عصام جورج برنارد

عصام جورج برنارد (مسيحي / العراق)

ولد سنة ١٣٧٥هـ (١٩٥٦م) في مدينة «بغداد» عاصمة العراق، ونشأ في أحضان أُسرة مسيحيّة كلدانيّة، واصل دراسته إلى نهاية المرحلة الاعداديّة، استبصر سنة ١٤٠٤هـ (١٩٨٤م) في معسكر جرجان للأسرى في إيران أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية.

بين المسيحيّة والإسلام قلبٌ مهموم:

يقول «عصام»: «كانت فترة وقوعي في الأسر في الإيران فرصةً أتاحت لي قراءة كتب المسلمين، والإطّلاع على معالم دينهم، بعد أن لم أكن أعرف عنهم إلاّ الشيء القليل، كما أخذت بالمقارنة بين ديانتي المسيحية – التي ورثتها عن أهلي – والإسلاميّة – التي أطلّت عليّ بقوّة، بعد أن لم يكن يعنيني أمرها لا من قريب ولا من بعيد – .

إنّ الإطّلاع على القرآن الكريم هزّ مشاعري، وسما بروحي إلى العوالم العليا، فما هذا الكلام من كلام البشر أبداً، وقد سبق لي الاطّلاع على الإنجيل والتعبّد به، لكنّ القرآن شيء آخر لا يمكن وصفه أو مقارنته بالإنجيل.

نعم هناك قصص متشابهة، وهناك ذكر للإنجيل وعيسى وأمّه مريم في القرآن، وهي آيات كثيرة تذكرهم باحترام، وتعترف بأنّ المسيح(عليه السلام) نبيّ الله، بل من أنبياء أُولي العزم، كما تعترف بكتابه الإنجيل وتقول: إنّه وحي الله.

كما تذكر أنّ مريم اصطفاها الله على نساء العالمين، ونفخ فيها من روحه، فولدت عيسى(عليه السلام) من دون أب، وكان مثله كمثل آدم(عليه السلام) خلقه الله من دون أب وأمّ.

وتذكر أن المسيح هو عبد الله وروحه وكلمته، وليس فيها ذكر لربوبيّته أبداً، فلا أدري إنّ أناجيلنا من أين أتت بأنّ المسيح الإنسان ابن الربّ؟ سبحانه وتعالى عن ذلك.

إنّ قصّة التثليث المسيحي، قصّة تخاطب عاطفة الإنسان بأُمور مؤلمة، وهذا لا يقبله العقل ولا يهضمه، فالثلانة لا يكونون واحداً رغم إدّعاء آباء الكنيسة للتوحيد، كما أنّ إرسال الربّ لابنه فداء للبشريّة من خطيئة آدم الذي أُخرج من الجنّة أمر يحرّك الإحساسات الإنسانيّة ويدفعها نحو التعلّق بالمسيح وحبّه، لكنّه دفع قسريّ يفترض أنّ الخطيئة الأُولى المُدّعاة لآدم(عليه السلام) أمر جبريّ يسري على كافة أبنائه، شاؤوا أم أبوا، عقلوا هذا الأمر أم لم يعقلوه، كباراً كانوا أو صغاراً لا يدرون ما آدم(عليه السلام) وما خطيئته.

إنّ هذا السحق المبرم لإرادة الإنسان الذي خُلق مخيّراً، يؤدّي إلى الرفض من قبل أيّ إنسان عاقل، لكنّ معظّم الناس لا يستطيعون التعبير عن رفضهم هذا لاختلاط هذا الموضوع بالأُمور المقدّسة التي ظاهرها السعي في خلاص الإنسان، لكنّها في الواقع تستبطن إضلاله ودفعه قسراً إلى الدين.

إنّ انعتاق اوروبا والغرب بصورة عامّة من تعاليم الكنيسة في عصر النهضة، دفع بأبناء الغرب إلى الفرار من الدين والتمسّك بالعلمانيّة الكافرة نتيجة هذا القسر الخفي في العقيدة المسيحيّة.

إنّ عقلي كان يؤمن بهذا التفكّر، ولكنّ قلبي كان يعتصر ألماً، فهو موزّع بين عقائده الأُولى التي تلقّاها أيّام الطفولة فلازال لقداس يوم الأحد صدىً في أعماق الروح، ولازال جرس الكنيسة له رنيناً خاصاً في حنايا القلب، وبين عقائده الجديدة التي يأمر بها العقل، ولا تأباها العاطفة الإنسانيّة الصادقة، فمن يستطيع أن يرفض آيات القرآن. وأيّ قلب قاس هذا الذي يريد أن لا يؤمن بها؟

رؤيا صالحة تفصل الحقّ عن الباطل:

يواصل «عصام» قائلاً: «كانت أيّاماً صعبة، أُصبح فيها مهموماً، فاستغرق في التفكير، ويدخل عليّ اللّيل بهمّ مضاعف يمتدّ بي إلى ساعات اللّيل المتأخرة أتقلّب على فراشي، ولا أحد هناك يعينني على مواجهة هذه المحنة، فتوجّهت إلى الله ربّ العالمين، وطلبت منه بحرارة وإيمان صادق بعظمته وإُلوهيّته أن ينقذني من هذه الورطة.

وهناك في إحدى الليالي غمضت عيناي ورأيت رؤياً صالحة هدتني إلى الطريق المستقيم، حيث رأيت أحد السادة المسلمين وهو يحتضنني ويقول لي بهدوء: سوف تكون من المخلصين إن شاء الله، وانتبهت من حلمي، وقصصته على أصدقائي ولم يطل بي الوقت حتّى قرّرت أن أُسلم لله ربّ العالمين فذهبت مع أحد أصدقائي إلى الشيخ الموجود في المعسكر ونطقت بالشهادتين وأصبحت مسلماً.

إنّ إيماني بالإسلام كان إيماناً بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الكرام الذين أوحى بهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه، وذكرهم القرآن بصور شتّى، كما بشّرت بهم الكُتب المقدّسة السابقة.

إنّ التأمّل في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) يحكي لك البطولة والفدائيّة والأهليّة لخلافة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) من جميع النواحي.

فهو ربيب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لم يسجد في حياته لصنم(1)، وهو المدافع عنه في كلّ الملمّات، وهو الفدائي الذي بات على فراش رسول الله ليلة الهجرة ليخلص معلّمه ورسوله من طغاة قريش الذين لا يرحمون أحداً، وهو الذي قام الإسلام بسيفه، فبينما كان كبار الصحابة يفرّون من الحروب كان هو الكرّار الذي تشهد له بدر وأُحد والخندق وخيبر وحنين و . . .

إنّ ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام) هي حصن الله(2) الذي يأمن من دخله من العذاب، فالحمد لله على نعمة الولاية لآل البيت(عليهم السلام) التي هي جنّة المأوى والتي لا ينالها إلاّ المخلصون المحبّون، وأمّا غيرهم فهم المحرومون دنيا وآخرة، والعياذ بالله من سوء العاقبة.

____________

1- شواهد التنزيل ١: ٤١٢.

2- أمالي الصدوق: ٣٠٦، رقم ٣٥٠.