افريزا بن صلاح الدين

افريزا بن صلاح الدين (شافعي ـ أندونيسيا)

ولد سنة 1407هـ (1987م) في مدينة “بندا آچه” باندونيسيا، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، ثمّ درس في المعهد الإسلامي في مدينة “بانجيل”، ثمّ تخصّص في الاقتصاد الإسلامي في الحوزة العلمية في مدينة قم، إضافة إلى مواصلة الدروس الدينيّة الأخرى.

بداية تعرّفه على التشيّع:

التقى “افريزا” اثناء دراسته في المعهد الإسلامي في مدينة “بانجيل” ببعض الشيعة وتعرّف عن طريقهم على بعض عقائد الشيعة وتأريخهم، ثمّ سافر إلى “ماليزيا” للدراسة في المعهد الإسلامي هناك، ولكن شاءت الظروف أن يلتقي بأحد اصدقائه من أبناء منطقته، فوجده قد تشيّع وانتمى إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام). فنصحه صديقه بدراسة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، والسفر إلى إيران للدراسة في الحوزة العلميّة، وقد وقعت هذه النصيحة منه موقع القبول.

فسافر “افريزا” إلى إيران وانتسب إلى الحوزة العلميّة في مدينة قم، ثمّ حصلت له نقاشات علميّة في العديد من القضايا العقائدية مع الأساتذة والطلبة الدارسين هناك، ومن هذا المنطلق اقتنع “افريزا” بأحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فأعلن استبصاره في مدينة قم بإيران.

إنّ من جملة المسائل التي ناقش فيها افريزا أساتذته وأصدقائه من الطلبة هي مسائل التوحيد الإلهي كعلم الله تعالى والقضاء والقدر، وكان ممّا لفت نظره بالخصوص مسألة البداء التي يقول بها الشيعة وعرف “افريزا” من خلال البحث بأن معظم أهل السنّة يقبلون البداء أيضاً ولكنّهم يسمّونه باسم “المحو والإثبات” ولكن المشكلة هي وقوع التهريج وصدور الاتّهامات الباطلة ضدّ عقيدة الشيعة في هذا الخصوص من قبل بعض أعلام أهل السنّة ـ كالبلخي والأشعري والفخر الرازي نتيجة عدم إلمامهم بمقصود ما يقوله الشيعة أو نتيجة أسباب أخرى يكمن وراءها عدم الالتزام بتقوى الله تعالى.

ما هو البداء

البداء في اللغة ـ هو الظهور بعد الخفاء، وقال الراغب في مفرداته(1): “بدا الشيء بُدواً، وبداءً أي ظهوراً بينّا، قال الله تعالى: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا}(2).

وأمّا معنى البداء في المصطلح العقائدي فهو يعني تغيير المصير والمقدّر بالأعمال الصالحة أو الطالحة، كما غيّر قوم يونس قدرهم السيّء أعني نزول العذاب بالتوبة والإنابة، ويكون هذا البداء في مقام الثبوت وأمّا البداء في مقام الإثبات فهو يعني إخبار النبيّ والوليّ عن شيء للعلم بالمقتضي من دون الاطّلاع على المانع عن تأثيره من قبيل إخبار يونس(عليه السلام) عن نزول العذاب من جهة اطّلاعه على مقتضيه مع عدم اطّلاعه على المانع من تأثيره، فأخبره عن نزول العذاب، لكنه لم يتحقّق ولا يلزم من هذا كون يونس كاذباً، بدليل الأمارات الكثيرة على صدقه في الأخبار(3).

قد أجمع الشيعة على أنّ الله سبحانه لا يتصوّر فيه الظهور بعد الخفاء، ولا العلم بعد الجهل، بل هو يعلم كلّ شيء قبل خلقه وحينه وبعده، وقد قال تعالى:

{إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيٌْ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء}(4).

قال الإمام موسى الكاظم(عليه السلام): “لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء”(5).

وقال الإمام الصادق(عليه السلام): “من زعم أنّ الله عزّوجلّ يبدو له من شيء لم يعلمه أمس، فابرؤوا منه”(6).

وبذلك يعلم كذب ما اتّهم به الشيعة من أنّهم يقولون خلاف ذلك، ونذكر على سبيل المثال ما قاله الرازي في تفسيره لآية المحو والإثبات، حيث يقول: “قالت الرافضة: البداء جائز على الله تعالى وهو أن يعتقد شيئاً ثمّ يظهر له أنّ الأمر بخلاف ما اعتقده، وتمسّكوا فيه بقوله: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ}.

ثمّ يضيف: واعلم إنّ هذا باطل لأنّ علم الله من لوازم ذاته المخصوصة، وما كان كذلك كان دخول التغيّر والتبدّل فيه محالاً”(7).

وقد أخطأ الرازي في هذا المقام في نسبته للشيعة بأنّهم يؤمنون بأنّ الله يعتقد شيئاً ثمّ يظهر له أن الأمر بخلاف ما اعتقده لأنّ الشيعة لا تقول بهذا وإنّ مقصودهم من البداء غير هذا.

البداء وتغيير الإنسان لمصيره

زعم اليهود أنّ الله قد فرغ من الأمر، وأنّ كلّ ما هو مقدّر محتوم الوقوع، لا يصحّ تغييره وقالوا: “يد الله مغلولة”، والقول بالبداء هو ردّ عليهم، فالله تعالى له السلطة على الكون وله السلطة على مصير الإنسان وأنّه لم يفرغ من الأمر، بل كلّ يوم هو في شأنّ.

كما أنّ المقدّرات على قسمين: مقدّر محتوم، ومقدّر غير محتوم، والقدر غير المحتوم قابل للتغيير من قبل الإنسان بأعماله الصالحة، كالدعاء والاستغفار وصلة الرحم والصدقة.

فوائد الاعتقاد بالبداء:

إنّ الاعتقاد بالبداء يبعث في قلب الإنسان بأنّه يستطيع أن يغيّر مصيره نحو الأفضل، أمّا المتأثّرون باليهود من المسلمين فقد أغلقوا على أنفسهم أبواب الرحمة، وصاروا يرون بأنّ لا فائدة من العمل والسعي مادام القدر قد جفّ قلمه، وأنّ السعادة والشقاء مقدّران حتميان لا يمكن تغيير هما بالدعاء والأعمال الصالحة.

ومن جهة أخرى فإنّ القول بالبداء يوجب انقطاع العبد إلى ربّه ويدفع العبد للدعاء المستمر لسدّ حاجاته، وكفاية أمره وتوفيقه للطاعة وإبعاده عن المعصية، كما أنّ إنكار البداء يلزم منه اليأس وترك الدعاء والتوسّل والتضرّع للخالق لجفاف القلم وعدم الفائدة.

مواصلة البحث والاستبصار:

واصل “افريزا” بحثه في الصعيد العقائدي حتّى توصّل عام 1421هـ (2001م) إلى أحقيّة مذهب أهل البيت(عليه السلام)، فأعلن استبصاره وبدأ بعد ذلك صفحة جديدة في حياته وحاول أن يرفع مستوى وعيه الديني عن طريق كثرة مطالعته لأحاديث أهل البيت(عليهم السلام).

____________

1- المفردات، مادّة “بدا” ص 40.

2- الزمر (39): 47 ـ 48.

3- انظر النسخ البداء في الكتاب والسنة: 29 ـ 30.

4- آل عمران (3) 5.

5- الكافي، الكليني: 1 / باب (صفات الذات)، ح4.

6- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: 99.

7- التفسير الكبير، الفخر الرازي: 19 / 52.