دلال السلطي

د. دلال السلطي (سُنّية / فلسطين)

ولدت عام ١٣٧٤ هـ (١٩٥٥م) في أُ سرة فلسطينية الجنسية ، أنهت دراستها الثانوية وتخرّجت من الجامعة ، كلّيّة الطب البشري عام ١٤٠٠ هـ (١٩٨٠م) ، فمارست مهنة الطب في بعض الدوائر الطبّية ثم في العيادة الخاصة .

تقول «دلال» عن مرحلة ما قبل الاستبصار : كنت ملتزمة منذ الصغر بحضور الحلقات الدينية بالمساجد ، وما إن رجعت إلى سكني ثانية ـ بعد إنهاء الثانوية في السعودية ـ حتى استأنفت الدرس الديني ضمن الحلقات النسائية ، وعكفت على قراءة كتب عقائدية وفقهية كثيرة .

وأمّا عن مبدأ تأثّرها بأهل البيت (عليهم السلام) فتقول : يحاولون في السعودية أنْ يفهموك أنّ الإسلام هو الوهّابية لا غير ، فلا يُدرَّس غير فقه وعقيدة محمد بن عبد الوهّاب كلّيّاً ، لكن رغم كلّ ذلك فإنّ دراستي للدين في السعودية ساهمت بشكل كبير في تشيّعي لأهل البيت الأطهار (عليهم السلام) ، وبالرغم من التغييب والتعتيم الشديد الذي يمارسوه بشأن حقيقة وأحقيّة أهل البيت (عليهم السلام) استطعت أن أُدركها وأُؤمن بها من خلال قراءة نصوصها وفق المنهج العلمي الذي يقرّوه هم أنفسهم .

ومن الملاحَظ للباحثين في هذا المجال الهجمة الشرسة ـ وبشتّى الطرق والوسائل ـ لردّ الأحاديث التي تثبت فضائل ومناقب أهل البيت (عليهم السلام) ، أو ضرورة تصدّيهم للإمامة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) ; إذ يرى الباحث بين الحين والآخر محاولات جديدة قديمة لردّ هذه الأدلّة الصريحة من قِبَل بعض المخالفين ; تبعاً لأسلافهم .

محاولات لردّ حديث الغدير :

١ ـ لا يسلّم الفخر الرازي بصحة حديث الغدير بدعوى أنّ الإمام علي (عليه السلام) لم يكن في حجّة الوداع ، بل كان في اليمن آنذاك .

والجواب :

أ ـ إنّ الرازي كذّب بذلك كلّ حديث ورد فيه أنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أخذ بيد علي (عليه السلام) ، وجعل يعرّفه إلى الناس ويقول : (من كنت مولاه فهذا علي مولاه)(1) .

ب ـ لقد ردّ عليه قومه ، كما يقول ابن حجر الهيتمي في الصواعق : ولا التفات لمن قدح في صحّته ، ولا لمن ردّه بأنّ عليّاً كان باليمن ; لثبوت رجوعه منها ، وإدراكه الحجّ مع النبيّ (صلى الله عليه وآله)(2) .

٢ ـ يرى بعض علماء السنّة عدم تواتر حديث الغدير ، كما ينوّه على ذلك الشيخ سليم البشري المالكي في مراجعته للسيّد شرف الدين ، فيقول : ما الوجه في الاحتجاج به ـ أي حديث الغدير ـ مع عدم تواتره ؟ الشيعة متّفقون على اعتبار التواتر فيما يحتجّون به على الإمامة ; لأنّها عندهم من أُصول الدين ، فما الوجه في احتجاجكم بحديث الغدير مع عدم تواتره عند أهل السنّة ؟(3)

والجواب عن ذلك :

أن لا ريب في تواتره من طريق أهل السُنّة ، فممّن اعترف بتواتره : الحافظ الذهبي ، وشمس الدين الجزري ، والسيوطي (كتب كتاباً في الأخبار المتواترة سمّاه : «الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة» ، وقد تعرّض هناك إلى جملة من الأخبار المتواترة ، منها : حديث الغدير) ، والألباني ، وغيرهم .

فقال الذهبي معقّباً على أحد طرق : (من كنت مولاه فعلي مولاه) : هذا حديث حسن عال جدّاً ، ومتنه فمتواتر(4) .

وقال شمس الدين الجزري عن أحد الطرق : هذا حديث حسن من هذا الوجه ، صحيح من وجوه كثيرة ، تواتر عن أمير المؤمنين علي ، وهو متواتر أيضاً عن النبي (صلى الله عليه وآله)(5) .

