كاترين ماير هوفر

ولدت سنة 1968 م في مدينة “شتوتغارت” بألمانيا ، ونشأت في عائلة مسيحيّة كاثوليكيّة محافظة حيث كانت تؤدّي الطقوس الدينيّة نهار الأحد في الكنيسة ، وعملت لفترة قليلة مساعدة للكاهن في الكنيسة، ثمّ واصلت دراستها حتّى المرحلة الثانوية، ثمّ أسلمت بعد تعرّفها على زوجها اللبنانيّ.

أجرت مجلّة نور الإسلام التي تصدر في لبنان لقاءً صحفيّاً ، تحدّثت فيه عمّا شدّها إلى الإسلام ، حيث جاء فيه:

● مع اعتزازنا باللقاء مع أمثالك من الأخوات اللواتي استجبن لنداء الفطرة والحقّ ، نرجو أن تعرّفينا على نفسك وعلى ظروف نشأتك ومحيطك قبل اعتناقك الإسلام؟

– إنّني أدعى “كاترين ماير هوفر” ولدت سنة 1968م ، ونشأت في بلدة “شتوتغارت” الصغيرة في ألمانيا ، حيث درست فيها حتّى المرحلة الثانويّة ، بعدها تعرّفت على زوجي اللبنانيّ ، وتمَّ زواجنا في ألمانيا.
بالنسبة لبيئتي ومحيطي العائلي ، فانّني نشأت في ظلّ عائلة مسيحيّة كاثوليكيّة محافظة نسبيّاً ، كنا نؤدّي الطقوس الدينيّة نهار الأحد في الكنيسة ، وقد كنت لفترة مساعدة للكاهن في الكنيسة ، وما زالت والدتي كذلك تؤدّي الصلاة والتراتيل الدينيّة فيها. روابطنا العائليّة كانت جيّدة في حياة جدّي وجدّتي حيث كانت العائلة تلتقي عندهما ، أمّا بعد وفاتهما فقد تغيّر الوضع ، لأن الدافع لم يكن المحافظة على صلة الرحم، بل إرضاء الجدّين، وهذه مشكلة قائمة في المجتمعات الغربيّة عموماً ، حيث تقلّ الروابط الإنسانيّة والاجتماعيّة بين الأقارب بعد فقدان العامل الجامع لهم.
أمّا في المحيط العام فإنّ الدين له تأثير شكلي ومحدود في علاقات الناس ببعضهم ، وهو يكاد يكون ملغى في تقرير المسائل الاقتصاديّة والتربويّة ، بينما تلعب الروابط السياسيّة والقوميّة والعنصريّة الدور الأكبر في مسار المجتمع الألماني وغيره من المجتمعات الغربيّة.

● هل بإمكانك أن تشرحي لنا الدوافع المبدئيّة والمباشرة لاعتناقك الإسلام؟

– نعم عندما بلغت سنّ الرابعة عشر لم أعد أشعر بالرغبة في الذهاب إلى الكنيسة ; لأنّني وجدت بعد التأمّل بأنّ ما يقوله الإنجيل المتداول بعيداً جدّاً عن الواقع ، ومن الصعب تطبيقه في حياتنا الحاضرة ، بعكس ما كان عليه الوضع في زمن المسيح(عليه السلام) .
ومن ثمّ بدأت أشعر بعدم وجود دور ملموس للدين وللكنيسة في حياة الجيل الحاضر ، فتخلّيت عن الذهاب إلى الكنيسة ، علماً بأنّه لم تكن لديّ بعد أدنى فكرة عن الدين الإسلامي ، وكانت الصدفة ـ وأنا في حالة الفراغ والتشكيك هذه ـ أن تعرّفت على زوجي الحالي الذي طلب منّي الزواج ، وأن يكون زواجنا وفق الشريعة الإسلاميّة.
وبالفعل ذهبنا إلى عالم دين مسلم ونطقت في البداية بشهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)حتّى يصبح الزواج شرعيّاً ، ولكن لم أشعر بأنّي أصبحت مسلمة حقيقيّة بمجرّد هذا القول.
ومن ثمّ أتيت مع زوجي إلى لبنان لزيارة عائلته ، ولفت نظري وجود محجّبات وسافرات في الوقت نفسه ، ولكنّ المحجّبات كنّ يلفتن نظري أكثر من السافرات، وشعرت بنداء فطري داخلي يقول لي إنَّ الحجاب أفضل من السفور ، فقرّرت بعد عودتي إلى ألمانيا ارتداء الحجاب بعد دراسة وتعمّق ومطالعة للعديد من الكتب الإسلاميّة ، وكنت أراقب عن كثب التصرّفات والعادات الإسلاميّة ، وأسأل عن الأحكام الشرعيّة ، وأكثر ما لفت نظري الصلاة ، فصمّمت أن أتعرّف إليها أكثر ، ولكنّني لم أرغب بمعرفة ذلك والبدء بها إكراماً لزوجي أو لعائلته ومحيطه، بل أردت الاطلاع الذاتي والاقتناع.

