محمود جابر

محمود جابر (حنبلي / مصر)

ولد عام ١٣٨٨هـ (١٩٦٩م) في مدينة الزقازيق ـ الشرقية في جمهورية مصر العربية، ونشأ في أُسرة سنّية حنبلية المذهب.

واصل دراسته الأكاديمية حتّى نال شهادة ليسانس الدراسات الإسلامية والأصول من جامعة الأزهر.

كان «محمود» ـ ومنذ نعومة أضفاره ـ محبّاً لقراءة المصادر التي تذكر المذاهب والفرق الاعتقادية، وتبيّن مبادئها، غير أنّ القراءة في الكتب المعروفة كـ : «الفرق بين الفرق» و«مقالات الإسلاميين» و«العواصم من القواصم» و«الملل والنحل» لم تقنعه، وطالما كان يشعر أنّ ثمة خطأ عند هؤلاء وهؤلاء، ولهذا كان يجوب الكتب ليميّز فيها العقائد الصحيحة عن السقيمة.

موسوعة الشيعة الاثني عشرية:

أمّا عن مبدأ تعرّفه على المذهب الشيعي الاثني عشري بالخصوص فيقول: «ذات ليلة أهدى لي صديق موسوعة عن الشيعة الاثني عشرية (الجعفرية) لكاتب مصري الجنسية، سلفي المنهج (وهّابي)، يشغل منصب أكاديمي مرموق في كلّ من جامعتي الأزهر والخليج، وقد أهملت هذه الموسوعة وقتاً من الزمن، لعلمي المسبق بأنّ كلّ ما فيها هو اعتقادي، وأنّ ما يمكن أن أستفيده هو أسلوب العرض وطريقة التناول، وحتّى هذه المساحات الفكرية والعقائدية لم أكن مهتماً بها في ذلك الحين ; لانشغالي في إتمام بحثي عن الحركات الإسلامية في مصر والوطن العربي، وكنت حريصاً على إتمام دراسة تتناول هذا الخصوص.

غير أنّي ذات ليلة بدأت أتصفّح الكتاب وأجوب أجزاءه إلى نهايتها، وخرجت بملحوظة أوّلية، وهي: أنّ الكتاب غير مكتمل البحث، وأنّ الكاتب غير ممتلك لأدوات البحث العلمي في هذه الموسوعة، وأنّه يفتقد لأهم ما يجب أن يتحلّى به الكاتب أو المؤرّخ، وهو: الحياد العلمي، غير أنّي وحتّى أعطي الرجل حقّه من الأُستاذية أعدت قراءة الموسوعة بشيء من الأناة والتريّث، فربما تكون ملحوظتي السابقة خطأ، ولكنّي في النهاية خرجت بالآتي:

ـ عدم اتّفاق المقدّمات مع النتائج غالباً.

ـ تأويل النص المقتبس بما لا يحتمله، وبما يخرجه من حدود التأويل.

ـ إعلان النتائج قبل إثارة القضية، وقبل أن يوضح الأسباب، وكأنّه سوف يأتي بالنتائج مهما كانت الأسباب(!!).

ـ إنّ الكاتب يناقش هذه الموضوعات دون رفق، ودون التحلّي بروح الأُخوة والحرص على وحدة الأُمّة، فالرجل يخرجهم من الملّة تارة، ويجعلهم شرّاً من اليهود أخرى، وأصحاب حقد على أهل التوحيد، وهلمّ جرّاً إلى نهاية الكتاب.

ومن هنا استمر «محمود» في بحثه لهذا الموضوع أياماً وشهوراً وسنين إلى أن وفّقه الله لقراءة كتاب المراجعات، وكتاب الوحدة الإسلامية لآية الله السيد محمّد باقر الحكيم، ليعلن في نهاية المطاف عن استبصاره واعتناقه لمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وكان ذلك عام ١٤٢٠هـ (٢٠٠٠م) في جمهورية مصر العربية.

وتصدّى «محمود» لعدّة مسؤوليات، وله عدّة نشاطات في مختلف المجالات، منها: أنّه:

عضو أمانه مجلس آل البيت(عليهم السلام)، عضو الأمانة العامة لمساندة المقاومة الإسلامية في لبنان، المنسّق العام في اللجنة الشرقية، مدير المنتدى الفكري بمركز يافا للدراسات، ومدير مركز النور للدراسات الإنمائية في القاهرة.

المؤلّفات:

١ـ «الشيعة الجذور والبذور»:

صدر عن «مركز الأبحاث العقائدية» ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين، العدد٢٦.

