شاكر موسيمو

شاكر موسيمو (شافعي / مدغشقر)

ولد في مدينة «انبيلوب» في جمهورية مدغشقر، البلد الواقع في جنوب شرقي أفريقيا، سنة ١٤٠٢ هـ (١٩٨٢م)، في عائلة شافعية المذهب، ودرس فيها إلى أن أخذ شهادة الإعدادية.

كان «شاكر» كثير المطالعة للكتب الدينية، وبالخصوص كتب السيرة التي تتحدّث عن سيرة الخلفاء، وكان يجري أثناء المطالعة مقارنة بين الأحداث.

واقعة الغدير ودلالاتها:

ممّا لفت نظر «شاكر» أثناء قراءته وبحثه: واقعة غدير خم ودلالاتها، والأدوار الأساسية التي أُنيطت إلى مقام الإمامة في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

فالإمامة لها أصل قرآني، بيّنه قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً(1)، أيضاً قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا(2)، وهي مستمرة حتّى في الشريعة الخاتمة لنبيّنا (صلى الله عليه وآله)، ولها استمرارية غير منقطعة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فليست ظاهرة الإمامة القرآنية كظاهرة النبوة المقيّدة بقوله (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي»(3)، فالنبوة ظاهرة قرآنية وأصل قرآني منقطع الآخر، وإن كان له ابتداء..

أمّا الإمامة والولاية والخلافة القرآنية فهي مستمرة ولن تنقطع; لأنّ القرآن الكريم يقول: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً(4)، و«جاعل» يقوم بنفس الدور الذي يقوم به الفعل المضارع يدل على الاستمرارية، كذلك ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً(5)يدلّ على الاستمرارية.

وإذا ثبت أنّ الإمامة أصل قرآني مستمر وليس منقطعاً، فمن هم الأئمّة؟ وما هي شرائطهم في الشريعة الخاتمة؟ فكما أنّ أنبياء بني إسرائيل أئمّة، أشار إليهم قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ(6)، كذلك للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) سيكون هناك أئمّة أيضاً، وسيكونون موجودين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

والتعبير بأنّ الإمامة أصل قرآني لا يعني أنّها الإمامة أصل قرآني متواطي; لأنّ الإمامة التي كانت لإبراهيم ليست الإمامة نفسها التي كانت في قوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا، كما أنّ الأنبياء والمرسلين يتفاضلون فيما بينهم.

والإمامة أيضاً لها درجات تفاضل، ولها درجات متعدّدة، فكما أنّ النبوة يعبّر عنها تعالى بقوله: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض(7)، كذلك الأئمّة يتفاضل بعضهم على بعض، سواء على مستوى الإمامة في شريعتنا والإمامة السابقة على ذلك، أو حتّى على مستوى الأئمّة في شريعتنا.

فعندما نأتي إلى الإمامة الثابتة لإبراهيم الخليل والإمامة الثابتة للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، نجد: أنّ إمامة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) هي أعلى مرتبة من إمامة إبراهيم الخليل، كما أنّ نبوّته ورسالته أعظم وأفضل من نبوة ورسالة إبراهيم الخليل، كذلك عندما نأتي إلى الائمّة في مدرسة أهل البيت; فإنّ إمامتهم وخلافتهم ووصايتهم وولايتهم أعلى مرتبة من الأئمّة الآخرين الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم، وهذا ما أثبته الدليل القرآني والنصوص المتواترة عليها.

ولكي تتّضح حقيقة واقعة الغدير ومضمون هذه الواقعة لابدّ من توضيح الأدور التي يعتقدها الشيعة لإمامة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).

فتوجد هناك رؤيتان للإمامة:

الأولى: الرؤية التي تبنّتها مدرسة الصحابة وهي تعتقد أنّ الإمامة ليس لها أيّ دور سياسي أو إداري لقيادة الأُمّة سياسياً واجتماعياً ونحو ذلك، وذكرت بعض الشرائط البسيطة.

