّا ذكر لعثمان من نحو عشرين رواية في المقام من مجموع ١٤٦ رواية نقلت عنه وهو من المقلّين في الحديث، والإغماض عن معارضة الإمام علي(عليه السلام) وباقي الصحابة كأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الله بن مسعود، وأبو ذر الغفاري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، والمقداد وعبد الرحمن بن عوف و… حيث أوجبوا المسح لا الغسل، والإغماض عمّا ورد من تغيير سنّة النبيّ(10)، والإغماض عن العوامل والعلل التي أدّت إلى قتل عثمان ودفنه في مقبرة اليهود حتّى أنّ بعض المؤرّخين أعرض عن ذكر ما أحدثه عثمان على السنّة النبويّة(11) ومنها إبدال سنّة مسح الرجلين بالغسل، أنّ غاية ما تثبتوه وجود طائفتين من الروايات، قسم يوجب المسح وموافق لكتاب الله، وقسم يوجب الغسل ومخالف لكتاب الله.

فأمّا أن نقدّم طائفة المسح لترجيحها بمعاضدة كتاب الله فالحكم مسحهما، أو نحكم بتعارض الطائفتين فيحكم بتساقطهما وبعده نرجع إلى كتاب الله وهو يقضي بالمسح.

وإمّا أن توجبون نسخ القرآن والسنّة، بالسنّة وفيه:

أوّلاً: أنّ نسخ القرآن بالسنّة لا ينسجم مع ما رووه عن عمر بن الخطاب، فعن الشعبي قال: لما بعث عمر بن الخطاب شريحاً على قضاء الكوفة قال: انظر ما تبيّن لك في كتاب الله فلا تسألن عنه أحداً وما لم يتبيّن لك في كتاب الله فاتّبع فيه السنّة(12)، فهذا عمر يقول بتقديم الكتاب على السنّة، وهل يعقل التقديم في غير المتعارض منهما؟ فلو وافق الكتاب السنّة فأيّ معنى لتقديم الكتاب عليها، فعمر – الخليفة – يوجب تقديم القرآن على السنّة، فما يرتضي تابعيه وما يقولون؟

ثانياً: والعجب من القوم أنّهم يتخبّطون في كلّ واقعة بما تشتهي أنفسهم، أليس عمر هو القائل: «حسبنا كتاب الله»(13)، وقوله هذا كان النبيّ، ألم يريد بذلك تقديم القرآن على قول النبيّ والنبيّ في ظهرانيّهم؟! فما عدا عما بدا حتّى أوجبتم نسخ القرآن بالسنّة لتصحيح عمل ثالث القوم؟!!

ثالثاً: قول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، لمعاذ «بم تحكم»؟ قال: بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد»؟ قال: بسنة رسول الله(14)، فقدّم معاذ العمل بالقرآن على سنّة الرسول بين يدي النبيّ وأقرّه النبيّ على ذلك، فلو كانت السنّة تنسخ القرآن لبيّنه النبيّ لمعاذ.

رابعاً: أنّ دأب السلف تقديم الكتاب على السنة، قال ابن تيميّة: كانوا يقضون بالكتاب أوّلاً لأنّ السنّة لا تنسخ الكتاب…(15).

خامساً:أنّ القرآن مقطوع الصدور، والسنّة مظنون الصدور، والمقطوع مقدّم على المظنون.

سادساً: خالف بعض أساطينهم نسخ القرآن بالسنّة وتبعهم جمع على ذلك، فعن الشافعي قال: لا يجوز نسخ السنّة بالقرآن كما لا يجوز نسخ القرآن بالسنّة(16)، وتبعه على ذلك جماعة من علمائهم.

سابعاً: لو سلّمنا مجارات القوم في صحّة نسخ القرآن بالسنّة والإغماض عن فساد هذا المبنى جملة وتفصيلاً، فهو إنّما يتمّ عندهم فيما لو كانت السنّة قطعيّة لا يتخللها شكّ ولا ريب، وأنّى لهم إثبات هذا في الوضوء وقد عرفت مخالفة جمع كثير من الصحابة لسنّة الغسل بسنّة المسح عن رسول الله، فغايته وجود طائفتين إحداهما توجب المسح والأخرى توجب الغسل فلا يمكننا أن ننسخ كتاب الله بالطائفة المخالفة له بدعوى نسخ القرآن بالسنّة.

