راؤول (جعغر) غونزاليس

راؤول (جعغر) غونزاليس (مسيحي / إسبانيا)

ولد في سنة 1961م في إسبانيا ، ونشأ بين أبوين كانا ينتميان إلى الفكر الشيوعي ، لكنّه بعد أن تخلّى عن التقليد الأعمى سلك سبيلا شاقّاً وطويلا حتّى وجد ضالّته في مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

مرحلة التذبذب الفكري:

يقول “راؤول” : عشت فترة المراهقة في أجواء كانت تحبّب إليّ الفكر الماركسي والانتماء الشيوعيّ ، وكان أبي يرى أنّ السبيل الوحيد لمواجهة الاستكبار والإطاحة بالظلم هو دعم التيّار الشيوعي.

ولمّا بلغت الثانية والعشرين من العمر ، التحقت بالخدمة العسكريّة ، وكنت في ذلك الحين نشطاً أعمل بمثابرة في التيّارات السياسيّة ، فأُلقي القبض عليّ وحُكم عليّ بالسجن لمدّة سنة واحدة.

فتعرّفت في السجن على مجموعة تهوى العمل في مجال النشاط السينمائيّ ، ومن ذلك الحين تبلورت هذه الفكرة في ذهني بأنّ الحياة مليئة بالظلم والمصائب والابتلاءات ، وأنّ السبيل لمكافحة الظلم لا ينتج سوى إيقاع النفس في التهلكة ، وأنّه عمل لا طائل تحته ، وأنّ السبيل للتهرّب من الشعور بالمسؤوليّة

أو تخفيف الآلام المكبوتة هو تخدير النفس بالّلهو واللعب، ومباشرة الأعمال التي تأخذ بروح الإنسان إلى عالم السكر والغفلة والغيبوبة ، ووجدت دنيا الأفلام هو أفضل مجال لتحقيق هذه الغاية.

فلمّا أُطلق سراحي بعد عام أمضيته في السجن ، غضضت الطرف عن الأفكار الشيوعيّة ، وتوجّهت إلى الدراسة في مجال السينما ، حتّى تخرّجت من كلّيّة الفنون الجميلة ، وتوجّهت إلى العمل في أجواء السينما والمسرح ، وأمضيت فترة طويلة من حياتي في هذا المجال حتّى دبّ إلى وجودي وكياني الملل من العمل الذي كنت أقوم به ، فكنت بين حين وآخر حينما أفيق من انغماسي في العمل أشعر بحالة الصراع وتأنيب الضمير في وجودي ; لأنّني كنت على بصيرة من أمري بأنّني أعمل على خلاف عقلي ، وهذا ما كان يدفعني إلى الشعور بحالة الذبذبة وفقدان الاتّزان .

البحث عن الحقيقة:

يقول “راؤول” : بقيت في إطار هذه المعيشة التعيسة والتافهة حتّى قرّرت أن أنقذ نفسي منها باتّخاذ قرار حاسم وعزيمة راسخة ليس فيها ذرّة من الضعف والهزيمة.

وأخيراً اتّخذت قراري النهائي في عام 1979 فتركت العمل في مجال السينما ، وقرّرت أن لا أتّخذ خطوة إلاّ عن قناعة ، فمسكت بزمام نفسي الطائشة بقوّة ، وصرت أُسيّرها بهدوء وتريّث إلى حيث تمليه عليّ قناعتي .

فتوجّهت إلى البحث حول معرفة الهدف الذي من أجله خلقت البشريّة ، وكان أوّل مذهب اخترته للبحث هو الشيوعيّة ، وذلك لصلتي به فيما سبق ، ولكن كان توجهي إليه هذه المرة لا عن تقليد أعمى ولا عن ردود فعل غير هادفة ، بل توجّهت به عن وعي ، فغربلته فترة من الزمن ، فوجدته لا يحتوي على هدف سام في الحياة.

ثمّ توجّهت إلى البحث حول المسيحيّة ، فوجدتها شريعة جامدة لا تمنح المنتمي إليها المنهج الكامل لتنظيم شؤون حياته ، كما أنّها ديانة لا يسعها أن تمنح صاحبها الشحنة المعنويّة التي يستطيع بها أن يصمد إزاء مغريات الحياة الدنيا.

ثمّ نتيجة كثافة مطالعاتي وجدت أنّ السبيل الموجود أمامي لمعرفة الحقيقة هو سبيل الرياضة النفسيّة ، فقرّرت أن أجرّب هذا المسلك ، وعسى أن أهتدي به إلى السبيل الصحيح الذي يتيح لي نيل الأهداف السامية.