الثانية: نظرية مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) للإمامة، وفيها تأخذ أبعاداً وأدواراً أخرى ومسؤوليات أساسية أُنيطت بهذه الإمامة، ولهذا المقام الإلهي الذي عبّر عنه في القرآن الكريم: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً(8)، وإنّ هذه الإمامة التي توجد لأئمّة أهل البيت هي وراثة لإمامة إبراهيم، وأنّها هي استمرار لذلك الخط الأصيل الذي ثبت قرآنياً، فكما أنّ النبيّ الأكرم هو وارث الأنبياء والمرسلين كذلك أئمّة أهل البيت هم ورثة إمامة إبراهيم.

والأدوار التي يقوم بها الإمام بحسب منهج وفكر أهل البيت:

الدور الأوّل: هو الدور التشريعي.

الدور الثاني: هو الدور السياسي.

والفرق بين الدور التشريعي والدور السياسي: فتارة يأتي الشخص ويبيّن أنّه من قام بهذا العمل فعليه الحد الكذائي، يقول: بأنّه من ملك مالاً بهذا القدر فعليه الزكاة بهذا القدر، فيشرّع الحكم الشرعي ويبيّن التشريعات، أمّا إذا تخلّف الشخص أو المجتمع عن أداء هذه الأحكام، ففي هذه الحالة لا يقوم الشخص المبيّن بتطبيق هذه الأحكام على المجتمع.

فرق كبير بين أن يبيّن حكم الزكاة وبين أن يأخذ الزكاة من الناس، ولهذا نجد القرآن الكريم يبيّن أحكام الزكاة في موضع، وفي موضع آخر يقول للرسول الأعظم: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً(9)، فبيان حكم الزكاة هو الدور التشريعي، أمّا أخذ الأموال فهذا بيان لدور القيادة وبيان لدور الإمامة في الأُمّة بنحو إذا امتنع منه أحد يعاقب على ذلك، فهو دور التنفيذ والتطبيق.

وعند الرجوع إلى كلمات أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) نجدها واضحة جليّة; قال الإمام الرضا (عليه السلام): «إنّ الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين، إنّ الإمامة أُسّ الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف»(10).

فالإمام الرضا (عليه السلام) بعد أن يبيّن أنّ بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد يقول: «وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف»، وهذه ليست من الأدوار التشريعية للإمام وإنّما هي من الأدوار القيادية في الأُمّة، وأنّ التشريع وحده لا يتم إلاّ مع التطبيق، والإمام هو الذي يطبّق هذه الأمور.

الدور الثالث: الدور الوجودي:

فكلّ نظام عالم الإمكان إنّما يصل إليه الفيض والرحمة من الله بتوسّط الإمام المعصوم، وهذا هو الدور الوجودي، وهو ما بيّنه قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ(11) بتوسّط الإمام المعصوم.

فكما أنّ الإنسان إذا لم يكن هناك أوكسجين تنعدم حياته، كذلك هذا النظام لا يمكن أن يبقى على حاله إلاّ بتوسّط أو بوجود حجّة الله، إمّا ظاهر مشهور، وإمّا غائب مستور، وقد أشارت إلى هذه الحقيقة مجموعة من النصوص:

النصّ الأوّل:

عن علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: «نحن أئمّة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغرّ المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان أهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وبنا ينشر الرحمة، ويخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها»(12).

فلابدّ من حجّة لله إمّا ظاهر وإمّا غائب باطن، وهذه سُنّة إلهية.

النصّ الثاني:

عن الإمام الهادي (عليه السلام)، قال: «بكم فتح الله، وبكم يختم، وبكم ينزل الغيث، وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، وبكم ينفّس الهم ويكشف الضر»(13).

فالأدوار الأساسية لأهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) ليست منحصرة بالقيادة السياسية حتّى إذا حُرموا منها لا يبقى هناك أيّ دور، فالقيادة السياسية واحدة من الأدوار التي أُنيطت بهم، وبالإضافة إلى دورهم السياسي يوجد هناك الدور التشريعي، ويوجد هناك الدور الوجودي، وقد اصطلح على هذه الأدوار بـ«نظرية الإنسان الكامل في القرآن» وضرورة وجوده في كلّ زمان.