يخاطب المؤلّف في مقدّمة الكتاب القارئ، فيقول عن موضوع الكتاب:

ـ قد يقفز إلى الأذهان من العنوان أنّه يبحث في كل بذور وجذور التشيّع، ولكن أبعد القارئ عن هذا التصوّر، وأقول: إنّني لم أستوعب كلّ ما للتشيّع من جذور وخصائص في هذا الكتاب، وإنّما تعرّضت لإيضاح أُمور أعتقد أنّها غائبة عن معظم مسلمي مصر والأقطار الإسلامية السنّية المغلقة، ويرجع ذلك لما يشوب العلاقات السياسية بين هذه الدول وإيران من كدر، وما اختزلته الذاكرة العامّة لتاريخ الصراع السياسي بين السنّة والشيعة.

ـ بيد أنّ هذه الدراسة لم تكن الوحيدة التي تتناول موضوع الشيعة من حيث الأُصول، بل هناك كتابات سابقة كثيرة أكثر عمقاً وأكثر استيعاباً للموضوعات المختلفة، ولكنّي أتصوّر أنّني عالجت هذا الموضوع بأسُلوب أكثر اختلافاً عن الأنماط الأُخرى ظنّاً منّي أنّه أقرب الأساليب إلى القارئ.

ـ سيجد القارئ في صفحات هذا الكتاب بعض الآلام التي خلّفتها جروح الماضي، والتي مازالت لم تلتئم بعد، ولذلك أرجو منك عزيزي القارئ عدم التشنّج ; وذلك لأنّ الجروح عادة ما يتبعها الآلام، ولكن بشيء من الصبر والعلاج قد تشفى الجروح بإذن الله.

ـ قد يقول قائل: لماذا تصر على السير في مثل هذه الدروب التي لا تجني منها غير الآلام، وليس منها فائدة إلاّ اجترار الماضي دون علاج؟ وأقول: إنّ انهزاميّتنا وخوفنا من نكت تلك الجروح هي التي جعلتنا نتأخّر ويتقدّم غيرنا، فهل عسانا نفيق لتعود أُمّتناكما أرادها ربّنا «خير أمّة أُخرجت للناس»؟!

ـ ممّا يهوّن الخطب أنّ مَواطن الخلاف بين المسلمين أقلّ بكثير من مواطن الوفاق، رغم محاولات البعض أن يجعلها أكثر بحيث تصل إلى التباين، ولكن بشيء من التروي والتأمّل ترتدّ هذه الأُمور إلى نصابها، ونعرف أنّ اختلاف الفرق الإسلامية لابدّ أن يكون في دائرة الفكر، وأن لا ينسحب إلى ما وراء ذلك ليصل إلى الشقاق والتناحر، وأنّ وحدة الأُمّة وائتلافها أصل أصيل من أُصول الإسلام، ولا يجب أن ينقض هذا الأصل بمسائل اجتهادية وظنّية ; لأنّا بذلك نخالف صريح الدين.

ـ إنّ الواجب يحتّم على علمائنا خاصّة، وعلى أصحاب الفكر وأرباب الأقلام عامّة أن لا يتّخذوا من العلم ستاراً للغيبة والنميمة، وأكل أعراض إخوانهم بالباطل، فالله ارتضى للمسلمين الوحدة، والرسول يشبّه المسلمين بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر، فعلينا أن نبتعد عن الرعونة والاندفاع، وهذا أخلق بنا.

ـ كل ما أرجوه منك أيّها القارئ الكريم أن لا يتبادر إلى ذهنك أنّني أدعو لفرقة بعينها، أو أذمّ فرقة دون غيرها، فهذا ما لا أقصده، وأعتبره مصادرة على فكر الكتاب وموضوعه، ولكن ما قصدت إلاّ قرع الفكر بفكر مثله، فإن تظن أنّك أنت وقومك الناجون، فهناك من يدّعي ذلك، وهذه أدلّتهم من كتاب الله وسنّة رسوله.

٢ـ «من هم الشيعة»:

وهو كتاب صغير بحجم كف اليد وضعه المؤلّف لعموم الناس من أجل تبيين مبادئ المذهب الشيعي الاثني عشري بصورة مبسّطة.

٣ـ «أهل البيت(عليهم السلام) مقامهم ومنهجهم»:

وقد ألّفه كلّ من محمود جابر وأحمد عبد الرحيم ضمن سلسلة «أهل البيت(عليهم السلام)»، الكتاب الأوّل، وطبعته للمرّة الأُولى مطبعة ماستر للطباعة والنشر بالزقازيق عام ٢٠٠٨م.