● هل تصفين لنا موقف ذويك من اعتناقك للإسلام ، وخاصّة بالنسبة لارتدائك الحجاب؟

– كانت ردّة الفعل لدى الأهل قاسية جدّاً حتّى قبل أن أتحجّب ، وذلك لانّني بدأت أمتنع عن أكل اللحوم غير الشرعيّة ، وعن شرب الخمر في المناسبات العائليّة ، طبعاً كانوا لا يفهمون سبب هذا الامتناع ، وكانوا يعتبرونه إهانة لهم ، ولكنّني لم أتراجع عن قراري هذا ، وبعد مرور فترة من الزمن ، وبالتحديد بعد أن ارتديت الحجاب فعلاً كان ذلك بمثابة صدمة لوالدتي التي لم تقبل ذلك بأيّ وجه من الوجوه ، وهدّدتني بمنعي من الكلام معها إن لم أتراجع عمّا فعلت.
عشت صراعاً قويّاً وصعباً في الحقيقة بين اقتناعي بالدين والتزامي به وصراعي مع الأهل ، وبما أنّ إيماني كان مازال ضعيفاً ، فقد قرّرت عندها أن أتخلّى عن الحجاب دون أن أتخلّى عن أحكام الإسلام الأخرى كالصلاة والصوم وغيرهما.
النداء الداخلي بدوره لم يتخلّ عنّي ، وظلّ الشعور بالذنب وبالمعصية يلاحقني وبقي الصراع الداخلي عنيفاً والحافز الإيماني يحثّني على اتّخاذ الموقف الصعب بالإرادة الصلبة والقويّة ، إلى ان ، صادفت بعد مرور عام على تركي الحجاب اثنتين من النساء الألمانيّات المسلمات اللواتي كنّ يرتدين الحجاب فأعجبتني كثيراً جرأتهن بالحجاب ، فتقويّت بهما ، وعادت الجرأة لي لأعود وأرتدي الحجاب مهما كان موقف والدتي التي ما إن علمت بذلك حتّى اضطرّت للخضوع للأمر الواقع ، ولكنّها حتّى الآن ـ بحكم تربيتها وتقاليدهاـ لا تستطيع الاقتناع بصحّة ما فعلته.

● كيف تلمسين أثر الإسلام على شخصيّتك؟

– على الصعيد الشخصي طبعاً أشعر كثيراً بالراحة النفسيّة والاطمئنان ، وذلك لعدّة أسباب رئيسيّة أهمّها: معرفتي وإيماني بخالق هذه الكائنات، وثقتي به، وثقتي بأنّه الخير المطلق الذي أرسل لنا الرسل والأنبياء والكتاب التشريعيّ السماويّ; لهدايتنا والسبب الثاني هو أنّه أصبح هناك هدف أعيش وأموت من أجله ، دون أن أعيش للملذّات والدنيا شأن أكثر الغربيّين الذين يعيشون القلق الدائم في حياتهم.

● وعلى صعيد العلاقات الاجتماعيّة بين الناس؟

– على صعيد العلاقات هناك أيضاً فارق كبير بين المسلمين وغيرهم ، فالمسلمون ـ الملتزمون طبعاً ـ أكثر انتباهاً وأكثر احتراماً لتعاملهم مع الآخرين ، إذ الإسلام يأمر بصلة الرحم، وصلة القرابة، وصلة الجوار ، وبالعلاقات الأخويّة والاجتماعيّة على قاعدة (إنّما المؤمنون أخوة) أو إنّهم كالجسد الواحد.

