كرامر (فريدون)

المستبصر الألماني كرامر الذي كان على مذهب المسيحية:

ولد في ألمانيا الغربيّة ، ثمّ تجاوز المراحل الدراسيّة حتّى حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة ، وكانت نشأة “كرامر” في رحاب أسرة مسيحيّة ، ولكنّه كان ثاقب البصر لا يتقبّل أية فكرة أو عقيدة إلاّ بعد الدراسة والتمعّن فيها.
فأمعن “كرامر” النظر في المسيحيّة فلم يجد فيها ما يروي تعطّشه الفكريّ إلى العقائد الحقّة.

الالتقاء بأحد علماء الشيعة:

التقى “كرامر” ذات يوم بأحد علماء الشيعة ، ودار بينهما حديث حول الأمور الدينيّة ، وكان “كرامر” يودّ الاطلاع على ما للإسلام من أثر على شخصيّة الإنسان ، فبيّن ذلك العالم العقائد الإسلاميّة لـ”كرامر” ، وذكر له بأنّ الإسلام يقدّم للأنسان دستور حياة بحيث تكون صفة الملتزم الحقيقي به كما يصفه الإمام علي(عليه السلام):
“فمن علامة أحدهم انّك ترى له قوّة في دين ، وحزماً في لين ، وإيماناً في يقين وحرصاً في علم ، وعلماً في حلم ، وقصداً في غنى، وخشوعاً في عبادة ، وتجمّلاً(1) في فاقة ، وصبراً في شدّة ، وطلباً في حلال ، ونشاطاً في هدىً ، وتحرّجاً(2) عن طمع .
يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل ، يمسي وهمّه الشكر ، ويصبح وهمّه الذكر ، يبيت حذراً ويصبح فرحاً ، حذِراً لمّا حذّر من الغفلة ، وفرحاً بما أصاب من الفضل والرحمة .
إن استصعبت(3) عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحبّ . قرّة عينه فيما لا يزول ، وزهادته فيما لا يبقى ، يمزج الحلم بالعلم ، والقول بالعمل. تراه قريباً أمله ، قليلاً زلَله ، خاشعاً قلبه ، قانعة نفسه ، منزوراً(4) أكله ، سهلاً أمره ، حريزاً دينه(5) ، ميّتةً شهوته ، مكظوماً غيظه .
الخير منه مأمول ، والشرّ منه مأمون ، إن كان في الغافلين كتب في الذاكرين ، وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين ، يعفو عمّن ظلمه ، ويعطي من حرمه ، ويصل من قطعه ، بعيداً فحشه(6) ، ليّناً قوله ، غائباً منكره ، حاضراً معروفه، مقبلاً خيره ، مدبراً شره .
في الزلازل(7) وقور(8) ، وفي المكاره صبور ، وفي الرخاء شكور . لا يحيف على من يبغض ، ولا يأثم فيمن يحب. يعترف بالحقّ قبل أن يُشهد عليه ، لا يُضيع ما استُحفِظ ، ولا ينسى ما ذُكّر ، ولا ينابز بالألقاب(9) ، ولا يُضارُّ بالجار ، ولا يشمَت بالمصائب ، ولا يدخل في الباطل ، ولا يخرج من الحقّ .
إن صمت لم يغمّه صمته ، وإن ضحك لم يعل صوته ، وإن بُغي عليه صبر حتّى يكون الله هو الذي ينتقم له . نفسه منه في عناء ، والناس منه في راحة ، أتعب نفسه لآخرته ، وأراح الناس من نفسه ، بعده عمّن تباعد عنه زهد ونزاهة ، ودنوّه ممّن دنا منه لين ورحمة . ليس تباعده بِكبر وعظمة ، ولا دنوّه بمكر وخديعة(10).

أثر ذلك اللقاء:

ترك اللقاء الذي التقى به “كرامر” مع ذلك العالم الشيعي تأثيراً بالغاً على نفسيّة “كرامر” ، واندفع إلى دارسة العقائد الإسلاميّة التي تمنح صاحبها الشخصيّة البديعة التي تجسّد جميع مضامين الخير.
ومن هذا المنطلق تبلورت القناعة في نفسيّة “كرامر” لاعتناق الدين الإسلاميّ ، فأعدّ نفسه لذلك ، ثمّ أعلن استبصاره، واعتناقه للإسلام وفق مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

(1) التجمّل: التظاهر باليسر عند الفاقة أي الفقر.
(2) التحرّج: عدّ الشيء حرجاً أي: إثماً ، أي: تباعداً عن الطمع.
(3) استصعبت: لم تطاوعه.
(4) منزوراً: قليلاً.
(5) حريزاً: حصيناً.
(6) الفحش: القبيح من القول.
(7) في الزلازل: الشدائد المرعدة.
(8) الوقور: الذي لا يضطرب.
(9) لا ينابز بالألقاب: لا يدعو باللقب الذي يكره ويشمئزّ منه.
(10) نهج البلاغة: الخطبة 193 ص411 ـ 413.