السيد حسين الحبشي

من هو العلامة المرحوم السيد حسين بن أبي بكر الحبشي الأندونيسي؟

(شافعي ـ أندونيسيا)

ولد في سنة 1339هـ (1921م) في مدينة “سورابايا” باندونيسيا، ونشأ في أسرة مهاجرة شافعية المذهب تعود أصولها إلى السادة اليمنيّين في “حضرموت” حيث يتّصل نسب أبيه إلى الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) باثنين وثلاثين واسطة من طريق علي بن جعفر العريضي.

ثمّ درس العلوم الإسلامية في مدرسة “الخيرات” وهي أقدم مدرسة إسلامية في “سورابايا” حيث أقامها السادة اليمنيون، وأكمل دراسته في “ماليزيا” عند أحد العلماء المعروفين.

عمل مدّرساً في إحدى المدارس بمدينة “بوندواسا”، كما عمل في مجال التبليغ والدعوة والإرشاد. وأسس “المعهد الإسلامي” في مدينة “بانجيل” الذي خرّج العديد من الكوادر الإسلامية الواعية.

اعتناقه لمذهب أهل البيت(عليهم السلام):

لم يكن “حسين الحبشي” من المتعصّبين أو ذوي الفكر المحدود والمغلق، بل كان من العلماء الواعين المنفتحين على العالم الإسلامي وعلمائه من كلّ الطوائف حيث كانت له علاقات ودّية مع أمثال سيّد قطب والندوي والقرضاوي ومحمد بن علوي المالكي المكّي وغيرهم.

وبعد انتصار الثورة في إيران، أقام علاقات قويّة مع علماء إيران وتعرّف على مذهب الشيعة ثمّ درس أصول ومبادىء هذا المذهب فاقتنع به واتّخذه مذهباً يدين للّه به; لكنّه لم يعلن ذلك على الملأ لظروفه الخاصّة وكان أبرز ما دفعه إلى التشيّع هو روح التحقيق في المسائل الدينيّة وعدم الاكتفاء بالتقليد لآراء الآخرين.

نشاطاته:

1 ـ كان رجلاً ذا همّة عالية في نشر التعاليم الإسلاميّة وتطبيقها، وكان يعتقد بأنّ الإسلام ليس مجرّد محاضرات، وتلقينات في العقائد، بل هو منهاج متكامل للحياة، وقد دعا إلى مراعاته بشكل عملي في حياة المسلمين، وقد دفع أثماناً غالية في هذا الصعيد حتّى أنّه أدخل السجن.

2 ـ ركّز “حسين الحبشي” جهوده على توعية المسلمين بممارسات تبليغيّة مختلفة كالخطابة التي برع فيها وعُرف بتأثيره القوي على مستمعيه في مختلف أنحاء أندونيسيا بل وماليزيا وسنغافورة، كما كانت له دروس أسبوعية في التفسير والحديث في المسجد الجامع بمدينة “بانجيل”.

3 ـ أسّس المعهد الإسلامي في مدينة “بانجيل” الذي خرّج الكثير من الكوادر الإسلامية الشابّة والتي كان لها دور كبير في توعية الناس، ونشر أحكام الإسلام والتشيّع في أنحاء أندونيسيا، وكانت سياسته في المعهد هو التدريس وفق المذهب الشافعي السائد في البلاد، وكان مع ذلك منفتحاً على المذاهب الأخرى بما فيها التشيّع، كما كان يترك حريّة الاختيار للطالب في اختيار مذهبه أو تغيير عقيدته مع المحافظة على الوحدة وعدم الاختلاف.

4 ـ كان له نشاط كبير في الردّ على الثقافة الغربية التي غزت بلاد المسلمين، كما حارب نشاط البعثات التبشيريّة المسيحيّة التي أنتشرت بشكل مكثف في البلاد الأندونيسيّة وكانت جهوده مؤثّرة في نزع أشكال الصليب المختلفة التي نشرها الصليبيّون على المباني والبيوت والأبواب.

5 ـ وقف بشدّة أمام الانحرافات الدينيّة والفكريّة، فعندما روّج وعّاظ السلاطين عدم وجوب الحجاب على النساء وجواز مصافحتهن من قبل الرجال وارتكب ذلك بعض هؤلاء المتظاهرين بزيّ رجال الدين، أعلن حرمة ذلك وحذّر الناس من نزع الحجاب وردّ الشبهات التي أوردها هؤلاء الوعّاظ لتعليل السفور والخلاعة.

6 ـ كان من دعاة الوحدة بين المسلمين وعدم التفرقة بينهم، وبذل جهوداً جبّارة في هذا المجال في حياته العمليّة، وواجه أنواع الجفاء والإجحاف من المغرضين والجهلة كما دعا إلى عدم تكفير أيّة طائفة من طوائف المسلمين.

7 ـ كانت له اليد الطولى في إرسال الطلبة المستبصرين للدراسة في الحوزة العلميّة في قم المقدّسة وكانت جهوده في هذا المجال مثمرة جدّاً.