وليس كلّ دليل من الأدلّة القرآنية والروائية هي بصدد إثبات كلّ هذه الأدوار، وإنّما كلّ دليل وكلّ لسان بصدد إثبات دور من هذه الأدوار، ولكن بعض هذه الألسنة تثبت جميع هذه الأدوار، ومنها: غدير خم..

وقد قام النبي (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث بعدّة أمور:

١ ـ هيّأ المقدّمات، فأرجع الذين تقدّموا، وحبس الذين كانوا متأخّرين، وجمع هذا العدد الكبير من الحجّاج في هذا الموقف الكبير والعظيم والتأريخي.

٢ ـ قال: أيّها الناس! ألا تسمعون؟ يعني: اطمأنّ أنّ الجميع يسمع صوته.

٣ ـ ثمّ عرّف الثقلين وأهميتهما بالنسبة للأُمّة، فقال: «الثقل الأكبر: كتاب الله، طرف بيد الله وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به لا تضلّوا، والآخر الأصغر: عترتي; وأنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيَّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربي فلا تقدّموهما فتهلكوا ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا».

٤ ـ أخذ بيد عليّ فرفعها حتّى رؤي بياض آباطهما، وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيّها الناس! مَن أوْلى الناس بالمؤمنين من أنفسهم، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟! إشارة إلى قوله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ(14)، قالوا الله ورسوله أعلم، قال: إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، أي: قائدهم، وأوْلى بهم من أنفسهم، وأنا مولى المؤمنين، فالنبي (صلى الله عليه وآله) فسّر معنى المولى في النص، فمن كنت مولاه فعلي مولاه.

والمراد من الأوْلوية، وبقرينة الآيات الأخرى، والروايات الواردة في المقام، والتي تؤيّد هذا المعنى، هي: الأولوية في كلّ شأن من شؤون المؤمنين والمسلمين والأُمّة الإسلامية، سواء كانت شؤون فردية أو شؤون اجتماعية، أو أي شأن آخر فالنبي أولى منهم.

فعلى مستوى هذه الآية يتّضح لنا أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) بصدد بيان الدور القيادي; لأنّ القائد هو الذي لابدّ أن يطاع في كلّ شأن من شؤونه، وإلاّ ففي الدور التشريعي يمكن أن يبيّن المشِّرع شيئاً، والمكلّف حرّ في أن يلتزم أو لا يلتزم.

إذاً يستفاد من هذا النصّ المبارك: «النبيّ أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم»: أنّ نفس هذه الأولوية في غدير خم أُعطيت لعليّ (عليه السلام)، فلم يكنّ النبي (صلى الله عليه وآله) بحسب نصّ هذا الحديث، بصدد بيان الدور الوجودي، أو بصدد بيان المرجعية والدور التشريعي، وليس هو بصدد بيان المودّة والمحبّة، وإنّما بصدد بيان الدور القيادي والسياسي والإمامة والخلافة السياسية في الأُمّة بعده (صلى الله عليه وآله).

معرفة حقيقة دور الإمامة واتّباع الحقّ:

بعد أن اتّضحت لـ «شاكر» الحقائق، وتبيّن له دور الإمامة في الفكر الإسلامي الذي بيّنه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) في غدير خم وحديث الثقلين، سلّم للحقّ والعقل والمنطق والفطرة، فقرّر اعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وكان ذلك سنة ١٤٢١ هـ (٢٠٠١م) في مدينته «انبيلوب».

____________

1- البقرة -٢-: ١٢٤.

2- الأنبياء -٢١-: ٧٣.

3- صحيح مسلم ٧: ١٢٠.

4- البقرة -٢-: ٣٠.

5- البقرة -٢-: ١٢٤.

6- السجدة -٣٢-: ٢٤.

7- البقرة -٢-: ٢٥٣.

8- البقرة -٢-: ١٢٤.

9- التوبة -٩-: ١٠٣.

10- الكافي ١: ٢٠٠.

11- فاطر -٣٥-: ١٠.

12- الأمالي للشيخ الصدوق: ٢٥٢ ـ ٢٥٣.

13- عيون أخبار الإمام الرضا (عليه السلام) ٢: ٣٠٨.

14- الأحزاب -٣٣-: ٦.