عبد الستار محمود متولي

عبد الستار محمود متولي (شيوعي / مصر)

ولد عام ١٣٦٢هـ (١٩٤٣م) في مصر، وسكن مدينة «الاسكندرية»، وله ذوق شعري لطيف.

كان «عبد الستار» متأثّراً بالفكر الشيوعي الذي اجتاح الدول العربية والإسلامية حينها، ولكنّه من خلال البحث والتحقيق تعرّف على فكر مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) في شتى المواضيع، وخاصّة فيما يرتبط بالإمام المهدي (عجل الله فرجه).

عقيدة الإمام المهدي المنتظر عقيدة المسلمين:

غالباً ما يسمع عوام أهل السنّة عن العقيدة بالإمام المهدي وما يشنّع به على الشيعة فيها، وأنّهم يلقون بأموالهم في سرداب ليخرج المهدي فيقوم بصرفها، وغيرها من الأُمور التي تصوّر الشيعة على أنهم جماعة لا عقل لها تنتظر غائباً في سرداب.

ولكن «عبد الستار» بعد أن أجرى البحوث المعمّقة عن هذا الموضوع وجد أنّ العقيدة بالإمام المهدي تعدّ ركناً أساسياً من أركان المنظومة العقديّة للإسلام، فليست هي مفردة هامشية أو ثانوية، وهي لا تختص بمذهب دون آخر، ولا بمدرسة دون أخرى، وإنّما كلّ من كان مسلماً فلابدّ له أن يعتقد بظهور المهدي المنتظر(عليه السلام)، وأنّه لابدّ من أن يأتي في آخر الزمان مَن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وإنّ الإنسان إذا لم يعتقد هذا الاعتقاد فإنّه سوف يكون خارجاً عن الدين، أو لا أقل سوف يكون مكذّباً للنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله).

وذلك لأنّ النصوص المتواترة أثبتت أنّ النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) بشّر بهذا المنجي المنتظر الذي يخرج في آخر الزمان، ومن الواضح أنّ مَن كذّب النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)في أيّ مفردة من المفردات فهو خارج عن الإسلام!

وممّن أشار إلى هذه الحقيقة: عبد العزيز بن باز ; فقد سُئل: يوجد لدينا رجل ينكر المسيح الدجّال والمهدي ونزول عيسى(عليه السلام) ويأجوج ومأجوج، ولا يعتقد في شيء منها، ويدّعي عدم صحّة ما ورد في ذلك من أحاديث، مع العلم بأنّه لا يفقه شيئاً في علم الحديث ولا في غير علم الحديث، وقد نوقش في هذه الأمور من قِبَل علماء ولكنّه يزعم أنّ كلّ الأحاديث الواردة في هذه الأمور مكذوبة على النبي(صلى الله عليه وآله)ودخيلة على الإسلام، وهو يصلّي ويصوم ويأتي بالفرائض فما حكمه وفّقكم الله؟

الجواب: «مثل هذا الرجل يكون كافراً والعياذ بالله ; لأنّه أنكر شيئاً ثابتاً عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فإذا كان بيّن له أهل العلم ووضّحوا له ومع هذا أصرّ على تكذيبها وإنكارها، فيكون كافراً ; لأنّ من كذّب الرسول(صلى الله عليه وآله) فهو كافر، ومن كذّب الله فهو كافر، وقد صحّت وتواترت هذه الأخبار عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في نزول المسيح بن مريم من السماء في آخر الزمان، ومن خروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدجّال في آخر الزمان، ومن مجيء المهدي، كلّ هذه الأربعة ثابتة، المهدي في آخر الزمان يملأ الأرض قسطاً بعد أن ملئت جوراً، ونزول المسيح بن مريم، وخروج الدجّال في آخر الزمان، وخروج يأجوج ومأجوج، كلّ هذا ثابت بالأحاديث الصحيحة المتواترة عن رسول الله، فإنكارها كفر وضلال»(1).

والحديث الصحيح المتواتر يعني: القطعي الصدور ; فنجزم بصدوره من رسول الله(صلى الله عليه وآله) كما نجزم بوجوده(صلى الله عليه وآله)، وينطبق عليه قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا(2).

ومع ذلك يخرج بعض الجهلة من الاتّجاه الآخر، والذين يسمّون أنفسهم بأهل العلم، فيقولون: بأنّ هذه من البدع.

وهذه الكلمات يوجد لها مثيل في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام):

الحديث الأول: عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه(عليهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني(3).

وعبارة الإمام الصادق(عليه السلام) تشبه هذه الفتوى المذكورة، ومن الواضح أنّ تكذيب النبي(صلى الله عليه وآله) في ما يتعلّق بالمهدي المنتظر(عليه السلام) هو تكذيب لله تعالى.

الحديث الثاني: عن الصادق، عن آبائه(عليهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته مات ميتة جاهلية(4)..

فإنّ العقيدة السائدة في مذهب أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) أنّ المهدي المنتظر(عليه السلام)حي وموجود، ولذا نجد الرواية الواردة عن الرسول تقول: في زمان غيبته وزماننا هو زمان الغيبة الكبرى.

هذا، وقد حدث اختلاف في نسب الإمام المهدي(عليه السلام) الذي يجب الاعتقاد به، ولكن لا معنى لتصوّر أنّ الله سبحانه وتعالى يأمرنا بالاعتقاد بعقيدة ولا يبيّن لنا حدود وثغور تلك العقيدة.