8 ـ كان له نشاط سياسي فعّال في أوائل قيام الدولة الأندونيسية وخلاصها من الاستعمار حيث انتمى إلى الحزب الإسلامي الوحيد المسموح به في ذلك الوقت، وشارك في الانتخابات وفاز بمقعد في المجلس الدستوري الأندونيسي، ولكن هذا الحزب أنهار وانحل نتيجة ضغوط الدولة أيام “سوكارنو” وخيانة بعض منتسبيه، ممّا سبّب إلى ابتعاده عن الأحزاب السياسيّة وتركيز جهوده على الجانب الديني والاجتماعي.

9 ـ حاول إنشاء حي إسلامي متكامل في إحدى مناطق “كوالاالامبور” العاصمة الماليزية بحيث تمارس فيه النشاطات الإسلامية بحرّية، وتطبّق فيه تعاليم الإسلام وتنشر أحكامه. لكن هذا المشروع لم ير النور حيث وافاه الأجل المحتوم ولم يمهله لتنفيذ هذه الفكرة البديعة.

مؤلفاته

كان لحسين الحبشي تأليفات متنوعة ذات قيمة كبيرة رغم نشاطاته التبليغية الكثيرة نذكر منها:

1 ـ الأخوّة الإسلامية بين السنّة والشيعة (ردّاً على الندوي في كتابه صورتان متضادّتان) نشره بالعربيّة والأندونيسيّة.

2 ـ المذهب الذي يحرّم التمذهب.

3 ـ هل يمكن أن لا نتمذهب.

4 ـ قاموس الكوثر (عربي ـ أندونيسي).

5 ـ القاديانيّة والمؤامرة.

6 ـ القواعد الفقهية.

7 ـ تفسير سورة عبس (دفاع عن رسول الله(صلى الله عليه وآله))

8 ـ الحوار مع النصارى

9 ـ لكي لا تكون فتنة (ردّ على بعض الشبهات حول الأئمة(عليهم السلام) في كتاب الكافي)

10 ـ ترجمة انجيل برنابا.

وفاته:

انتقل إلى رحمة الله تعالى في اليوم الثاني من شهر شعبان سنة 1414هـ ، ودفن جثمانه الطاهر في معهده الشريف بمدينة “بانجيل” بعد تشييع الآلاف من المسلمين له الذين أتوا من أرجاء البلاد الأندونيسية والماليزية والسنغافورية، وودّعوه بالبكاء والدعاء.

بقي ذكره حيّاً، وصار رمزاً للوحدة بين المسلمين ونموذجاً لأبناء بلده في العلم والعمل والجهاد.

وقفة مع كتابه “رداً على الندوي في صورتيه المتضادّتين”

كتب “حسين الحبشي” هذا الكتاب لتفنيد آراء الشيخ الندوي في كرّاسه المسمّى (صورتان متضادّتان لنتائج جهود الرسول الأعظم الدعوية والتربوية وسيرة الجيل المثالي الأوّل) والذي شكّك فيه في تصوّرات وآراء أتباع أهل  البيت(عليهم السلام)، حيث قارن بين نظرتين إحداهما كما زعم للشيعة والأخرى لأهل السنّة.

وقد هاجم “الشيخ الندوي” آراء الشيعة في عدالة الصحابة، وسلامة القرآن من التحريف ومسألة الإمامة والعصمة، ومسألة البداء وغيرها. وقد ركّز كما قد يظهر من عنوان كرّاسه على مسألة عدالة الصحابة بأجمعهم دون استثناء في حتميّة مثالية فريدة في التاريخ سماها “حسين الحبشي” بـ (الحتميّة الندويّة)!.

وقد كرّر “الشيخ الندوي” الاتّهامات المعروفة ضدّ الشيعة التي سبقه فيها الكثيرون، وأجاب عنها علماء مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) طوال القرون السالفة، ولم يأتِ بشيء جديد إلاّ من حيث الشكل الأدبي لتصوراته وعباراته، والتي لا تخلو من الزخرفة والتنميق والوقاحة في نفس الوقت، كما سيتبيّن ذلك.

ثمرة الدعوة:

يقول الشيخ الندوي في الصحفة الحادية عشر: (لابدّ من أن تثمر الدعوة في حياة الرسول نفسه، وأن تنتج جيلاً جديداً لا يشبه الأجيال القديمة ولا يقبل انتكاصاً ولا انتكاساً.

إنّ ظهور معجزة التأثير والهداية في حياة الرسول(صلى الله عليه وآله)، وظهور الثورة في الاخلاق والعقائد، وبروز نماذج إنسانيّة عمليّة ـ هي من أروع ما شاهده التاريخ من نماذج وأجملها ـ كلّ ذلك يشقّ الطريق للإسلام، وتترامى بفضله وتأثيره أُمم وأقطار في أحضان الإسلام، ويتكوّن مجتمع كامل حيّ يعتبر مجتمعاً مثاليّاً نموذجيّاً من كلّ جهة.

