طارق نافع محمد الدليمي

طارق نافع محمّد الدليمي (حنفي / العراق)

ولد عام ١٣٨٧هـ (١٩٦٨م) في محافظة «الرمادي» الواقعة غربي العراق، ونشأ في عائلة سنية حنفية المذهب، أكمل الدراسة المتوسطة، ولم تمهله الظروف حتّى سيق للحرب بين العراق وإيران في الثمانينات من القرن الماضي، اعتنق مذهب آل البيت(عليهم السلام) سنة ١٤٠٩هـ (١٩٨٩م) في أحد معسكرات الأسر في إيران.

أهل البيت(عليهم السلام) منارُ الهداية:

يقول «طارق»: «واجهت ظروفاً مختلفة في حياتي، فمن أيّام آمنة جميلة في الطفولة وأوائل الشباب، زُّج بي في الحرب مُكرها، وأنا لا أعرف عن سببها شيئاً فذقت ويلاتها، وتجرّعت غصصها، وتغرّبت عن أهلي إلى حيث البقاع المقفرة والديار الموحشة.

ثُمّ إنّي وقعت في الأسر، فواجهت تجربة جديدة، وعالماً آخر غريباً عليّ كلّ الغرابة، ولاقيتُ أناساً جدّداً، واطّلعت على أفكار لم تخطر على بالي.

والحمد لله لم تكن هذه التجربة مريرة كلّها، فقد اهتديت من خلالها إلى معرفة أئمّة الهدى من أهل البيت(عليهم السلام)، وخاصة الإمام علي(عليه السلام) فقد سحرني كلامه في «نهج البلاغة» الذي قرأته في هذه الفترة من أوّله إلى آخره، وأعجبني صبره وصبر ابنه الإمام الحسين(عليهما السلام) في مواجهة الظلم بكافّة أشكاله من أجل حفظ الإسلام، ولولا هذه المعرفة بهم، لأصابني من الألام الروحيّة ما أصابني، ولذهبت إلى مصير مجهول تحوطه الآهات والزفرات.

إنّ ولائي لأهل البيت(عليهم السلام)، كان حظاً أصبته لنفسي، وإنّ مودّتي الشديدة لهم قد علقت بقلبي لأنّي وجدت فيهم ضالّتي وعرفت فيهم هداي، فمن يوالي أهل البيت(عليهم السلام) يجد فيهم الأولياء المرشدين له المشفقين عليه، ومن يعرض عنهم – لا سامح الله – يتيه في الضلال، ويعيش في النّكدو الضنك».

سيرة أهل البيت(عليهم السلام) مع الظالمين:

قال الإمام علي(عليه السلام) في كلام له مع أحد عماله نهاه فيه عن تقديم الخراج: «استعمل العدل، واحذر العسف والحيف، فانّ العسف يعود بالجلاء، والحيف يدعو إلى السّيف»(1).

وأنت تجد في هذا النص الأمر بالعدل، وبيان عواقب الظلم من العسف بالناس، وهو الأخذ على غير الطريق الصحيح، فتكون النتيجة جلاء الرعيّة عن أماكنهم والمغادرات من أريافهم ومزارعهم، أو الجور عليهم الذي يؤدّي إلى الاحتكام إلى السيف ممّا يؤدّي إلى اختلال النظام، وشيوع الفوضى وتفشّي الخراب، واسمع هذا الكلام من الإمام علي(عليه السلام)، واعرضه على قلبك ليعيه ويتّعظ منه، قال(عليه السلام) في وصف زمانه: «وقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلاّ إدباراً، والشر إلاّ إقبالاً، والشيطان في هلاك الناس إلاّ طمعاً، فهذا أوانٌ قويت عدّته وعمّت مكيدته وأمكنت فريسته، اضرب بطرفك حيث شئت من الناس، فهل تبصر إلاّ فقيراً يكابد فقراً، أو غنيّاً بدّل نعمة الله كفراً، أو بخيلاً أتّخذ البخل بحقّ الله وفراً، أو مُتمرّداً كأنّ بأذنه عن سمع المواعظ وقراً»(2).

فهل لاحظت تألّم الإمام للفقراء، وانزجاره من الأغنياء الكافرين بنعم الله، واشمئزازه من البخلاء الذين يجمعون المال ولو مع عدم أداء حقوق الله؟

وهل تجد مثل هذه العواطف عند من يدّعي نصرة الفقراء أيّاً كان؟

وخاصة أولئك الشيوعيّين والاشتراكيّين الذي ملأوا الدنيا زعيقاً باسم الطبقات الكادحة الفقيرة، ثُمّ لم يزيدوهم إلاّ فقراً وحروباً وظلماً.

وهذا هو الإمام الحسين(عليه السلام) يخطب، فيقول: «ألا ترون الحقّ لا يعمل به، وإنّ الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله مُحقّاً فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلاّ برماً»(3).

فالموت في سبيل الله الذي يكرهه الناس عادة هو الشهادة التي عظّمها الإسلام، وأجزل ثوابها، وأمّا الحياة التي يحبّها الناس كيفما كانت، فيراها الإمام الحسين(عليه السلام) كآبةً وضجراً وملالة مع وجود الظالمين وتسلّطهم على رقاب الناس.

وخطب الإمام الحسين(عليه السلام) الناس أيضاً، فقال: «أيّها الناس، إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسوله، يعمل في عباده بالإثُمّ والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول ; كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله».

فهذا هو الحسين(عليه السلام) بأنصاره القلائل يجاهد السلطان الظالم يزيد، الذي خضعت له الرقاب، وخنعت له الأحزاب، وهو(عليه السلام) يعلم أنّه سيدفع ثمناً غالياً بسفك دمه، وهتك حرمته، وسبي عياله، وما ذلك إلاّ من أجل الحفاظ على دين الله واستقامة دين جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فوقف في وجه الظالمين ليمنعهم من ظلمهم وتعسّفهم وطغيانهم.

فهل تجد في الدنيا كلّها من يومها الأوّل وإلى يومنا هذا، بل إلى يوم يبعثون من حارب الظالم كما حاربه الإمام الحسين(عليه السلام)؟

____________

1- نهج البلاغة ٤: ١٠٩، الحكمة: ٤٧٦.

2- نهج البلاغة ٢: ١٢، الخطبة ١٢٩.

3- تاريخ الطبري ٤: ٣٠٥.