● على ضوء تجربتك في التعرّف على الإسلام هل تقترحين أساليب محدّدة للتبليغ والدعوة بين غير المسلمين وخاصّة في الغرب؟

– من الأساليب التي أجدها جيّدة لنشر الإسلام هي: كتابة وترجمة الكتب الجيّدة ، وإصدار المجلاّت الداعية إلى ذلك ، ومحاولة نشرها لدى أكبر عدد ممكن بين الشعوب غير المسلمة التي لا تعرف شيئاً عن الإسلام سوى ما تنقله مشوّهاً وسائل الإعلام الغربيّة، وما تصفه به من التخلّف والإرهاب والتعصّب، وما أراه الأفضل هنا هو الدعوة بالعمل والقدوة الحسنة ، حيث أغلب الناس يتطّلعون فيك إلى ما تفعل لا إلى ما تقول.

● هل إمكانيّات الدعوة إلى الإسلام متوفّرة في ألمانيا برأيك؟

– إنّ الإمكانيّات للدعوة إلى الإسلام في ألمانيا كثيرة ، وذلك عبر الإعلام التلفزيونيّ والصحافيّ حيث الحرّيّة الإعلاميّة ، بالإضافة إلى إقامة الندوات والمعارض التي تبيّن التراث والعادات الإسلاميّة ، والتي أقيم بالفعل العديد منها في ألمانيا ، وعبر نشر الكتب والمجلاّت التي توضّح وتبيّن حقيقة الإسلام وأحكامه ومبادئه ومفاهيمه.

● كيف ترين وضع المسلمين العام بالمقارنة مع ماهو عليه الواقع الدولي؟

– إنّ المسلمين كانوا وما يزالون يتعرّضون للضغط والاضطهاد الاقتصاديّ والاجتماعي والسياسيّ وذلك لمنع تطوّرهم ; لأنّ المجتمع العالمي بأكمله يعلم أهميّة هذا الدين وخطورة انتشاره نظراً لما يحويه من علم ومعرفة وقوّة وجهاد ، وإذا لم يقدّر المسلمون خطورة هذا الأمر ويتحرّكوا بنشاط وحيويّة; لرفعه نظريّاً وعمليّاً ، فإنّ الإسلام سيبقى بعيداً عن التأثير الفعّال على الشعوب الأوربيّة غير المسلمة.

● مقارنة مع ما عرفتيه عن مكانة المرأة في الإسلام كيف ترين وضع المرأة المسلمة اليوم؟

– الدين الإسلاميّ لم يحرم المرأة من حقوقها في أن تثبت وجودها في المجتمع، وفي نطاق العمل والدراسة ، وقد استطاعت هذه المرأة أن تمارس حقوقها وأن تثبت صحّة وجودها كعضو فعّال ، وهي تستطيع التواجد في المجتمع وتفرض على الآخرين جميعاً ـ خصوصاً الرجال ـ احترامها وتقديرها والتعامل مع دورها وعملها بعيداً عن الجوانب الأخرى ، وذلك من خلال حجابها وأخلاقيّاتها، ولكن هناك العديد من النساء اللواتي يعشن حسب التقاليد الاجتماعيّة، وليس حسب المبادىء الإسلاميّة، وهذا يحتاج إلى توعية أكثر للنساء المسلمات، وإلى المزيد من الثقافة الإسلاميّة لهن، وإنّني أقدّر عمل الأخوات اللواتي يقمن بعقد الندوات والمجالس الدينيّة; لتوعية النساء اللواتي أصبح همّهن مع الأسف تقليد النساء الغربيّات ولو كنّ منحرفات.

● هل لديك كلمة تريدين توجيهها عبر (نور الإسلام)؟

– أحب أن أوجّه إلى جميع الأخوة المسلمين كلمة ونداء بأن يحبّوا بعضهم بعضاً ، ويتعاونوا ويتكاتفوا; لأنّ في ذلك قوّتهم وغلبتهم على أعدائهم ، وكلّما كانوا أقوياء كلّما شعر الغرب بالهيبة والاحترام والتقدير لهم ، وزالت النظرة الدونيّة التي ينظرون بها للمسلمين بسبب التشويهات التي ذكرتها ، وبسبب الإهمال والتقصير والنزاعات بين المسلمين(1).

(1) مجلّة نور الإسلام: العددان (43 و 44) السنة الرابعة ـ لشهري رجب وشعبان ـ 1414 هـ ص 53.