يوم المباهلة

24 من شهر ذي الحجة، ذكرى يوم عيد المباهلة

ولما انتشر الإسلام بعد الفتح وما وليه من الغزوات المذكورة وقوي سلطانه، وفد إلى النبي (صلى الله عليه وآله الوفود)، فمنهم من أسلم ومنهم من استأمن ليعود إلى قومه برأيه عليه السلام فيهم.
وكان في من وفد عليه أبو حارثة أسقف نجران في ثلاثين رجلاً من النصارى، منهم العاقب والسيد وعبد المسيح، فقدموا المدينة وقت صلاة العصر، وعليهم لباس الديباج والصلب، فصار إليهم اليهود وتساءلوا بينهم فقالت النصارى لهم: لستم على شئ، وقالت لهم اليهود: لستم على شيء، وفي ذلك أنزل الله سبحانه: (وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ …) إلى آخر الآية.

فلمّا صلّى النبي (صلى الله عليه وآله العصر) توجهوا إليه يقدمهم الأسقف، فقال له: يا محمد، ما تقول في السيد المسيح؟ فقال النبي (عليه وآله السلام ): (عبد لله اصطفاه وانتجبه) فقال الأسقف: أتعرف له – يا محمد – أبا ولده؟ فقال النبي (عليه وآله السلام): (لم يكن عن نكاح فيكون له والد) قال: فكيف قلت إنه عبد مخلوق، وأنت لم تر عبداً مخلوقاً إلا عن نكاح وله والد؟ فأنزل الله تعالى الآيات من سورة آل عمران إلى قوله: ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فتلاها النبي (صلى الله عليه وآله) على النصارى، ودعاهم إلى المباهلة، وقال: (إن الله عز اسمه أخبرني أن العذاب ينزل على المبطل عقيب المباهلة، ويبين الحق من الباطل بذلك) فاجتمع الأسقف مع عبد المسيح والعاقب على المشورة، فاتفق رأيهم على استنظاره إلى صبيحة غد من يومهم ذلك.
فلما رجعوا إلى رحالهم قال لهم الأسقف: انظروا محمدا في غد، فإن غدا بولده وأهله فاحذروا مباهلته وإن غدا بأصحابه فباهلوه فإنه على غير شئ.
فلما كان من الغد جاء النبي (عليه وآله السلام) آخذاً بيد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن والحسين بين يديه يمشيان وفاطمة (صلوات الله عليهم) تمشي خلفه، وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم.
فلما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) قد أقبل بمن معه، سأل عنهم، فقيل له: هذا ابن عمه علي بن أبي طالب وهو صهره وأبو ولده وأحب الخلق إليه، وهذان الطفلان ابنا بنته من علي وهما من أحب الخلق إليه، وهذه الجارية بنته فاطمة أعز الناس عليه وأقربهم إلى قلبه.
فنظر الأسقف إلى العاقب والسيد وعبد المسيح وقال لهم: انظروا إليه قد جاء بخاصته من ولده وأهله ليباهل بهم واثقاً بحقه، والله ما جاء بهم وهو يتخوف الحجة عليه، فاحذروا مباهلته، والله لولا مكان قيصر لأسلمت له، ولكن صالحوه على ما يتفق بينكم وبينه، وارجعوا إلى بلادكم وارتؤوا لأنفسكم  فقالوا له: رأينا لرأيك تبع، فقال الأسقف: يا أبا القاسم إنا لا نباهلك ولكنا نصالحك، فصالحنا عل ما ننهض به.
فصالحهم النبي (صلى الله عليه وآله) عل ألفي حلة من حلل الأواقي قيمة كل حلة أربعون درهماً جياداً، فما زاد أو نقص كان بحساب ذلك، وكتب لهم النبي (صل الله عليه وآله) كتابا بما
صالحهم عليه، وكان الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من عند محمد النبي رسول الله لنجران وحاشيتها، في كل صفراء وبيضاء وثمرة ورقيق، لا يؤخذ منه شئ منهم غير ألفي حلة من حلل الأواقي ثمن كل حلة أربعون درهماً، فما زاد أو نقص فعلى حساب ذلك، يؤدون ألفا منها في صفر، وألفا منها في رجب، وعليهم أربعون ديناراً مثواة رسولي مما فوق ذلك، وعليهم في كل حدث يكون باليمن من كل ذي عدن عارية مضمونة ثلاثون درعاً وثلاثون فرساً وثلاثون جملاً عارية مضمونة، لهم بذلك جوار الله وذمة (محمد بن عبد الله )، فمن أكل الربا منهم بعد عامهم هذا فذمتي منه بريئة.
وأخذ القوم الكتاب وانصرفوا.

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم


المصدر: الإرشاد للشيخ المفيد، طبعة مؤسسة آل البيت (ع) سنة 1414، المجلد: 1، الصفحة: 166 – 169