هل صحيح عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: (ولدني أبو بكر مرّتين)؟ وما معنى الرواية؟ وهل هي صحيحة؟

هل صحيح عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: (ولدني أبو بكر مرّتين)؟ وما معنى الرواية؟ وهل هي صحيحة؟

؟

إنّ مقولة الإمام الصادق(عليه السلام): (ولدني أبو بكر مرّتين) يتناقلها العامّة عند ذكر فضائل أبي بكر.

والرواية ينقلها الإربلي صاحب كتاب (كشف الغمّة)، وهو من الإمامية، إلاّ أنّه صرّح في خطبة كتابه، فقال: ((واعتمدت في الغالب النقل من كتب الجمهور؛ ليكون أدعى إلى تلقّيه بالقبول))(1).
فنقل في كتابه (كشف الغمّة): ((وقال الحافظ عبد العزيز الأخضر الجنابذي – وهو من العامّة – أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام) وأمّه أُمّ فروة… ولذلك قال جعفر: ولقد ولدني أبو بكر مرّتين))(2).

ولكن عندما نقل الفضل بن روزبهان الحديث عن (كشف الغمّة) أضاف إليه الصدّيق، فصار الحديث: (ولدني أبو بكر الصدّيق مرّتين)(3)، وأوّل من أضاف (الصدّيق) للحديث حسب ما رأينا هو الذهبي في كتبه(4)!! وهذا شأنهم لرفع فضائل أصحابهم.
على أنّ سند هذا الحديث ضعيف، لأنّ فيه عبد العزيز بن محمّد الأزدي، مجهول، قال فيه ابن قطّان: عبد العزيز لا يعرف(5)، وقد تفرّد به عن حفص بن غياث قاضي بغداد والكوفة للرشيد(6)، وهذا أدعى لعدم قبوله إذا كان قد قاله الصادق(عليه السلام)! لأنّ الداعي لخروجه مخرج التقيّة سيكون قويّ فيه.

وقد جاءت روايته بالسند المذكور في (فضائل الصحابة) للدارقطني، قال: ((حدّثنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن إسماعيل الآدمي، نا محمّد بن الحسين الحنيني، قال: نا عبد العزيز بن محمّد الأزدي، قال: نا حفص بن غياث، قال: سمعت جعفر بن محمّد يقول: (ما أرجو من شفاعة عليّ شيئاً إلاّ وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله، ولقد ولدني مرّتين) ))(7)، ومثله ما عن (شرح أُصول اعتقاد أهل السُنّة والجماعة) للألكائي(8)، و(تهذيب الكمال) للمزّي من طريق الدارقطني(9).

وإن سلّمنا أنّ الإمام الصادق(عليه السلام) قال: (ولدني أبو بكر مرّتين)، فلا دلالة في كلامه هذا على الثناء والتعظيم! بل الظاهر أنّه ذكر ذلك عند تفصيل حال الآباء والأُمّهات، لأنّ أُمّ الإمام(عليه السلام) هي أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، وأُمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، فيكون أبو بكر جَدّاً لأُمّ فروة من جهة الأب ومن جهة الأُمّ، فعبّر الإمام بهذا التعبير، ولا يكون فضلاً، لأنّ الحديث عن الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله): (تنكح المرأة على إحدى خصال ثلاث: تنكح المرأة على جمالها، وتنكح المرأة على دينها وخلقها، فعليك بذات الدين تربت يمينك)(10)، ولم يشر للأب بشيء أو للأُمّ، والآية قاضية بذلك: (( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى )) (الأنعام:164)، و(( كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ )) (المدثر:38).

فإنّ أبا بكر وإن كان ما كان، فإنّه يخرج الخبيث من الطيّب، ويخرج الطيّب من الخبيث، فهذا ابن نبيّ الله نوح(عليه السلام) ما ضرّ أبوه عمله ولا نفعه قربه من أبيه، (( إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم )) (الحجرات:13)، وهذا محمّد بن أبي بكر على طرف نقيض مع أبيه، فهو من خُلّص أصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام)(11)، وقتل في سبيل الدفاع عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، ولعلّه يكون السبب في التناسب بين الإمام(عليه السلام) وبين أبناء محمّد بن أبي بكر.
وخلوّ الحديث – لو سلّمنا به – عن لفظة الصدّيق، أو أيّ لفظة أُخرى، سوى (أبو بكر)، يشعر بعدم إرادة المدح.
ودمتم في رعاية الله

(1) كشف الغمّة 1: 4 ذكر الإمام السادس جعفر الصادق.
(2) كشف الغمّة 2: 374.
(3) إحقاق الحقّ 1: 29 خطبة ابن روزبهان.
(4) الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستّة 1: 295 (798)، تذكرة الحفّاظ 1: 295 (162)، سير أعلام النبلاء 6: 255 (117)، تاريخ الإسلام 9: 88 الطبقة الخامسة عشرة، حرف الجيم.
(5) لسان الميزان 4: 32 (86).
(6) تهذيب التهذيب 2: 357 (725).
(7) فضائل الصحابة: 57 الحديث (30).
(8) شرح أُصول اعتقاد أهل السُنّة والجماعة 7: 1380 الحديث (2467).
(9) تهذيب الكمال 5: 81 (950).
(10) المستدرك على الصحيحين، للنيسابوري 2: 161 كتاب النكاح.
(11) انظر: الإصابة في تمييز الصحابة 6: 193 (8313)، تهذيب التهذيب 9: 70، تاريخ اليعقوبي 2: 194.