ويحتوي الكتاب على عدّة مواضيع مهمّة، منها:

ـ أهل البيت(عليهم السلام) في القرآن والسنّة.

ـ أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) الرواة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله).

ـ منهج أهل البيت(عليهم السلام) في تربية أصحابهم.

ـ الدور السياسي لأهل البيت(عليهم السلام) ومنهجهم.

ـ أهل البيت(عليهم السلام) والفرق الضالّة.

٤ـ «معالم التقريب بين المذاهب سبيل الوحدة الإسلامية»:

هو الآخر ألفه محمود جابر وأحمد عبد الرحيم السايح، ضمن سلسلة «التقريب بين المذاهب الإسلامية»، الكتاب الأوّل، وقام بنشره مركز النور للأبحاث والدراسات والنشر عام ٢٠٠٨م.

ويتألّف الكتاب من مدخل عام، وأربعة فصول:

الفصل الأوّل: الوعي بمفهوم الإنسان في الإسلام.

الفصل الثاني: الوعي بمفهوم الأخوّة الإسلامية.

الفصل الثالث: الوعي بمفهوم العقلانية.

الفصل الرابع: الوعي بمدارس الفكر الإسلامي.

٥ـ «دراسات حول الإمام السجّاد(عليه السلام)»: تحت الطبع.

٦ـ «إنّه حزب الله»:

وهو يبيّن قصة النشأة والصمود والانتصار، طبعه مركز يافا للدراسات في القاهرة عام ٢٠٠٢م.

٧ـ «حزب الله والحرب التاسعة على لبنان»:

هو الآخر تولّى طبعه مركز يافا للدراسات في القاهرة عام ٢٠٠٦م.

٨ و٩ـ «ماذا يريد الأخوان المسلمون في مصر»، و«الأخوان المسلمون يغتالون إمامهم»:

طبعتهما دار عروة للطباعة والنشر في القاهرة عام ٢٠٠٤ و٢٠٠٥م.

١٠ و١١ و١٢ـ «الأبعاد السياسية لتدويل المقدّسات الإسلامية في مكّة والمدينة»، «القنوات الأمريكية في العربية السعودية»، «دراسة في العلاقات السعودية الأمريكية من تقديس النفط إلى امتهان المقدّسات»:

وقد قام بطبع هذه الكتب الثلاثة مركز المقدّسات للنشر في بيروت ـ لبنان.

١٣ و١٤ـ «الأُممية الوهّابية وتخريب الإسلام (دور العربية السعودية في ضرب الاستقرار والأمن في شمال أفريقيا»، و«الوهّابية وإعادة إنتاج الاستبداد»:

وقد تولّى طبعهما مركز حجازنا للدراسات في الدار البيضاء.

١٥ـ «إشكالية السقوط والانفتاح»:

وهي عبارة عن دراسة في نموذج الدولة الفاطمية في مصر، وقام بطبعه مركز يافا للدراسات في القاهرة عام ٢٠٠٧م.

١٦ـ تحيق كتاب «شرح حديث الثقلين» للشيخ محمّد الوشنوي.

وقفة مع كتابه «الشيعة الجذور والبذور»

يتناول الكتاب في فصله الأوّل دراسة مسألة الخلافة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، بين حقيقة النص ونظرية الشورى. ويشير في الفصل الثاني إلى تعريف التشيّع ونشأته، والجغرافيا السياسية، والأصول العقدية لمذهب أهل البيت(عليهم السلام). ويقدّم في الفصل الثالث دراسة عن عبد الله بن سبأ.

الخلافة بين حقيقة النص ونظرية الشورى:

يقول المؤلّف: بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) بدأت الأُمّة مرحلة أخرى من التمايز الخلقي الذي جعل فئة من الأُمّة تتباعد رويداً رويداً، غير أنّ الإسلام يتّسع لكلّ هؤلاء على اختلافهم وتمايزهم.

وبرحيل النبي(صلى الله عليه وآله) اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ينظرون في أمر الأُمّة، ولمن تؤول قيادة الأمّة، حتّى اصبح أبو بكر خليفة، وكان هذا موضع خلاف، وفيه ثلاثة آراء:

الرأي الأوّل: أنّ النبي استخلف أبا بكر بالنص الخفي أو الجليّ..