ويجب أن يتحقَّق كلّ ذلك في حياة الرسول، وعلى أثر وفاته، حيث إنّ الدين الذي لا يستطيع أن يقدِم أمام العالم عدداً وجيهاً من نماذج عمليّة ناجحة بنّاءة، ومجتمعاً مثاليّاً في أيام الداعي وحامل رسالته الأوّل; لا يعتبر ناجحاً، كما أنّ الشجرة التي لم تؤت ثمارها اليانعة الحلوة، ولم تتفتح أزهارها العطرة الجميلة  أيام شبابها وفي موسم ربيعها (وهو عهد النبوة) لا تعتبر شجرة مثمرة سليمة، وكيف يسوغ لدعاة هذه الدعوة والدّين وممثليهما الذين ظهروا بعد أن مضى على عهد النبوّة زمن طويل، أن يوجّهوا إلى الجيل المعاصر والعالم الحاضر، دعوة إلى الايمان والعمل والدخول في السلم كافّة، والتغيير الكامل في الحياة، وهم عاجزون ـ في ضوء مذهب الشيعة (…؟!!) وأقاويلهم ـ عن تقديم نتائج حيّة باهرة للألباب، مسلّمة عند المؤرّخين، للمجهودات التي بُذلت في العهد الأوّل وفي فجر تاريخه في سبيل إبراز اُمّة جديدة، وإنشاء جيل مثالي، يمثّل التعاليم النبويّة أصدق تمثيل، ويبرهن على تأثيرها ونجاحها).

وقد أجاب الحبشي على هذا الكلام بشكل مفصّل، نقتطف من جوابه بعض الفقرات، منها أنّه قال مشيراً إلى كلام الشيخ الندوي:

“إنّه والله اُسلوب شعري بليغ رائع، لو كان مطابقاً ـ حقّاً ـ لما يرويه التاريخ وروته كتب الصحاح والسنن والمغازي إنّنا لا يمكن أن نتكلّم في التاريخ حسب هوانا، بل لابدّ من أن نكون واقعيّين نروي ما روته الصحاح (صحاحنا ومسانيدنا وكتب سيرنا ومغازينا).

نحن لا نشكّ في أنّ الداعي وحامل رسالته الأوّل سيّدنا الحبيب محمّد(صلى الله عليه وآله)قد أدّى الأمانة، ونصح الأمّة وجاهد في الله حقّ جهاده، وإنّه (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) لم يألُ جهداً في لمّ شعثهم وضمّ شاردهم بأحسن وأفضل طريقة يتصوّرها الإنسان، وناهيك بلين الجانب والزهد وكلّ خلق يجعله(صلى الله عليه وآله) كالمرآة لمن حوله، بل وقد طبّق كلّ تعاليمه في الأخلاق والشريعة تطبيعاً كاملاً، وتلك الطريقة إلى جانب القرآن هي التي جعله الله من خلالها اُسوة للناس كافّة، ونبراساً لمن يريد أن يهتدي بهديه(صلى الله عليه وآله) وصدق الله العظيم إذ قال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضلال مُّبِين}(1).

وطبيعي أنّ من بين الذين وجّه إليهم النبيّ(صلى الله عليه وآله) هذه الدعوة كثيراً منهم تقبّلوها وأخلصوا في إيمانهم وأحبّوه ونصروه وآزروه، واتّبعوا النور الذي اُنزِل معه، لكنّنا لا نستطيع أن نقول مثل ما يقول الندوي: (إنّ الجيل كلّه أثمرت فيهم الدعوة بالحتميّة، فصاروا نماذج إنسانيّة رائعة تشقّ الطريق للإسلام) وأعتقد أنّ كلّ اُمم الأنبياء فيهم العصاة والمتمرّدون، والذين يرفضون الدعوة كليّاً، وفيهم الذي آمن ثمّ كفر، وفيهم من يخفي الكفر ويظهر الإيمان بينهم.

وعلى الإجمال، فيهم الصالحون وفيهم دون ذلك، لكن بالنسبة لسيّدنا محمّد(صلى الله عليه وآله)فهوأفضل من يقتدي به الإنسان، وأكثرهم نتيجة في تربيته، واُمّته أكثر الاُمم وفاءً بعهده، كما أنّهم ـ في حياته ـ أكثر الاُمم تضحيةً، ثمّ إنّ الإسلام ـ حسب ما في الآيات القرآنيّة والأحاديث الصحيحة ـ يشقُ الطريق بنفسه; بقرآنه وبسيرة الاُسوة الحسنة الذي ابتعثه الله للبشر كافّة فقط لا غيره”.

انتشار الإسلام والحتميّة الندويّة:

واصل حسين الحبشي جوابه قائلاً: “نعم، إنّ الإسلام يشقُّ الطريق بنفسه، وبسيرة نبيّه لا غير، فيدخل الإسلام قلب الإنسان الذي يريد الله هدايته; لأنّ الإسلام قد ملأ كلّ جوانبه، تعالوا نقرأ ما كتبه المفكّر الفرنسي (روجيه غارودي): (إنّ الإسلام هو المنطق، وهو العقل، وهو القلب، وهو الصيغة الفريدة للإجابة عن تساؤلات البشر، وإخراجهم من حيرتهم وحلّ مشكلاتهم، كأفراد ودول ومجتمعات…) إلى أن قال: (بدا لي أنّ الإسلام حامل إجابة عن أسئلة حياتي… الخ).