وأمّا الألباني فبعد أن ذكر عدّة طرق لحديث (من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه) ، قال : وللحديث طرق أُخرى كثيرة ، جمع طائفة منها : الهيثمي في «المجمع» ، وقد ذكرت وخرّجت ما تيسّر لي منها ، ممّا يقطع الواقف عليها ، بعد تحقيق الكلام على أسانيدها ، بصحّة الحديث يقيناً ، وإلاّ فهي كثيرة جداً ، وقد استوجبها ابن عقدة في كتاب مفرد ; قال الحافظ ابن حجر : منها صحاح ومنها حِسان .

وجملة القول : أنّ حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه ، بل الأوّل منه متواتر عنه (صلى الله عليه وآله) كما يظهر لمن تتبّع أسانيده وطرقه ، وما ذكرت منها كفاية(6) .

إلا أنّ الذين في قلوبهم مرض لا يقتنعون بذلك مهما أتيت لهم بدليل ، فمثلاً : عندما يئسوا من ردّ الحديث قالوا : لو سلّمنا أنّ حديث الغدير ينصّ على إمامة علي (عليه السلام) فهذا يعني بعد عثمان !

ويرد عليه : أنّ مفاد هذا الحديث : أنّ علياً (عليه السلام) أوْلى بعثمان من نفسه أيضاً ; لأنّ عمر ممّن هنّأه بالولاية على سائر المسلمين(7) ، والروايات تقول : من بعدي ، لا من بعد الثالث .

٣ ـ قال بعضهم : بلى ، إنّ حديث الغدير يدلّ على إمامة علي (عليه السلام) ، لكنّ الإمامة تنقسم إلى قسمين ، هناك إمامة باطنية ، هي : الإمامة في عرف المتصوّفة ; فعليّ (عليه السلام)إمام المسلمين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلا فصل ، لكنّه إمام في المعنى ، إمام في القضايا المعنوية والباطنيّة ، والمشايخ الثلاثة هم أئمّة المسلمين في الظاهر ، ولهم الحكومة .

ويرد عليهم بـ : السؤال عن الدليل على هكذا تقسيم ; فالرسول (صلى الله عليه وآله) جعل ولاية أمير المؤمين (عليه السلام) مطلقة من دون استثناء أو قيد .

ولكنّه حبّ الرئاسة والملك ، كما قال الغزالي : ( . . . لكن أسفرت الحجّة وجهها ، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته (صلى الله عليه وآله) في يوم غدير خم باتّفاق الجميع وهو يقول : (من كنت مولاه فعلّي مولاه) . فقال عمر : بخ بخ يا أبا الحسن ، لقد أصبحت مولاّي ومولى كلّ مولى . فهذا تسليم ورضا وتحكيم .

ثمّ بعد هذا غلب الهوى لحبّ الرئاسة ، وحمل عمود الخلافة ، وعقود النبوّة ، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات ، واشتباك ازدحام الخيول ، وفتح الأمصار ، وسقاهم كأس الهوى ; فعادوا إلى الخلاف الأوّل ، فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمناً قليلاً)(8) .

فلابدّ من التسليم والاعتراف بأنّ أهل البيت (عليهم السلام) ظُلموا وغُصب حقّهم ، وإلاّ فالعناد اتّباعٌ للهوى ، ولا فرق بين من ظلم أهل البيت (عليهم السلام) آنذاك ومن أعان عليه في زماننا .

٤ ـ يرى الدهلوي أنّ لفظة : (مولى) لا تجيء بمعنى : الأوْلى ، بإجماع أهل اللغة(9) .

ويرد عليه :

أوّلاً : ينص حديث الغدير على أنّ : من كان الله ورسوله وليّه فهذا وليّه ، اللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه(10) ، فلفظ «وليّه» جاء لله وللرسول (صلى الله عليه وآله) ، فولاية علي (عليه السلام) سواءً قال : «مولاه» أو «وليّه» تشابه ولاية الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ، فهي مطلقة ولم تقيّد .

ثانياً : في الآية الكريمة من سورة الحديد : ﴿مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(11) ، تُفسَّر : ﴿هِيَ مَوْلاكُمْ بأنّها : (أوْلى بكم)(12) .

ثالثاً : الأشعار العربية الفصيحة ، وكلمات اللغويين تدلّ أن لا فرق بين لفظي (مولاه) و(ووليّه) .