ومن ذلك: ما روي عن جبير بن مطعم، قال: أتت امرأة النبي(صلى الله عليه وآله)، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك كأنّها تقول: الموت. قال(صلى الله عليه وآله): إن لم تجديني فأتي أبا بكر(1).

وفي صحيح مسلم: عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله) في مرضه: ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتّى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر(2).

وفي رواية: فلا يطمع في هذا الأمر طامع(3).

وفي رواية: قال: ادع لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه بعدي، ثمّ قال: دعيه! معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر(4).

وروي عن ابن أبي مليكة، قال: سمعت عائشة وسئلت: من كان رسول الله مستخلفاً لو استخلف(5).

والظاهر ـ والله أعلم ـ أنّ المراد: أنّه لم يستخلف بعهد مكتوب، ولو كتب عهداً لكتبه لأبي بكر، بل قد أراد كتابته، ثمّ تركه وقال: يأبى الله والمسلمون إلاّ أبا بكر.

فكان هذا أبلغ من مجرد العهد فإنّ النبي(صلى الله عليه وآله) دلّ المسلمين على استخلاف أبي بكر، وأرشدهم إليه بأمور متعدّدة، من أقواله وأفعاله، وأخبر بخلافته إخبار راض بذلك، حامد له، وعزم على أن يكتب بذلك عهداً، ثمّ علم أنّ المسلمين يجتمعون عليه، فترك الكتاب اكتفاء بذلك، ثمّ عزم على ذلك في مرضه يوم الخميس، ثمّ لمّا حصل لبعضهم شك: هل ذلك القول من جهة المرض؟ أو هو قول يجب اتّباعه؟ ترك الكتابة اكتفاء بما علم أنّ الله يختاره والمؤمنون من خلافة أبي بكر.

فلو كان التعيين ممّا يشتبه على الأُمّة لبيّنه بياناً قاطعاً للعذر، لكن لمّا دلّهم دلالات متعدّدة على أنّ أبا بكر المتعيّن، وفهموا ذلك، حصل المقصود.

الثاني: أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) نص على خلافة عليّ بن أبي طالب بالنص الصريح الواضح المتواتر في أكثر من موضع..

منها: ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: عن زيد بن أرقم، قال: قام رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى (خمّاً) بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر، ثمّ قال: «أمّا بعد، ألا أيّها الناس! فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أوّلهما: كتاب الله.. ثمّ قال: وأهل بيتي»(6).

الثالث: الشورى العامّة وعدم الاستخلاف، وأنّ الأمر شورى بين المسلمين..

ذهب إلى ذلك جماعة من أهل الحديث والمعتزلة والأشعرية، وأنّ خلافة أبي بكر ثبتت بالاختيار، وكذا ذهبت عائشة، واستدل بعضهم: بطلب سعد بن عبادة البيعة لنفسه، وكذلك الحباب بن المنذر، حينما تقدّما كلاّ منها لطلب البيعة والخلافة في السقيفة.

واحتج الذين قالوا: لم يستخلف، بالخبر المأثور عن عبد الله بن عمر، عن عمر أنّه قال: إني إن لا أستخلف فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم يستخلف، وإن أستخلف فإنّ أبا بكر قد استخلف.. قال عبد الله: فعرفت أنّه حين ذكر رسول الله(صلى الله عليه وآله) غير مستخلف(7).

ولكن الشيعة رفضوا القول بالشورى وعدم الاستخلاف، وذهبوا إلى:

أ‌) أنّ النبي كان إذا أراد الذهاب في سفر لا يترك المدينة دون خليفة عليها ولو كان سفره يوماً واحداً، فكيف يترك أمر الناس بعده دون راع؟!

ب) من الثابت أنّ الشريعة الإسلامية تفرض الوصية على المسلم حتّى في بعض الميراث البسيط، وفي ذلك يقول القرآن الكريم: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ(8).

فكيف يترك الرسول(صلى الله عليه وآله) هذا الأمر بدون أن يوصي به والحال أنّ استقرار الأُمّة متوقّف على ذلك، وبدون ذلك يؤول الأمر إلى تنازع؟!

يقول ابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة»: إنّ حديث الغدير صحيح لا مرية فيه، وطرقه كثيرة جدّاً، ومن ثمّ رواه ستّة عشر صحابياً، وفي رواية لأحمد: أنّه سمعه من النبي(صلى الله عليه وآله) ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعليّ لمّا نوزع أيام خلافته، وكثير من أسانيده صحاح وحسان، ولا يلتفت لمن قدح في صحّته، ولا لمن ردّه(9).