وهل المنطق السليم يشترط (الحتميّة) في تحقيق الدعوة لجميع أفراد الصحابة كي يكونوا جيلاً مثاليّاً فريداً في التاريخ؟ لأنّه إذا لم يكن كذلك، صار الإسلام (القرآن) كالشجرة التي لم تؤتِ ثمارها… كما يقول الشيخ الندوي: (وإذا لم تتفتّح أزهارها المعطّرة الجميلة أيّام شبابها، فهي إذاً شجرة غير سليمة). أليس يكفي أن تخرّج المدرسة النبويّة ـ على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام ـ فئة قليلة في كمّها عظيمة في كيفها؟ أليس كافياً أن يظهر في الألف مائة بطل ومحارب لنقول بأنّ الذي علَّمهم الفروسيّة قد انتجت ثمرة تعليمه أم يجب أن نقول: إنّ المائة في المائة كلّهم نتجوا؟”

وأضاف حسين الحبشي في ردّ الحتمية الندويّة قائلاً:

“قد نصطدم بالحوادث والوقائع التي جرت بين الصحابة، والتي روتها صحاحنا وكتبنا من أهل السُنّة، والتي تدلُّ على بطلان الاستنتاج الذي عبّر عنه الاُستاذ الندوي في (نموذجيّة الجيل الأوّل ومثاليّته، سواء في أيّام الداعي الأوّل(صلى الله عليه وآله)وسلّم أو بعد وفاته)، إذ حصلت حسب نصوص صريحة انتكاسات لا نستطيع ردّها ولا الجواب عنها”.

وأورد “حسين الحبشي” نماذج عديدة من هذه الانتكاسات (حوالي 25 نموذجاً) ليثبت بأنّ مارآه الندوي مائل إلى الشطط. ولم نوردها هنا طلباً للاختصار.

ثمّ أضاف:

“من الصعب أن نجد توجيهاً أو تسويغاً لتلك الحوادث وأعمالهم تلك، يمكننا أن نثبت من خلاله ادّعاءنا بأنّهم كلّهم مثاليّون وقدوة للناس، وأنّهم شقّوا الطريق للإسلام، فتترامى بفضلهم وتأثيرهم اُمم وأقطار في أحضان الإسلام على حدّ قول المفكّر الإسلامي، الاستاذ الندوي.

هذا، ولم نتكلّم بعد فيمن قَتل أو على الأقل كان سبباً في قتل عمّار بن ياسر في حرب صفّين ثمّ قتل حجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي صبراً؟ وقد سمع الناس قول النبيّ(صلى الله عليه وآله) في عمّار: ويح عمار! تقتله الفئة الباغي  يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار(2). ولم نذكر قتلة الخليفة عثمان، إقرأ يوم الدار.

أرى أنّ الأولى والأسلم أن لا نجتهد برأينا الذي قد يتعارض مع نصوص الكتاب والأحاديث الصحيحة، لكنّنا نأخذ بقول صاحب الرسالة نفسه (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) بأنّ من صحابته الأبرار والصلحاء المبشَّرين بالجنّة، ومنهم دون ذلك، ولا سيّما إذا بالغنا في القول فقلنا مثل ما يقول الشيخ الندوي: لابدّ من أن تثمر الدعوة في حياة الرسول نفسه وأن تنتج جيلاً جديداً لا يصبح كالأجيال القديمة، ولا يقبل انتكاساً ولا انتكاصاً، إلى آخر ما قال”.

تأسيس حكومة وراثيّة تعريضاً بصاحب الرسالة(صلى الله عليه وآله):

واصل الشيخ الندوي كلامه وقال: “كذلك من البديهيات اللازمة أن يكون هذا الداعي الأوّل، والمرسل من الله وحامل رسالته، متميّزاً عن مؤسّسي الحكومات والفاتحين والغزاة والقادة السياسيّين، والزعماء الماديّين في طبيعته وأذواقه وسلوكه وعمله ومقاصده ونتائجه تميُّزاً واضحاً، ويكون هناك تناقض بَيّن بينه وبين هذه الطائفة، إنّ محور الجهود التي يبذلها مؤسّسوا الحكومات وفاتحو البلدان، وزعماء العالم، من أصحاب الطموح ومجرّبي الحظوظ، وهدفهم الأعلى ـ أو النتيجة الحتميّة الطبيعيّة على أقلّ تقدير ـ إنّما هو قيام مملكة خاصّة، وتأسيس حكومة وراثيّة.

إنّها ظاهرة طبيعيّة وحقيقة تاريخيّة على مرّ القرون والأجيال، يشهد بذلك تاريخ ازدهار الأسر الروميّة والبيزنطيّة، والساسانيّة والكيانيّة، واُسرتي “سورج بنسي” و “جندر بنسي”… إلى آخر ما يقوله”.

وقد أجاب الشيخ الحبشي عن كلامه هذا بالقول:

“إنّ هذا الكلام تعريض لما ينطق به الرسول(صلى الله عليه وآله) حينما أوصى الصحابة بالطاعة بعده لعلي بن أبي طالب حين قال: من كنت مولاه فعليَّ مولاه(3) وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي(4).

