قصيدة شايعت علياً

قصيدة شايعت علياً (عليه السلام) من قصائد المستبصر والمفكر الإسلامي معروف عبد المجيد:

(شايعت علياً)

«تحية للسيد الحميري»

ما للاحبة غُيَّباً ليسوا معي

والوجد نارأُضرمت في أضلعي..؟

الدار رسم، والحياة طُلاطلٌ

والحيّ أطلال بقفر بلقعِ

والليل طال، وماله من آخر

فاذا انجلى فعن الظلام الاسفعِ

ما كنت أحسب أن حبكِ قاتلي

يا «نُعْمُ» لم أشعر بذاك ولم أعِ

حتى إذا بنتم، وقامت بيننا

حجُبٌ من الغيب الممضّ المُفزعِ

أدركت أن الحبّ يطعن كالقَنا

والسمهريّ، وكالرّماح الشُّرَّعِ

فاذا المحبُّ مضرّج بدمائه

ولرمسه المحفور قبلا قد دُعي

واليوم أُومن ـ بعد ما لعبت بنا

كف الزمان كريشة في زعزعِ ـ

أن المحب ـ أراد ذلك أم اَبي ـ

عند الحبيب كخاتم في إصبعِ..!

لا تحسبي أني جفوت، وإنما

آثرت أن أنسى هوى لم ينفعِ

وقصدْتُ وجه أحبة، في حبهم

هام الخلائق، فاعذليني أوْ دَعي

أحببت صهر المصطفى ووصيّه

ذاك الملقبَ بالبطين الانزعِ

بعل البتول، يزفّه ويزفّها

ركبُ الملائك للمقام الارفعِ

مولود بيت الله، جاء يحفّه

نور الامامة والتقى من أربعِ

هو من بمكةَ كان أول مسلم

للاّت أو لمناة لمّا يركعِ

وهو المراد بقول «كُرّم وجههُ»

قُصرت عليه ومالها من مدّعي

وهو الذي والى الرسول بمكة

إذْ ناهضوه بكل فعل أشنعِ

وهو الذي ملا الفراش بليلة

حين القبائل أقبلت في مجمعِ

لتنال من طه وتطعن صدره

شُلت يد الدهماء إن لم تُقطعِ

حتى إذا انبلج الصباح بنورهِ

وجدوا عليّاً راقداً في المضجعِ

واذكره في بدر يبارز جحفلا

الجند فيه تدثّروا بالادرعِ

واذكره في أُحد، ودونك شأنها !!

ثبتت جوانحه ولم يتزعزعِ

وبخندق الاحزاب جندل فارسا

يخشاه كل مدجّج ومدرّعِ

وهو الذي في خيبر دانت له

اعتى الحصون وأوذنت بتضعضعِ

وهو الذي حمل اللواء مؤذّنا

في يوم فتح بيّن ومشعشعِ

فاذا أتى يوم الغدير تنزّلت

آيات ربك كالنجوم اللمّعِ

:قم يا محمد، انها لرسالة

إن لم تبلّغها كأن لم تصدعِ

وقف الرسول مبلّغا ومناديا

في حَجة التوديع بين الاربُعِ

وأبو تراب في جوار المصطفى

طلق المحيّا كالهلال الأروعِ

رفع النبيّ يد الوصيّ وقال في

مرأى من الجمع الغفير ومسمعِ

«من كنتُ مولاه فهذا المرتضى

مولى له»… فبخ بخ لسميدعِ..!

وسَعَتْ جموعُ الناس نحو أميرها

مابين موصول الرجاء، وأقطعِ..!

وصَّى بها موسى، وهذا أحمدٌ

وصّى أخاه، فذلَّ من لم يبخعِ..!!

مهما مدحتك يا علي، فألكنٌ

ومقصر في الحق، مهما أدّعي

من جاوز الجوزاء، يعجز دونه

مثلي وأهل الشعر لو جُمعوا معي

أنت الذي شرع الامامة فاتحا

أكرم بحسن ختامها والمطلعِ

يا والد الحسن الزكي وسيد الشـ

ـهداء أوفى الاوفياء الأشجعِ

وعليِّ السجّاد زينِ العابديـ

ـن الزاهد المتهجد المتورِّعِ

والباقر العِلْم الشبيهِ محمد

الحاضرِ الراضي الشكور الأجمعِ

والصادق المنْجي المحقق جعفر

كنز الحقائق والفقيه الأضلَعِ

والكاظم الغيظ الوفيّ بعهدهِ

موسى الصبور على البلاء الأخشعِ

وغريب أهل البيت قرة عيننا

كفؤِ الملوك وعِزِّ كلِّ مدفَّعِ

ومحمد ذي النور يسطع حوله

هذا الملقب بالجواد، الأقنعِ

وعليٍّ الهادي النقيّ المرتضى

الناصح المفتاح، دونك أو.. فَعِ..!

والخالص الحسن الكتوم لسرّهِ

العسكريّ الشافع المستودَعِ

والقائم المهديّ كاشف غمِّنا

بُقيا النبوة والدليلِ الأنصعِ

يا غائباً، طال الغياب، وعيننا

تشتاق طلعتك البهية، فاطلعِ

يا راجعاً بعد الذهاب، قلوبنا

مُدت إليك، كما الايادي، فارجعِ

يا كاشف الغم الجسيم، شفاهنا

نادتك من وسط المظالم، فاسمعِ

يا صاحب الامر الحكيم، إلى متى

تبقى الامور مبعثراتٍ فاجمعِ ؟!

والدار يغزوها الفساد مدمدماً

كالسيل يأتي من محيط مترَعِ

يا صاحب الدار التي ممّا بها

قد آذنَت بتشقق وتصدّعِ

عجّلْ بسيفك، فالدواء بحدّه

للجور والكفر الذئوم الأنقعِ

يا حجة الله، الذي بظهوره

يتفرق الطاغوت بعد تجمّعِ

اظهرْ، فليس الماء في قيعاننا

للظامئين سوى سراب أخدعِ..!

مهما تبعتك يا عليُّ، فعاجزٌ

من للكسيح وراء سهم مسرعِ..؟!

أنت الشهاب، أبوالشهاب، وكلكم

شهب تحلّق في الفضاء المهيَعِ

أنت الامير أبو الامير، وكلّكم

أُمراءُ عزّ في زمان الخُنعِ

أنت الامام أبو الائمة من لكم

خُلِقَ الوجود، بفضل ربٍ مبدعِ

أنت الشهيد أبو الشهيد، وكلكم

شهداء حق في العصور مُضيَّعِ

بيد الاولى سلبوا الولاية عُنوةً

وتوارثوها ذات يوم مُفجعِ..!

ويد الاولى في مكة قد أُطلقوا

والادعياءِ ذوي الدعيّ ابن الدعي

والطامعين الطالبين مناصباً

والساقطين من اللئام الوُضَّعِ

القلبُ ضاق بقيحه وجراحهِ

والعين كمهاء بفيض الادمعِ

فاذا شكوتُ، فللذي يُشكى له

وإذا فزعتُ، فحيدرٌ هو مفزعي

وهو الملاذ إذا المقابر بُعثرت

وسُئلتُ: هل من شافع ومشفعِ..؟!

شايعتُ من رُدّتْ له الشمس التي

رُدّت ـ إذا حلَّ الغروبُ ـ ليوشعِ

فاذا مَدَحْتُ، فمدحتي مبتورةٌ

إن لم تكن مقرونة بتشيّعي..!!

٤ ـ ١١ ـ ١٩٨٨