عماد المحمدي

عماد المحمّدي (شافعي / العراق)

ولد عام ١٣٨١هـ (١٩٦٢م) في محافظة «الأنبار» قضاء الفلّوجة بالعراق، ونشأ في أسرة شافعية المذهب، اهتمّ منذ صغره بقراءة القرآن وإتقان علوم التجويد، ثمّ شاءت الأقدار أن ينتقل إلى إيران، فتعرّف على مذهب أهل البيت(عليهم السلام)من خلال لقائه بالشيعة، ويقول «عماد»:

تأثّرت بأحد الإخوة الحرس الإيرانيّين، فشرح لي الكثير من عقائد الشيعة، ومن هذا المنطلق بدأت رحلتي العقائديّة، كما تعرّفت على بعض الشيعة وتحاورت معهم في المجال الديني، ثمّ توجّهت إلى قراءة الكتب الدينيّة، فقرأت الكثير من الكتب ولاسيّما كتب المستبصرين وقرأت أيضاً الكتب الشيعيّة المهمّة فتأثّرت بكتاب «فضائل الخمسة من الصحاح الستّة» لمؤلّفه السيّد مرتضى الحسيني الفيروز آبادي، وكتاب «لماذا أنا شيعي» تأليف الشيخ محمّد حسين الفقيه، وكتاب «مؤتمر علماء بغداد» وغيرها من الكتب القيّمة.

لماذا أنا شيعي؟:

قرأ «عماد» في كتاب «لماذا أنا شيعي»؟:… «اعطى القرآن الكريم أتباعه منهجيّة حيّة دلّت على أمرين:

أولاً: حبّه التفتح والتحرّر الفكريين، ورفضه قيام العقيدة على أساس هار.

ثانياً: اطمئنانه لكيانه الفكري ومنهجه العلمي.

إنّ المنهجيّة التي أعطاها القرآن لأتباعه هي منهجيّة عامّة يمكن لكلّ إنسان الإفادة منها في طريق الوصول إلى الواقع.

فنحن – والحمد لله – استناداً إلى العقل والقرآن أبناء العقيدة العلميّة، ندرك جيّداً أنّ من لا يتّبع العلم في عقائده هو أشبه بالبهيمة منه بالإنسان، وإنّ حياته هي الجحيم بعينها.

فأنا – والحمد لله – مسلم شيعي اثنا عشري وكفاني بذلك فخراً.

ولسائل أن يسألني عن المبرّرات التي الزمتني السير حسب المعتقد الشيعي بل والإصرار عليه إلى حدّ الاستعداد للتضحية وتحمّل الآلام من أجله، هل هي مبرّرات وهميّة؟

هل هي عواطف الآباء والأجداد؟ هل هو المحيط؟ هل هي العادة والألفة؟

هل هي المصالح الخاصّة التي أخشى عليها الضياع حين أتخلّى عن مذهبي الشيعي؟

… أنت مسلم – جيّد ممتاز – لكن لماذا أنت شيعي؟

الأكثريّة في منطق القرآن:

لماذا تركت مذاهب جمهور المسلمين، وقفزت مع رفاقك في اتّباع مذهب معيّن؟

لماذا لم تتّبع الأكثريّة من المسلمين؟

وأُجيب بين يدي الحضرة الربوبّية: لم أتّبع الأكثريّة ; لأنّها ليست مقياس الحقّ والباطل في منطق القرآن، حيث قال تعالى: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ(1).

ولا في منطق العقل ; لأنّ الناس ليسوا معصومين، فلا أكاد أفهم أنّ اجتماع غير المعصومين على شيء يجعل منهم معصومين.

ولا في منطق الأحداث ; لأنّ الأكثريّة من هذه الأُمّة هي التي اجتمعت على قتال سبط رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وسيّد شباب أهل الجنّة في كربلاء.

واصل «عماد» مطالعته لكتاب «لماذا أنا شيعي»؟ وقرأ ما ذكره المؤلّف حول آية «أُولئك هم خير البريّة»(2)، وآية المودّة في القربى(3)، ثمّ قرأ ما ذكره المؤلّف حول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والخلافة.

هل ترك الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أمّته سدى؟

أعود لأقول: أنا شيعي ; لأنّ التشيّع يستند إلى المنطق العقلائي حين يرفض قبول نظريّة موقف النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) السلبي من مستقبل الأُمّة ومن مستقبل الإسلام، وهو الذي بعث رحمة للعالمين، وهو الذي كان يعلم بما يقع بعده من فتن واختلافات وأخطار يمكن أن تعصف بالإسلام، كان يعلم ذلك عن طريق غيبي أو عن طريق حنكته وبصيرته النافذة لأحوال الناس في زمانه… وهو الذي كان لا يغيب عن المدينة في غزوة إلاّ ويستخلف عليها؟

…وأنا شيعي لأنّي لست مقتنعاً بما يقال من اعتماد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) منطق الشورى في انتخاب الخليفة من بعده ; ذلك لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يثقّف الأُمّة على مبدأ الشورى، ولم يذكر تفاصيله فيما بين أيدينا من سنّة، فلو كانت الخلافة يجب أن تعتمد على الشورى لكان على النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) تركيز هذا المبدأ في أذهان المسلمين وبيان فروعه وتفاصيله لهم ; لأنّ أساس الحكم الإسلامي الذي أريد له الخلود ولم نجد أيّة إشارة بل ولا معلم على الطريق عن مسألة الشورى في السنّة المطهّرة، هذا أوّلاً.