وفي الخصائص للنسائي: عن زيد بن أرقم، قال: لمّا رجع النبي(صلى الله عليه وآله) من حجّة الوداع، ونزل في غدير خُمّ، أمر بدوحات فقُمّن، ثمّ قال:(صلى الله عليه وآله): «كأنّي دُعيت فأجبت، وإنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟ فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض. ثمّ قال: إنّ الله مولاي وأنا ولّي كل مؤمن. ثمّ أخذ بيد عليّ فقال: من كنت وليّه، فهذا وليّه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه»، فقلت لزيد: سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال: نعم، وإنّه ما كان في الدوحات أحد إلاّ ورآه بعينه وسمعه بأُذنيه(10).

وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم: عن زيد بن أرقم، قال: لمّا رجع رسول الله(صلى الله عليه وآله) من حجّة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحات قممن، فقال: «كأنّي دُعيت فأجبت، وإنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟ فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض. ثمّ قال: إنّ الله عزّ وجلّ مولاي وأنا ولي كلّ مؤمن. ثمّ أخذ بيد عليّ، فقال: من كنت وليّه، فهذا وليّه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه».

يقول الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله(11).

وفي كنز العمّال للمتّقي الهندي: «إنّ الله مولاي وأنا وليّ كل مؤمن، من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه»(12). وأخرج هذا الحديث عن: جابر، وأبي سعيد، وابن عباس، وزيد بن أرقم، وأبي هريرة.

ويقول الشهرستاني في «الملل والنحل»: ومثل ما جرى في كمال الإسلام وانتظام الحال حين نزل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ(13)، فلما وصل غدير خُمّ أمر بالدوحات فقمّن، ونادوا: الصلاة جامعة، ثمّ قال عليه الصلاة والسلام وهو على الرحال: «مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار، ألا هل بلّغت؟ ثلاثاً»(14).

إنّ حديث الغدير من الأحاديث المتواترة، وقد رُوي من قبل الصحابة والتابعين وعلماء الحديث في كلّ قرن بصورة متواترة، فقد نقل حديث الغدير ورواه -١١٠- من الصحابة، و-٨٩- من التابعين، و-٣٥٠٠- من العلماء والمحدّثين، وفي ضوء هذا التواتر لا يبقى مجال للشاك في أصالة وصحّة هذا الحديث، كما أنّ فريقاً من العلماء ألّفوا كتباً مستقلّة في حديث الغدير.

وتأسيساً على ما سبق، نسوق تلك المحاورة التي دارت بين عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس: كان الخليفة الثاني يأنس بابن عباس ويميل إليه كثيراً، فقال له يوماً: يا عبد الله! عليك دماء البدن إن كتمتنيها، هل بقي في نفس عليّ شيء من الخلافة؟ قال ابن عباس: قلت: نعم. فقال عمر: لقد كان من رسول الله في أمره ذروة من قول لا تثبت حجّة ولا تقطع عذراً، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه، فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام، فعلم رسول الله أنّي علمت ما في نفسه، فأمسك(15).

وما جاء في البخاري والطبقات: أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال في مرضه الأخير: «علَيَّ بدواة وكتف، أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً». فقال عمر: إنّه يهجر، وقد غلب عليه الوجع(16).

وفي النهاية لابن الأثير في مادة «هجر»(17)(18).

____________

1- راجع: صحيح البخاري ٤: ١٩١.

2- صحيح مسلم ٧: ١١٠.

3- كتاب السنة لابن أبي عاصم: ٥٣٥.

4- مسند أبي داود: ٢١٠.

5- فضائل الصحابة للنسائي: ٣٠.

6- صحيح مسلم ٧: ١٢٢.

7- راجع: مسند أحمد ١: ٤٧.

8- البقرة -٢-: ١٨٠.

9- راجع: الصواعق المحرقة: ٤٢.

10- خصائص أمير المؤمني ٩٣.

11- المستدرك على الصحيحين ٣: ١٠٩.

12- كنز العمال ١: ١٨٧.

13- المائدة -٥-: ٦٧.

14- الملل والنحل ١: ١٦٣.

15- راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٢: ٢٠ ـ ٢١.

16- راجع: صحيح البخاري ٧: ٩، الطبقات الكبرى ٢: ٢٤٣.

17- راجع: النهاية في غريب الحديث والأثر ٥: ٢٤٦.

18- مقتطفات من كتاب «الشيعة الجذور والبذور»: ١٩ ـ ٢٦. (بتصرف يسير).