ثامناً: كيف نحكم بنسخ الكتاب والسنّة القاضية بالمسح بالسنّة القاضية بالغسل؟ فما المرجّح لتقديم سنّة الغسل على المسح؟ فلماذا لا ننسخ سنّة الغسل بالمسح؟ وعمل بعض الصحابة لا يكون مرجّحاً، لتعارضه بعمل جماعة آخرين منهم، وعمل التابعين لأحدهما لا يوجب ترجيح أن يكون الناسخ هو سنّة الغسل.

تاسعاً: أجمع المسلمون على أنّ سورة المائدة هي آخر سورة نزلت على الرسول الأمين ولم ينسخ منها آية واحدة.

التسليم إلى الحقّ:

سلّم «أحمد» للحقّ حينما انجلى له واعتنقه بصدق ويقين، لأنّه كان لا يقيم وزناً لغير الحقّ، وعلم أنّ عليه معرفة الحقّ بالرجال، لا معرفة الرجال بالحقّ، فركب سفينة أهل البيت(عليهم السلام) ونجا مع ركبها من الهلكة والضلال، ويطلب من عامّة المسلمين أن لا يتعصّبوا أمام البراهين الجليّة فيلتمسوا في قبالها وجوهاً ما أنزل الله بها من سلطان ويخالفون شتى المبادئ للبقاء على دين آبائهم وأسلافهم فيشملهم قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ(17)

____________

1- المائدة (٥):٦.

2- تفسير البحر المحيط ٣: ٤٥٢، ذيل تفسير آية الوضوء.

3- قال ابن هشام: ولا يكون في النسق، لأنّ العاطف يمنع من التجاور، مغني اللبيب ٢: ٦٨٣، الباب الثامن، القاعدة الثانية.

4- تاج العروس ٤: ٢٠٣، «مسح».

5- مسند أحمد ١: ١١٦، مسند علي بن أبي طالب، وقريب منه في السنن الكبرى ١: ٧٥، باب قراءة من قرأ وأرجلكم نصباً وخفضاً، مسند أبي داوود الطيالسي: ٢٢، و… .

6- مسند أحمد ١: ١٢٤.

7- صحيح البخاري ١: ٢١، كتاب العلم.

8- صحيح مسلم ١: ١٤٨، باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء.

9- المحلّى ٢: ٦١، المسألة ٢٠١.

10- ففي البخاري عن سالم قال: سمعت أمّ الدرداء تقول: دخل عليّ أبو الدرداء وهو مغضب فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم شيئاً إلاّ أنّهم يصلّون جميعاً، وفيه أيضاً عن الزهري يقول: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت: ما يبكيك؟ فقال لا أعرف شيئاً ممّا أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيّعت.

11- فقال الطبري في تاريخه: ذكرنا كثيراً من الأسباب التي ذكر قاتلوه أنّهم جعلوها ذريعة إلى قتله فأعرضنا عن ذكر كثير منها لعلل دعت إلى الإعراض عنها، تاريخ الطبري ٣: ٣٩٩، (ذكر الخبر عن قتل عثمان) – وقال ابن الأثير: وقد تركنا كثيراً من الأسباب التي جعلها الناس ذريعة إلى قتله لعلل دعت إلى ذلك، الكامل في التاريخ ٣: ١٦٧. (ذكر قتل عثمان)، وما أدري ما تلك العلل التي دعت هؤلاء إلى ترك الخوض فيها غير أنّها صارت سنّة للناس وقد ألفوها فأصبح ذكرها هاجساً يتخوّف من بيانه لأنّ لا تعلوا أصوات القوم كما علت فقالوا: واسنّة عمراه!

12- السنن الكبرى ١٠: ١١٠، موضع المشاورة، وقريب منه في فتح الباري ١٣: ٢٤٤، والأحكام ٦: ٧٦٨، و… .

13- صحيح البخاري ٥: ١٣٨، باب مرض النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم).

14- المستصفى: ٢٩٣، مسألة في الرد على من حسم دليل الاجتهاد.

15- مجموع الفتاوى كتاب معارج الأصول ١٩: ١٠٩.

16- حكاه الغزالي عنه، المستصفى: ١٠٠، ومذهب الشافعي بعدم جواز النسخ مشهور عند القوم.

17- البقرة (٢): ١٧٠.