خيري عبد الرحيم يوسف

خيري عبد الرحيم يوسف (شافعي / فلسطين)

من أهالي (فلسطين) من أُ سرة شافعية المذهب .

بدأت مراحل استبصاره بالتأثر بأحد مشايخ السُنّة في أحد المساجد ; إذ تلفّظ بألفاظ نابية وقام بلعن الشيعة في خطبة صلاة الجمعة ، وهذا ما حفّز «خيري» للسعي وراء معرفة الشيعة وبمَ يتقوّم مذهبهم ، فقام بمراجعة كتب الحديث والتاريخ .

يقول «خيري» : بعد مدّة من البحث توصّلت إلى أنَّ في التاريخ الإسلامي فجوةً لم تُملأ ـ وكانت الفجوة في مجال ما يرتبط بفضائل أهل البيت (عليهم السلام) ـ ، فكان لابُدَّ لي من مراجعة التاريخ ، فقرأت كتاب «الكامل في التاريخ» وكان ابن الأثير يحاول سدّ الفراغ الذي كنت أتسائل عنه ، إلاّ أنّه وكغيره أعطى أُناساً أكثر من حقّهم وسلبها عن آخرين ، فهناك صفات كثيرة وصف بها أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) ، لكنّها نقلت إلى غيره .

تحريف الحقائق بشأن أبي بكر :

لجأت الزمرة الحاكمة الموالية للخليفة الأوّل ـ بعد التربّع على منصّة الحكم ـ إلى وضع المناقب والألقاب لأبي بكر ، لأسباب عديدة ودواع مختلفة ، ومن تلك الصفات : الصدّيق .

فقد ادّعوا أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) سمّاه : صدّيقا ; لكونه صدّق خبرَ إ سرائه إلى بيت المقدس .

ويشكل عليهم بأنّ المسلمين كلّهم صدّقوا ذلك ، فيلزم أن يكونوا كلّهم صدّيقين . ثمّ لازم ذلك عدم تصديق الخليفة الثاني ، والثالث لإسرائه إلى بيت المقدس ، وكان إ سراؤه قبل هجرته بسنة ، وقد نطق بإ سرائه القرآن ، فيلزم أن يكونا كافرين .

مع أنّ في خبرهم : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال لجبرائيل (عليه السلام) : «إنّ قومي لا يصدّقوني» ، فقال جبرائيل : «يصدّقك أبو بكر وهو الصدّيق»(1) .

فأيّ فائدة لتصديق أبي بكر له ، ومن الواضح أن الجواب ـ جواب جبرائيل (عليه السلام) ـ لا يرتبط بكلام النبيّ (صلى الله عليه وآله) ; إذ أن مراده (صلى الله عليه وآله) من «قومي» : قريش الكفّار وهو أحد أصحابه .

والدليل على أنّ المراد بقومه : قريش الكفّار : قوله تعالى : ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا(2) ، وقوله تعالى : ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيل(3) ، وقوله تعالى : ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ(4) .

فإن كانت الألقاب جزافاً ، كألقاب العبّاسيّة : المتوكل على الله ، والمعتصم بالله ، وغير ذلك فلا مشاحّة ; فكم اسم ليس تحتهُ مسمّىً ، بل كم اسم مسمّاه بالضدّ .

وإن كانت عن حقيقة ، فلابدّ أن يعاين في الملقَّب علائم المعنى ، كما قال الذي نجا من صاحبي يوسف (عليه السلام) له لمّا كان شاهد في السجن صدقه في أعماله وأقواله : ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَات(5) .

والرجل لم يكن صادقاً ، فضلاً عن كونه صدّيقاً ، فللصادق أوصاف ذكرها الله تعالى في قوله : ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَومِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ الْسَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوْا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ(6) .

ونحن نتحدّاهم أن يثبتوا وجود واحد من هذه الأوصاف فيه بالدليل والبرهان ، لا بما بذل أئمّة الجورِ من الأموالِ في الوضع والجعل له ولصاحبه ; تضعيفاً لأمر حجّة الله .