إنّ هذا التعريض يعارض اعتقادنا بأنّ كلَّ ما ينطقه النبيّ وحي، نحن ـ وكلّ مسلم طبعاً ـ ننزّه رسول الله(صلى الله عليه وآله)من أن تكون نيّته من كلماته في تفضيل عليّ يوم الغدير وغيره هو من باب التمهيد لتأسيس حكومة وراثيّة.

نحن طبعاً نفهم جيّداً بأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) حين ينطق بفضل علي بن أبي طالب على كلّ أصحابه فيصرّح قائلاً: نفسه من نفسه… إلى آخره، وآخاه مرّتين، ليس من باب التمهيد لتأسيس حكومة وراثيّة، نعوذ بالله من هذا الاعتقاد.

ثمّ هل نقول مثل هذا استكثاراً لأنّ عليّاً لا يستحقُّ كلَّ هذه الفضائل؟ ألسنا نروي في كتب سُننا وصحاحنا أنّ عليّاً هو أعلم الصحابة، وأشجعهم، وأزهدهم، وأعبدهم، وأفصحهم، وأشدّهم سياسة، وأرجحهم عقلاً وكياسة، وأسدُّهم رأياً، وأوّلهم إسلاماً، وأكثرهم جهاداً، وأجمعهم لصنوف الفضائل، ولم يكن عليٌّ صحابيّاً كسائر الصحابة، بل امتاز عنهم بفضائل لم يشاركه فيها أحد من الصحابة، قال خزيمة بن ثابت:

سبقهم جميعاً إلى الإسلام، وعبدالله وليس في الأرض من يعبده إلاّ ثلاثة وهو أحدهم، والآخران سيّدنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسيّدتنا خديجة الكبرى، وسبق الناس إلى الجهاد في سبيل الله، وحامى عن دين الله، وقابل أعداء الله في كل يوم عصيب، وواسى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وفداه بنفسه، وشاركه في كلّ شدّة ومحنة منذ طفولته إلى وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)وقام الإسلام بسيفه، فكان ينيّمه أبو طالب في مضجع رسول الله(صلى الله عليه وآله)أيام حصار الشعب ليكون فداءً له(صلى الله عليه وآله) إن رام أحدٌ الفتك به، وكان أطفال قريش يؤذون النبيّ في أوّل البعثة، فقال علي للنبي: إذا خرجت فأخرجني معك. فكان يحمل عليهم ويقضمهم، فيرجعون إلى أهلهم باكين ويقولون: قضمنا علي بن أبي طالب، وبات على فراشه ليلة الغار، وأدّى أمانته، وحمل الفواطم إلى المدينة، وهزم الذين كانوا يحاولون إرجاعه، وقتل مقدّمهم، وكان عليه المدار يوم بدر واُحد والخندق وخيبر وغيرها، ولا موقف من مواقف الرسول(صلى الله عليه وآله) إلاّ وله فيه موقف مشهود، كما قال الشريف الرضي:

ومن قَبلُ أبلى ببدر وغيرها ولا موقف إلاّ له فيه موقف

 

ولم يُسمع لسواه ممَّن فُضّلوا عليه مثل هذه الشجاعة، وكان نفس النبيّ(صلى الله عليه وآله)بنصّ القرآن، وصدق الله العظيم إذ قال: {وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ}(5) إذ لم يدعُ النبيُّ(صلى الله عليه وآله)أحداً من المسلمين إلاّ وهو، واختاره أخاً لنفسه لمّا آخى بين أصحابه، قال الصفي الحلي:

لو رأى مثلَك النبيُّ لآخى وإلاّ فأخطأ الانتقاد

 

وكان ثاني أهل الكساء، ولعمري أفضل الخلق من حواه الكساء، ولم يعمل بآية النجوى غيره من الصحابة، وكان من النبي بمنزلة هارون من موسى، وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، ووليّ كلّ مؤمن ومؤمنة، وباب مدينة علمه، وحين سُدَّت

الأبواب في المسجد سُدَّت كُلُّها إلاّ بابه(6).

أفبعد هذا نستكثر على علي بن أبي طالب أن يقال: إنّ فيه كلّ هذه الفضائل، ولا سيّما إذا كان قائلها سيّدنا محمّد(صلى الله عليه وآله).

أيجدر بنا أن نعرّض في قائلها بأنّه يمهّد بأقواله لقيام حكومة وراثيّة من ذوي قرباه كالساسانيّة، وهكذا بالحرف الواحد (كذلك من البديهيّات اللازمة أن يكون هذا الداعي الأوّل والمرسل من الله متميّزاً عن مؤسّسي الحكومات والفاتحين والقادة السياسيّين ـ إلى أن قال ـ وزعماء العالم من أصحاب الطموح ومجرّبي الحظوظ وهدفهم الأعلى إنّما هو قيام مملكة خاصّة وتأسيس حكومة وراثيّة).

