قصة استبصار د. أسعد وحيد القاسم:

قصة استبصار د. أسعد وحيد القاسم:

يقول الدكتور أسعد: بدأت بدراسة الخلاف المذهبي في عام 1987 م أيام دراستي الجامعية في الفيليبين، بعد ما بدأت الاحظ تلك الحملات التكفيرية المسعورة التى كان يشنها البعض ضد الشيعة والتشيع.
ولم يكن عندي لغاية ذلك الحين أي اهتمام للاطلاع على مثل هذه المسائل الخلافية لعدم شعوري بأي حاجةة لمعرفتها، وكل ما كنت أعرفه من الشيعة أنّهم مسلمون وإن كانوا يختلفون عن أهل السنة في بعض المسائل التي لا تستوجب تكفيرهم، كتفضيلهم لعليّ (عليه السلام) على باقي الصحابة واهتمامهم الكبير بزيارة أضرحة الأئمة. وكنت لا أرى أي داعي للبحث عن الفرق بين الشيعة والسنة، لانني كنت اعتبر هذه الأبحاث دخولا في متاهات قد لا توصل إلى أي نتيجة.

الايمان بمبدأ التعامل الموضوعي بين المذاهب:

كان الدكتور أسعد وحيد القاسم يعتقد بأن يتوجه أصحاب أي انتماء مذهبي إلى من يخالفهم في الرأى أو المعتقد من منطلق العمل على حل مشكلة مشتركة وهي البحث عن الحق، وأن يحترم كل من الطرفين الآخر، ليكون الحوار القائم بينهم حواراً موضوعياً وبعيداً عن التعصب والانانية، وذلك لتتهيأ فيما بينهم أجواء هادئه فيتمكنوا في ظلالها أن يحصلوا على رؤية واضحة إلى الحقائق، لأن التمحور حول الذات والتعصب الناتج من التبعية العمياء يمزّق جميع الصلات بين أصحاب المذاهب المختلفة ويدفع كل صاحب انتماء إلى التعصب الأعمى لما عنده، وبهذا تتحول الساحة الاسلامية إلى ساحة ممزقة تمتص طاقات هائلة وتهدر قدرات كثيرة في الوقت الذي يمكن الانتفاع من هذه الطاقات والقدرات في مسألة البناء والتطور والتقدم في جميع الاصعدة.
إلاّ أن بعض أتباع المذهب الوهابي أنكروا على الدكتور أسعد ذلك، ثم حاولوا التضييق عليه من كل جانب من أجل أنن يتخلى عن هذا النمط من التفكير المنفتح.
فيقول الدكتور قاسم: وكان معنى ذلك أنّه يجب عليَّ إمّا أن أكون سنياً مكفراً للشيعة، وإمّا أن أكون شيعياً معتقداًً بكل ما يعتقدون،وهكذا كانوا يلحون عليَّ دائماً بأن اختار طريقاً واضحاً ليس فيه مزج أو وسطية على رأيهم. وكانوا يوزعون دائماً كتباً على الطلبة، تكفّر الشيعة وتجعل منهم خطراً على الأمة أسوأ من خطر اليهود.
وهكذا تولّد في داخلي حافز للتقصي والبحث، لأجد جواباً للعديد من القضايا والمسائل التي اُثيرت حول تاريخناا الإسلامي، ولم أجد لها جواباً مقنعاً وخصوصاً في ما يتعلق بمسألة الخلافة ونظام الحكم في الإسلام.

اقتطاف ثمار البحث حول التشيع:

بعد ما قرأ الدكتور أسعد الكتب العديدة المضادة للشيعة، بدأ بقراءة بعض الكتب الشيعية ليرى جوابهم على تلك المسائل وخصوصاً كتاب (المراجعات) الذي ينقل حواراً لكاتبه الشيعي مع عالم سني من الأزهر.
فيقول الدكتور أسعد في هذا المجال: وأشد ما لفت انتباهي في هذا الكتاب وغيره من الكتب الشيعية هوو استدلالها على ما تدعي بآيات قرآنية وأحاديث موثقة عند أهل السنة لاسيما في صحيحي البخاري ومسلم. ولشدة قوّة وضوح بعض الروايات التي استدل عليها من صحيح البخاري، دفع ذلك بعض أصدقائي من دعاة الوهابية إلى القول بأنّه لو وجدت بحق مثل هذه الروايات في صحيح البخاري لاستعدوا أن يكفروا بهذا الكتاب الجامع الصحيح كله كما يعتبره العلماء من أهل السنة، وحيث أنّه لم يكن متوفراً لدى أي أحد منا نسخة من هذا الكتاب، فبحثت حينها حتى وجدت نسخاً منه في معهد للدراسات الإسلامية في إحدى الجامعات الفيليبينية، وعكفت على دراسته للتحقق من مصادر الروايات الهامة التي استدل بها، حيث وجدتها جميعاً كما اشير إليها. وحينئذ فقط تيقنت من صحة دعوى الشيعة القائلة بخلافة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) ابتداءاً بعليّ (عليه السلام) وانتهاء بالمهدى عجل الله فرجه الشريف.

اجتياز مرحلة التغيير المذهبي:

وحول كيفية تغيير الانتماء إلى التشيع وترك المذهب السني يقول الدكتور اسعد: لم أشعر منذ البداية أنه كان عليَّ أن أترك مذهبي السني، ولا أعتقد أني تركته، وما أقصد أنّ إيماني في بداية الأمر بأحقية أهل البيت (عليهم السلام) بخلافة النبيّ(صلى الله عليه وآله)لم يعنْ تركي لمذهبي السني، وإنما اعتبرته تعديلا لمعلوماتي التاريخية، وتصحيحاً لمساري الإسلامي.
فإذا كان المذهب السني يعنى هو الأخذ بالسنة النبوية، فإن تمسكى بها قد أزداد بتعرفي على طريق أهل البيتت (عليهم السلام) ، لأنّهم أقرب الناس إلى هذه السنة النبوية.
وعلى رغم أن من حولي أخذوا ينادوني بالشيعي، فلم أكترث لذلك، بل لم أجد بأساً فيه، لأنه لم يكن عندي عقدةة مسبقة من هذه التسمية.
لأنني لا أرى تقسيم المسلمين على أساس المذاهب، وإنّما على أساس صدق التوجه واصالة العمل واخلاصه،، فيكون عندنا إما إسلام ظاهري موروث ليس فيه سوى الشعائر الفارغة من المعنى لمن يقوم بها وسوى التعصب الأعمى لها، وإمّا إسلام واقعي يكون أتباعه مستسلمين بالروح والقلب لكل ما هو حق ويعملون به بكل حبّ وإخلاص لا يعرفون للتعصب طريقاً.

ردود فعل الأسرة والمجتمع:

يقول الدكتور أسعد حول ما لاقاه من ردود فعل أسرته ومجتمعه: لم أفكر لحظة كيف سيكون رد فعل أسرتي ومجتمعي، لأن المسألة هنا شخصية جداً، ولا اعتبار فيها سوى ما يراه العقل وعلى ذلك يحاسبنا الله سبحانه وتعالى، فلا الأسرة ولا القبيلة تشفع لأحد يوم الحساب ولحسن حظي على كل حال، فإنّ أسرتي وأقاربي كانوا متفهمين جداً عندما عرفوا بالأمر وتربطني بهم إلى الآن علاقة حميمة.
وأما بالنسبة لرد فعل المجتمع، فنحن ما زلنا مجتمعات يسيطر عليها التفكير القبلي والتعصب الديني والمذهبيي والتحول عن الدين أو المذهب لا يزال مرفوضاً من حيث المبدأ ويبغض غالباً من يفعله، فالدين والمذهب في مجتمعاتنا من الأمور التي تورث، والقليل النادر جداً من يضعها تحت مجهر الدراسة والتمحيص، فلهذا خسرت بعض الأصدقاء إلاّ أنني كسبت آخرين، وفيهم كثير من النخب المتعلمة مما يدعو إلى التفاؤل، فالثقافة والوعي تجاه هذه القضايا يحتاجان إلى بعض الوقت.