فسافرت إلى جبال جنوب إسبانيا في محافظة غرناطة جبل البخراس ، فبقيت عاكفاً فيه مدّة أربع سنوات ، فتأمّلت في هذه الفترة في خلق السموات والأرض، وسرت في الآفاق حتّى تجلّى لي نور اخترق وجوديّ ، ثمّ سكن في أعماق قلبي ، فعندها شعرت بحالة الارتياح والهدوء والسكينة ، فاطمأنّ قلبي وسكنت جوارحي أمام العظمة التي تجلّت لي من جمال خلقة الحياة.

ثمّ ذات ليلة ، نظرت إلى السماء ، فأحسست بعناية خاصّة شملتني من قبل خالق الكون ، فانكسر لذلك قلبي ثمّ شعرت بضعفي ثمّ فاضت عينيّ بالدموع فقلت: يا من خلق فأبدع إن كنت موجوداً فساعدني وخذ بيدي واهدني إلى معرفتك ليطمئنّ قلبي ، ثمّ بعد ذلك شعرت بوجود ربّي ، فكنت أناجيه بين حين وآخر ، وأتوجّه إليه فأشعر بوجوده وأشعر بنوره في أعماق قلبي.

فقلت لمن كان معي في الجبال: إنّني آمنت بوجود خالق لهذا الكون؟ فسخروا منّي وقالوا لي: إنّك لحدّ الآن لم تستطع أن تتخلّى عمّا ورثته من البيئة التي كنت فيها ، وإنّك لازلت تعيش حالة الأسر في نطاق الأُمور الوهميّة التي تلقّيتها منذ الصغر ، لكنّي قلت لهم: بأنّني أشعر بوجود اللّه ، فلم يبالوا بكلامي.

التعرّف على الإسلام:

يقول “راؤول” : ثمّ قرّرت الامتناع عن الطعام مدّة أربعين يوماً وذلك بغية أن تنكشف لي الحقيقة ، وفي اليوم السابع حين استولى عليّ الضعف ، دخلت البيت

الذي كنت أعيش فيه مع جملة من الذين اتّخذوا سبيل الرياضة لاكتشاف الحقيقة.

فتوجّهت إلى المكتبة الصغيرة الموجودة هناك ، فقلّبت الكتب حتّى وقع بصري على كتاب صغير حول الإسلام لمؤلّفه سيّد قطب ، فأخذته وبدأت بمطالعته للتسلية وتمضية الوقت فوجدت فيه من المفاهيم ما أثارت دهشتي ; لأنّني كنت أتصوّر فيما سبق أنّ الإسلام هو مجموعة من أعراف وتقاليد العرب ، ولكنّني قرأت في هذا الكتاب أنّ المؤلّف يدّعي بأنّ الإسلام هو دين إلهي أرسله خالق الكون على نبيّه المصطفى محمّد (صلى الله عليه وآله) وأنّه خاتم الأديان وهو دين جاء به النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى البشريّة كلّها.

ثمّ توجّهت إلى انتقاء الكتب الإسلاميّة التي كان قد تمّ تجميعها على أيدي شخصيّات كثيرة جاءت إلى هذا المكان ، فبها تعرّفت على أصول الدين وتعرّفت على الصلاة ، فتبلورت قناعتي بأحقيّة الإسلام ، فقطعت صومي ثمّ قلت لأصحابي: أشعر أنّني وجدت ضالّتي في الإسلام ، وأنّني عازم للسفر إلى مدينة غرناطة ، باحثاً عن المسلمين من أجل استفسار الأمر منهم، فاستغرب أصحابي من القرار الذي اتّخذته وحاولوا أن يثنوا عزمي عن ذلك ولكن باءت محاولاتهم بالفشل .

التعرّف على مذهب أهل البيت(عليهم السلام):

يقول “راؤول” : عدت إلى مدينتي باحثاً عن الدين الإسلامي ، فصادف أن استضافني أحد الأصدقاء لغيابي عنه هذه الفترة الطويلة ، فوجدت بين يديه مجلّة باللغة الإنجليزيّة فأخذتها منه وصفّحتها ، فوقع بصري على صورة مقاتلين ، فقلت لصديقي من هم هؤلاء؟

قال: هم فرقة من المسلمين يسمّون بالشيعة في إيران وهم في حالة قتال مع العراق.

قلت له: لماذا؟

قال: لا أدري.

قلت له: ومن هم الشيعة.

قال: لا أدري.

فوقع في قلبي أن أسافر إلى إيران لأتعرّف على الإسلام عن قرب .

فبذلت قصارى جهدي حتّى حقّقت هذا الأمر.

وها أنا حالياً قد أمضيت ستّ سنوات في إيران أتلقّى علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام)في مدينة قم ، وقد وصلت إلى قناعة كاملة بأحقيّة الدين الإسلامي وفق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) .