فضائل علي(عليه السلام) والخوف من الساسانية: يواصل “الشيخ الحبشي” ردّه على كلام “الشيخ الندوي” الذي يعرض فيه بالرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) بأنّه يمهد لقيام حكومة وراثية من ذوي قرباه كالساسانية قائلاً:

“ما علاقة هذا الكلام في معرض ذكر فضائل الصحابة رضي الله عنهم؟ من الصعب علينا أن نتغاضى عن صدور مثل هذا التعريض على النبي(صلى الله عليه وآله): لأنّه أعطى علياً مثل هذه الفضائل وأعطاه ولاية كلّ مؤمن ـ كما في حديث الغدير وغيره من الفضائل:

ما علاقة تلكم الفضائل بالفرس والساسان؟ وهي في نفسها حقائق ثابتة، واعترف بها جلّ الصحابة تقريباً؟

أليست كتبنا وصحاحنا تروي بأنّ الخليفة أبا بكر احتجّ في ساعة الانتخاب

بأنّه من المهاجرين السابقين الذين هم أوّل الناس إسلاماً وأمسّهم رحماً برسول الله(صلى الله عليه وآله)مع علم الجميع بأنّ عليّاً والعباس أقرب رحماً إلى رسول الله، فهل أسأنا الظنَّ بأبي بكر؟ وهل عرَّضنا بالخليفة الأوّل لاحتجاجه بالقربى، وهو يعلم أنّ غيره أقرب، بأنّه يمهّد لنفسه قيام حكومة تيميّة وراثيّة؟

ثمَّ ما رأى الشيخ في تولية النبي(صلى الله عليه وآله) عليّاً على اليمن، وجعل قضاءه إليه، وتأميره على الجيش المرسَل إليها، وعلى الجيش المرسَل إلى ذات السلاسل، وتولية أخيه جعفر رئاسة المهاجرين إلى الحبشة وجيش مؤتة؟ وإمارة الجيوش أهمّ إمارة، فهل النبي(صلى الله عليه وآله)يمهّد بهذا لقيام حكومة كسرويّة؟

ثمّ ما قولنا في سحب النبيّ(صلى الله عليه وآله) أمانة تبليغ الناس سورة براءة من أبي بكر وتحويلها بأمر الله إلى عليٍّ قائلاً: (لا يبلّغها عنّي إلاّ رجل منّي)(7) إلى آخر ما قاله(صلى الله عليه وآله)؟ وهل يمكن أن تطغى علينا فكرة التخوُّف من الساسانيّة، سيَّما إذا كانت مصطنعة هكذا لنقول بأنّ الولاية والفضائل يجب أن تُصرف على أهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله)وإن كان فيهم أكفاء الأكفاء؟!

وإذا كان الكفاءة هي المدار في اُمور الحكم والولاية، فهل في الناس كفؤ لعلي بن أبي طالب؟ الذي شهد له الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بأنّه إن وليهم ليحملنَّهم على المحجّة البيضاء!! وكان يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو حسن(8)“.

مقترحات الشيخ الندوي والتقريب:

اقترح “الشيخ الندوي” على الجعفريين أنّه يجب عليهم تغيير نظرتهم في بعض الصحابة وبعض أمّهات المؤمنين وأزواجه إن ارادوا التقريب!

ورغم إنّ مثل هذه المقترحات تثير ردود الفعل القويّة عادةً لما فيها من تعسّف واستعلاء إلاّ أنّنا نرى “الشيخ الحبشي” هنا يرد بهدوء وبطريقة موضوعيّة قائلاً:

“إن أراد بذلك أن يترك الإمامي اجتهاده، فنحن نعلم أن ترك مؤدّى الاجتهاد والاعتقاد بخلافه غير جائز، ولا ينبغي لمجتهد بل لمقلّد أن يطلب من غيره ترك ما ادّى إليه اجتهاده.

وإمّا التقريب، فليس معناه ترك السنّي أو الإمامي لمذهبه، بل معناه أن لا يؤاخذ كلُّ واحد منهم الآخر فيما لا يتنافى مع الإسلام في شيء، ويأخذ كلّ منهما ـ في مقام التجاوب والتفاهم ـ بالأصول الإسلاميّة الجامعة المشتركة بين الجميع، وأن لا يُدخلوا في ا لدين ما ليس منه، فإنّ عقيدة الإماميّة ـ كما نفهمها ـ لا تتجاوز في ذلك عقيدة بنت الرسول سيّدة نساء العالمين وسلمان وأبي ذر والمقداد وحُذيفة وعمّار ونظائرهم.

فالواجب على الإماميّة وغيرهم أن يتّبعوا في تلك المسائل اجتهادهم الحر في الكتاب والسنّة والتاريخ الصحيح، إذ لا يجوز السير على خلاف الاجتهاد إذا أدّى إلى غلط فلان وخيانة فلان، فإن كان في الكتاب والسنّة وتاريخ الإسلام أدلّة كثيرة قويّة على عدم عدالة بعض الصحابة وعدم مبالاتهم بمصالح الإسلام والمسلمين بأفعالهم التي تنافي الشريعة، فلا ينبغي مطالبة غير المعتقدين في إيمان هؤلاء وعدالتهم بترك هذه الأدلّة.

وإذا كان لا يمكن تخليص الكتاب والسنّة وتاريخ عصر الرسالة والخلفاء وبني أُميّة وبني العبّاس من هذه الأدلّة، ولا يمكن تخليص التاريخ من مثل حرب الجمل وصفّين، فإنّه لا يجوز عتاب من يجتهد في ذلك، ولا يجوز منع المسلمين من مطالعة التاريخ، والنظر في تلكم الأدلّة، كما لا يجوز سدّ باب التقريب بمطالبة ذلك. نعم، لا بأس أن يطالب أحد المذاهب من الآخر تجديد النظر في أدلّته.