فقد جاء في تاج العروس : (الولي) الذي يلي عليك أمرك ، ومنه الحديث : (أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها) ، ورواه بعضهم : «بغير إذن وليّها» ، وروى ابن سلام عن يونس : (أنّ المولى في الدين هو : الوليّ ، وذلك قوله تعالى : ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ(13) ، أي : لا وليّ لهم ، ومنه الحديث : (من كنت مولاه فعليّ مولاه) أي : من كنت وليّه(14) .

رابعاً : كثيراً ما كرّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الولاية للإمام علي (عليه السلام) ، كقوله (صلى الله عليه وآله) : (أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي)(15) .

وقوله (صلى الله عليه وآله) : (إنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي)(16) .

وقوله (صلى الله عليه وآله) : (من كنت مولاه فعليّ مولاه) .

وقوله (صلى الله عليه وآله) : (اللهم من آمن بي وصدّقني فليتولّ علي بن أبي طالب ; فإنّ ولايته ولايتي ، وولايتي ولاية الله تعالى)(17) .

خامساً : لقد خاطب النبي (صلى الله عليه وآله) الناس بأنّه : أوْلى بهم من أنفسهم ، ثم جعل هذه الولاية لعليّ (عليه السلام) بدون استثناء شيء من تلك الولاية ، فلو كان هناك استثناء لأوضحه (صلى الله عليه وآله) ; لأنّه يعلم بولايته المطلقة للناس ، ولكنّه لم يستثنِ شيئاً منها ، بل سأل الناس : هل هو أولى بهم من أنفسهم ؟ فلمّا قالوا : نعم . أثبت لهم أنّ عليّاً مولى لمن والاه بدون استثناء شيء من معاني الولاية المطلقة له (صلى الله عليه وآله) .

ضرورة التبليغ :

بعد أن أكملت أبحاثها في المجال العقائدي أعلنت «دلال» استبصارها مستعينة بالله سبحانه وتعالى ، ومتجاوزة كلّ المصاعب التي فرضت نفسها لتكون عائقاً في طريقها .

وترى «دلال» أنّ من واجب المستبصرين أن يبلّغوا المذهب الحقّ ، مذهب أهل البيت (عليهم السلام) إلى من ليس لهم أدنى معرفة به ، وخاصّة الأقارب ; تقول «دلال» : عندما يعرف الإنسان الحقيقة فعليه أن يبلّغها أهله وذويه .

وانطلاقاً من قوله تعالى : ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ(18) فإنّي أتمنّى وأحرص على كلّ أحبائي وإخواني وأهلي وجميع الناس ـ وهم أهلنا ـ أن يصلوا إلى ما وصلت إليه ، ويكتشفوا الحقّ ويتّبعوه باتّباع مذهب الأئمّة الميامين ، الذين نصّبهم الله تعالى ، وفرض علينا طاعتهم ، وأسأله جلا وعلا أن يوفّقهم لذلك بأقرب وقت(19) .

____________

1- على سبيل المثال راجع : ما في مسند أحمد بن حنبل ١ : ٨٤ ، ١١٨ ، ١٥٢ و٤ : ٢٨١ ، ٣٧٠ ، و٥ : ٤١٩ .

2- الصواعق المحرقة ١ : ١٠٦ .

3- المراجعات : ٢٦٤ .

4- سير أعلام النبلاء ٨ : ٣٣٥ .

5- أسنى المطالب : ٤٨ .

6- سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤ : ٣٤٣ ، التعليق على الحديث رقم ١٧٥٠ .

7- راجع : تاريخ بغداد ٨ : ٢٨٤ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٨٦ .

8- سرّ العالمين ، المقالة الرابعة : ٣٩ .

9- التحفة الاثنى عشرية : ٤١٧ .

10- راجع : السنن الكبرى للنسائي ٥ : ١٣٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٢٣ .

11- الحديد -٥٧- : ١٥ .

12- جامع البيان عن تأويل آي القرآن ٢٧ : ٢٩٦ .

13- محمّد -٤٧- : ١١

14- تاج العروس ٢٠ : ٣١١ .

15- المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٤ ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ٦٤ ، الاستيعاب ٣ : ١٠٩١ .

16- مسند أحمد ٥ : ٣٥٦ ، تاريخ الإسلام للذهبي ٣ : ٦٢٨ .

17- تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٣٩ وغيرها .

18- التحريم -٦٦- : ٦ .

19- المستبصرة على تواصل مع المركز عبر شبكة الإنترنيت ، وقد أجرى موقع «١٤masom.com» لقاءً معها ذكرت فيه أدلّة الاستبصار وكيفيته .