وتنقسم الروايات الواردة عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) في ما يتعلّق بنسب المهدي المنتظر(عليه السلام) إلى أصناف ثلاثة:

الصنف الأول: وهي عناوين عامّة قابلة للانطباق على كلّ أحد، من قبيل: عنوان المهدي، والخليفة، والإمام، وعنوان الأمير، وهذه العناوين قابلة للانطباق، ولذا عبّر عن الكثير بعنوان الخليفة، أو المهدي، فعلى مرّ التاريخ كثير من الناس ادّعوا المهدوية، وهذا معناه أن هذا العنوان فيه قابلية الانطباق على أكثر من شخص، وعنوان الخلافة أيضاً ; وجدنا من لم يكن لهم الحقّ في خلافة رسول الله(صلى الله عليه وآله)ادّعوا الخلافة، كـ : بني أُمية، وبني العبّاس، وكلّهم كان يسمّي نفسه: خليفة.

وهكذا عنوان الإمام ; فيمكن لكلّ أحد أن يدّعي لنفسه أنّه إمام، أو أمير المؤمنين، فإذا نظرنا إلى هذا الصنف الأول من الروايات نجد أنّها عناوين عامة قابلة للانطباق على كثيرين.

الصنف الثاني: وهذا الصنف من الروايات أخصّ من هذه الروايات، فتضيّق الدائرة، من قبيل تعبيرها: بأنّه منّي، أو: منّا أهل البيت، أو: من عترتي أو: من ولد فاطمة، وهكذا، وهذه العناوين أضيق كثيراً من الأول.

الصنف الثالث: فإنّ الروايات بعد أن عنونت هذا المهدي، وهذا الخليفة، وهذا الذي من ولد فاطمة، عنونته بالاسم، وعنونت وبيّنت من هو أبوه الذي ينتسب إليه، وإلى أين ينتهي، يعني: قالت: هو م ح م د ابن الحسن العسكري، واستمرّت السلسلة إلى أن تنتهي إلى الإمام علي بن أبي طالب، سلسلة واضحة، وهؤلاء هم الأئمّة الاثنا عشر الذين تعتقد بهم مدرسة أهل البيت.

هذه الأصناف الثلاث من الروايات كلّها واردة في مصادر وتراث مدرسة الصحابة، ولكن هناك دوائر يتّفق فيها علماء المسلمين، وهناك دوائر يختلفون فيها…

ونشير هنا إلى الصنف الأول، وفيه عناوين أربعة: المهدي، الخليفة، الإمام والأمير.

العنوان الأول: المهدي:

من النصوص التي تكلّمت عنه: ما روي عن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: يخرج في آخر أُمّتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً، وتكثر الماشية، وتعظم الأمّة، يعيش سبعاً أو ثمانياً. يعني: حججاً.

قال الحاكم النيسابوري: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(5).

وقال الذهبي في هامشه على مستدرك الحاكم: صحيح.

وقال الألباني: وهذا سند صحيح، رجاله ثقات(6).

العنوان الثاني: الخليفة:

وأشارت له مجموعة من الروايات، منها: ما روي عن ثوبان: قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلّهم ابن خليفة، ثمّ لا يصير إلى واحد منهم، ثمّ تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقاتلونكم قتالاً لم يقاتله قوم، ثمّ ذكر شيئاً فقال: إذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج ; فإنّه خليفة الله المهدي.

قال الحاكم النيسابوري: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين(7).

والملاحظ أنّه قال: هو خليفة الله، وليس فقط: خليفة رسول الله، وهذا العنوان من قبيل قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(8)، ثمّ أعطاه عنوان: قال له: ﴿يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ هذا الخليفة الإلهي، وله مقام عظيم عند الله.

وكذلك العنوان الثالث والرابع:

فالملاحظ: أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) مرّة يعبّر عنه بـ «المهدي»، ومرة أخرى بـ «الخليفة» تارة بـ «الإمام»، وتارة أخرى بـ «الأمير»، فعندما يقول: هذا خليفة، يريد أن يقول: هذا من الخلفاء الاثني عشر. وعندما يقول: إمام، فهو من الأئمّة الذين نصبهم الله ; ليكونوا من بعده.. وهكذا. فالقضية ليست قضية نظرية وترفيه، بل هي مقصودة.

حقائق عقيدة الإمام المهدي تقول إلى الحقّ:

بعد أن اطّلع «عبد الستار» على المعلومات التي يبثّها أعداء شيعة أهل البيت(عليهم السلام)عن موضوع الإمام المهدي، والحقائق التي تحويها كتب ومصادر المسلمين، قرّر الاذعان للحقّ، والإيمان بالأئمّة الاثني عشر، وبالإمام المهدي(عليه السلام).

____________

1- فتاوى نور على الدرب ١: ٣٥٥ و٣٥٦.

2- الحشر -٥٩-: ٧.

3- كمال الدين وتمام النعمة: ٤١٢.

4- بحار الأنوار ٥١: ٧٣.

5- المستدرك على الصحيحين ٤: ٥٥٨.

6- سلسلة الأحاديث الصحيحة ٢: ح٧١١.

7- المستدرك على الصحيحين ٤: ٤٦٣ ـ ٤٦٤.

8- البقرة -٢-: ٣٠.