والواجب على الفريقين أن لا يجعلوا المسائل سبباً للعداوة والبغضاء وتكفير بعضهم لبعض، ولا سيّما في هذا العصر الذي أصبحت فيه نتيجة هذه المباحث رأياً مجرّداً وعقيدة محضة لمن اعتقد، وليس هناك أيّ مانع من وجوب وقوف الإماميّة والسنّة في صفّ واحد ما داموا لم يتركوا التمسُّك بالكتاب والسنّة. فمن لم يرَ الخير والفضل والعدل في بعض الصحابة أو في معتقدهم، بل ولم يعرف ذلك الصحابي ولم يسمع عنه لا يكون مسؤولاً عن ذلك، ولا يضرّ بإسلامه أبداً ولا يؤاخذه الله تعالى به يوم القيامة، لأنّه لم يكلّف عباده بمعرفة الصحابة والإيمان بهم وبعدالتهم كلّهم، ولم يجعل ذلك ركناً من أركان دينه، وحكماً من أحكام شريعته.

وكذلك في أزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله) فإنّهنّ ـ ولا شكّ ـ تشرَّفن بما تتشرّف به غيرهنَّ من النساء، وإنّ لبعضهنّ مكانة مرموقة في العبادة والخير وكثرة الصدقة والفهم والحكمة، ومنهنّ من أطعن أمر الله في قوله عزّ من قائل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}(9)، فلم يغادرن البيت، حتى أنّ جميعهنّ حججن غير سودة وزينب بنت جحش، فإنّهما قالتا: لا تحرّكنا دابّة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)لأنّه حجّ بنسائه حجّة الوداع، وهذه منقبة وفضيلة كبيرة لاُمّهات المؤمنين أيّة منقبة، فهنيئا لهنَّ بتلك الكرامةِ، حيث لم يدخلن أنفسهنّ في الفتن والحروب الدامية الني حدثت بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)وحفظن الرسول في اُمّته.

نعم، الإماميّة تستنكر ما صدر عن إحدى اُمّهات المؤمنين في الفتن التي أدّت إلى التقاتل والتنافر، بل أسفرت عن قتل جماعة من الصحابة المهاجرين والأنصار، وفتحت على المسلمين أبواب الفتن، وأدّت إلى قيام حكومة غاب عنها الإسلام فمن تصفّح التاريخ استنكر ذلك ورأى عواقب ما صدر منها من عظيم المصائب التي حلّت بالمسلمين وإن حمل على الاجتهاد!

ثمّ ألسنا نقرأ التأريخ ونعرف أن سيّدنا محمد بن أبي بكر أخاها كان يعيب ذلك ويستنكر عليها أعمالها لمّا عاد بها من حرب الجمل وفتح الهودج فرآها، ثمّ قال لها: (ذوقي عقق) يعني بذلك أنّ أولاد اُمّ المؤمنين عقُوها، هكذا يروي التاريخ، ثمّ روي أنّها ركبت بغلة فخرجت تصلح بين غلمان لها ولابن عبّاس، فأدركها ابن أبي عتيق، وقال لها: (يعتق ما نملك إن لم ترجعي)! فقالت: ما حملك على هذا يا ابن أبي عتيق؟ قال: لم ينقضِ عنّا يوم الجمل حتّى يأتينا يوم البغلة(10)“.

حريّة التفكير والبحث:

هل من الممكن أن نمنع حريّة المسلمين في دراسة تأريخهم؟ أو نطالبهم بغضّ النظر عن قراءة الفترة الحرجة بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله)حفاظاً على كرامة بعض أصحابه وأزواجه! ولو فعلنا ذلك فهل يستجيب الباحثون لذلك. وخاصّة في هذا العصر المسمى بعصر الحريّات، وعصر البحث والتقدّم العلمي؟ يجيب على ذلك “الحبشي” قائلاً:

“ولا يمكن منع الباحثين ـ وخاصّة الشباب الذين يتطلّعون إلى حرّية التفكير والبحث والتنقيب ـ من البحث في ذلك بعد ما سجل التاريخ ما لا نحبّ ممّا يمسّ كرامة اُمّ المؤمنين عائشة، كما لا يمكن منع الباحثين من الأخذ بالحكم على هؤلاء، بموجب ما في الكتاب والسنّة.

فالاعتراف بخطئها أولى من الإصرار على تبرئتها بالرغم من المصادر والوثائق التاريخيّة والأحاديث النبويّة. فمتابعة الدليل والبرهان والأخذ بالحقّ أولى من القول بلا دليل والمكابرة في الأمور الجليّة. فالجيل المعاصر يردُّ كلَّ قول لا يدعمه دليل، ولا يقبل إلاّ ما أدّى إليه إعمال الفكر الحرّ، وتبرئة اُمّ المؤمنين من أوزار الجمل كذلك ليست من العقائد ا لإسلاميّة حتّى تُطلب ممّن لا يرى الاعتقاد بها.