وثانياً: لم أجد الصحابة يعتمدون هذا المبدأ في اجتماعهم يوم السقيفة، ولم يرد للشورى ذكرى أبداً في تضاعيف كلمات أبطال السقيفة؟

وإنّما اعتمدوا على أساس قرابتهم من النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ونصرتهم له و… تلك الخصائص التي تمثّلت في عليّ قبل أن تتمثّل فيهم.

ولذلك نجد علي بن أبي طالب ينسف أساسهم الذي اعتمدوه في انتخاب الخليفة حين يقول: «اجتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة»(4).

ثمّ أين الشورى المزعومة؟ والمشيرون الكبار لم يدخلوا في الطاعة إلاّ بمنطق القوّة؟!

ثمّ لم يعمل الخليفة الأوّل بالشورى وهو ينصب الخليفة الثاني نصباً…

أجل ورد في القرآن: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ(5).

لكن أيّ أمر هذا؟ هل هو أمر الدين؟ أم أمر الدنيا؟

وإذا كان الدين قد حدّد تكليفنا في موقف معيّن، فماذا تعني الشورى؟

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ(6).

إنّ الشيعة يعتقدون بأنّ الله ورسوله قضيا في أمر الخلافة والإمامة، فلا تخضع للشورى، فماذا نقول للشيعي حين يرى هذا الرأي، والحوادث التاريخيّة الواقعة في بداية الدعوة الإسلاميّة تدعم نظريّة الشيعة هذه…

إذن: أنا شيعي لأنّي أرفض ما يدّعى من سلبيّة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) اتّجاه مستقبل الدين والأُمّة.

وأنا شيعي لأنّي لم أجد مبرّراً نظريّاً ولا عمليّاً في تاريخ الشريعة يبرّر ما يسمّونه (الشورى).

موقف النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) الإيجابي من مستقبل الأُمّة:

يضيف مؤلّف كتاب «لماذا أنا شيعي؟»: وأنا شيعي، لأنّ الشيعة لا يؤمنون إلاّ بالمنطق المعقول على هدى الإسلام رسالة الله الخالدة، فهم يؤمنون بأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)لم يقف مكتوف اليدين اتّجاه الأُمّة والإسلام، بل وقف موقفاً إيجابيّاً فخطّط لمستقبل الأُمّة وعيّن القائد السياسي والزعيم الديني والمرجع العلمي من بعده.

وهذا هو المنطق المعقول الذي يجب قبوله وصدوره من صاحب الرسالة، والإسلام دين العقل، يأمرنا بالتبصّر في الأحداث، والاعتبار بالتاريخ، ويندّد بالذين لا يستثمرون عقولهم في الحياة ﴿وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ(7).

أنا أدري أنّ الكثيرين لا يسيغهم قولي وطريقة تفكيري، ولكنّي ماذا أصنع والإسلام هو الذي أمرني بالتعقّل والتفكير، والعقل هداني إلى أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو سيّد العقلاء لابدّ أن يكون خطّط لمستقبل أمّته والدين بتعيين القائد الكفؤ الذي يقي الأُمّة والدين خطر الفناء والهلاك والتشويه والاختلاف، والصدع على أيدي الكفّار والمنافقين(8).

مواصلة البحث:

واصل «عماد» بحثه العقائدي، وتعرّف على مذهب أهل البيت(عليهم السلام) من مختلف الطرق المقروءة والمسموعة، واستمع إلى محاضرات المنبر الحسيني وبدأ بتجميع الأدلّة والبراهين حتّى اكتملت عنده الصورة، فأعلن استبصاره عام ١٤٠٣هـ (١٩٨٣م).

وشعر «عماد» بعد الاستبصار بأنّه يمتلك قدرة بيان الأدلّة والبراهين لكلّ متعطّش لمعرفة الحقيقة، وقادر على إقناع من يعرفهم من أتباع أهل السنّة وبدأ يبيّن العقائد الحقّة لهم وعموماً تحوّلت حياة «عماد» بعد استبصاره إلى حياة علميّة وممزوجة بالأدلّة والبراهين العقليّة والنقليّة وكانت هذه المعارف الدينيّة بمثابة نور هدته إلى طريق الحقّ، وأرشدته إلى سبيل الرشاد، ومنحته الاستقامة على الصراط المستقيم.

ويقول «عماد» حول الموانع التي واجهها في طريق استبصاره بأنّه لم يواجه موانع خارجيّة ; لأنّ الأجواء المحيطة به كانت تساعده على الاستبصار، ولكنه واجه موانع داخليّة فاجتازها عن طريق التوكّل على الله سبحانه وتعالى.

____________

1- الأنعام (٦): ١١٦.

2- البيّنة (٩٨): ٧.

3- الشورى (٤٢): ٢٣.

4- نهج البلاغة ١: ١١٦، الخطبة ٦٧.

5- الشورى (٤٢): ٣٨.

6- الأحزاب (٣٣): ٣٦.

7- يونس (١٠): ١٠٠.

8- انظر: لماذا أنا شيعي؟ الشيخ محمّد حسين الفقيه (بتصرّف يسير).