وليت شعري، إن كان الفريقان في حرب الجمل وصفّين مجتهدين، فمن الباغي منهما؟ اللّهمّ إلاّ إذا كنّا نريد أن نضع الصحابة في موضع المعصومين، فلا يصدر منهم خطأ، بل نفسّر أخطاءهم بالاجتهاد فيثابون على هذا، ويُثاب معاوية على قتل عمّار، ويثاب فلان على فعله… الخ والنبي(صلى الله عليه وآله) يخالفنا في ذلك بقوله: “لو كانت فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”(11) إذن، فالصحابيّة التي يحبُّها بل هي أحبّ النساء إليه، بل قال عنها: “إنّها بضعة منّي” لو سرقت لقُطعت يدها، يعني: لو خالفت الشريعة فإنّي أجري عليها حكم الله، فكيف نبرّر أخطاء اُناساً أخطأوا ثمّ نتحاشى من هذا ونقول: إنّ هذا اجتهاد!

كيف يجوز الاجتهاد قبال الإمام علي بن أبي طالب وهو الخليفة الذي بايعه المسلمون كلّهم، لا يشذّ منهم أحد؟ بينما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (علي مع القرآن، والقرآن مع علي، لا يفترقان حتّى يردا عليَّ الحوض)(12). وهل الاجتهاد الممنوع في مقابل النصّ سوى هذا؟؟ وفي مسألة كهذه التي هي من القضايا التي قياساتها معها، ومع هذه الوثائق التاريخيّة لا يليق لمسلم أن يطلب من غيره الحكم لطرف معيّن، ويسير في بحثه وتنقيبه سيراً ينتهي به إلى نتيجة قبل البحث، بل يجب أن يطلب من الباحثين ترك العصبيّة، وتشجيعهم على حرّية التفكير”.

الاختلاف لا يفسد للودّ قضيّة:

يعتبر حسين الحبشي من أقطاب دعاة الوحدة بين المسلمين، وقد بذل جهوداً جبّارة في هذا المجال، والتقى بالكثير من علماء المسلمين وعمل معهم في سبيل وحدتهم ولذا نراه يؤكّد دائماً:

“إنّ إختلاف الآراء في مثل هذه المسائل لا يمنع التقريب واتّحاد المسلمين، ولا يمكن حسم هذه الاختلافات مادام التاريخ في معرض المطالعة والبحث، وكلّ من يراجع التاريخ خاصّة في العصر الحاضر ولم يقنع بتبرئة  عائشة ومعاوية وعمرو بن العاص ومروان بن الحكم، ولم يؤمن بجواز اجتهادهم، لا ينبغي تحميل رأي آخر لهم، ولا ينبغي عتابه على رأي أدّى إليه اجتهاده، ولا يجوز هجرانه وترك موالاته، فمن يرى تصويب كلّ اجتهاد، أو يرى حمل فعل المسلمين على الاجتهاد، ويرى مرتكبي إراقة الدماء المحترمة وهتك الأعراض، ونهب الأموال في صدر الإسلام; مجتهدين معذورين، يجب عليه أن يرى من نظر في التاريخ وظهرت له خيانة زيد أو خطأ عمرو; مجتهداً ومعذوراً أيضاً، بل هذا أولى بالعذر ممّن سبقه”.

____________

1- الجمعة: 2 .

2- صحيح البخاري: 1 / ح 436.

3- سنن الترمذي: 5 / ح 3713، قال الألباني: صحيح.

سنن ابن ماجة: 1 / ح 121، قال الألباني: صحيح.

مسند أحمد: 5 / ح 22995، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.

المستدرك للحاكم: 3 / ح 6272، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي في التلخيص.

4- سنن الترمذي: 5 / ح 3712، قال الألباني: صحيح.

صحيح ابن حبّان: 15 / ح 6929، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي.

المستدرك للحاكم: 3 / ح 3637، وقال: “صحيح على شرط مسلم وأقرّه الذهبي في التلخيص”.

مسند أبي يعلى الموصلي: 1 / ح 355، قال حسين سليم أسد: رجاله رجال الصحيح.

5- آل عمران (3): 61.

6- راجع حول هذه الفضائل للإمام علي(عليه السلام) مستدرك الحاكم،ج3، باب مناقب أهل البيت، وباب فضائل عليّ، والاستيعاب والاصابة وغيرهما من كتب التراجم، وراجع كتاب احقاق الحق والمراجعات وكتب المناقب والفضائل لأهل السنّة.

7- مسند أبي يعلى الموصلي: 1 / ح 104، قال حسين سليم أسد: رجاله ثقات.

مجمع الزوائد للهيثمي: 3 / ح 5464. قال: رواه أحمد ورجاله ثقات.

8- الإصابة لابن حجر: 4 / 568 .

9- الأحزاب (33): 33.

10- تهذيب الكمال، المزي: 16 / 67.

11- صحيح البخاري 8: 16، كتاب الحدود، باب اقامة الحدود على الشريف والوضيع.

12- المستدرك للحاكم: 3 / 4628، وقال: “هذا حديث صحيح الإسناد” ووافقه الذهبي في التلخيص.