وكيف ؟ ! وفقدانه لكثير منها ثابت بالعيان ; فلم يصبر في البأساءِ والضرّاءِ ، إذ كان في الغارِ حتى نهاهُ النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن الجزع ، وبقي مضطرباً خائفاً لم يهدأ ; لتخصيص الله تعالى إنزالَ السكينةِ بنبيّهِ (صلى الله عليه وآله) . .

قال الشيخ الطوسي : «وقوله : ﴿فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ، قيل : فيمن تعود الهاء إليه قولان :

أحدهما : قال الزجّاج : إنّها تعود إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) .

والثاني : قال الجبائي : تعود إلى أبي بكر ; لأنّه كان الخائف واحتاج إلى الأمن ، لأنّ من وعد بالنصر فهو ساكن القلب .

والأول أصح ، لأنّ جميع الكنايات قبل هذا وبعده راجعة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ألاترى أنّ قوله : ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ الهاء راجعة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) بلا خلاف .

وقوله : ﴿فَقَدْ نَصَرَهُ الله فالهاء أيضاً راجعة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) .

وقوله : ﴿إِذْ أَخْرَجَهُ يعني النبيّ (صلى الله عليه وآله) : ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ يعني صاحب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ثم قال : ﴿فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وقال بعده : ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُود يعني النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فلا يليق أن يتخلّل ذلك كلّه كناية عن غيره ، وتأييد الله إيّاه بالجنود ما كان من تقوية الملائكة لقلبه بالبشارة بالنصر من ربّه ، ومن إلقاء اليأس في قلوب المشركين حتى انصرفوا خائبين(7) .

إضافة إلى ذلك فقد ذكرت المصادر التاريخية فرار أبي بكر في أكثر من مشهد ، وفراره في خيبر وحنين والخندق معروف .

وقد قال ابن أبي الحديد المعتزلي ـ المعترف بخلافة أبي بكر ـ عن فراره وعمر في غزوة خيبر :

وما أنْسَ لا أنْسَ اللذين تقدّما وفرّهما والفر قد علما حوب

 

وللراية العظمى وقد ذهبا بها ملابس ذل فوقها وجلابيب

إلى أن قال :

أحضرهما أم حضر أخرج خاضب وذان هما أم ناعم الخد مخضوب

 

عذرتكما إن الحمام لمبغض وإن بقاء النفس للنفس محبوب

 

ليكره طعم الموت والموت طالب فكيف يلذ الموت والموت مطلوب(8)

وقال أيضاً :

وليس بنكر في حنين فراره ففي أحد قد فرّ قدما وخيبرا(9)

وجَبُن في الخندق عن مبارزة عمرو بن عبد ودّ . وفرّ أيضاً في حنين : إذ لم يبق معه (صلى الله عليه وآله) سوى عليّ (عليه السلام) ، والعبّاس ، وأبي سفيان بن الحارث ، وابن مسعود(10) .

والخلاصة : إنّ أبا بكر قد شهد المشاهد كلّها ، وليس فقط لم تؤثر عنه أية بادرة تدلّ على شجاعة وإقدام ، ولم يبارز ، ولم يقتل ، ولا جرح أحداً ، بل ثبت عنه ما يدلّ على عكس ذلك تماماً ، وهو الفرار في أكثر من موقف . وكان يجبّن الناس باستمرار ، ويشير بترك الحرب وبعد هذا ، فهل يعقل أن يكون رجل له هذه المواصفات شجاعاً ؟

وإذا كان له عذر في بدر ; إذ جعلوه مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) في العريش ـ المكذوب ! ـ لا يفارقه ، فأين كان عنه في أُحُد ، وحنين ، وخيبر ، وغيرها ؟ حينما كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) يجد نفسه محاطاً بالمشركين ، الذين يريدون إطفاء نور الله عزّ وجلّ ، فهل كان أبو بكر في تلك الوقائع في عريش رئاسته ، وكان النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو الجندي المحارب بين يدي رئيسه أبي بكر ، الذي ينهزم الجيش بانهزامه ؟

وأين كان في خيبر حينما كشف يا سر اليهودي المسلمين ، حتى انتهى إلى موقف النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وقاتل (صلى الله عليه وآله) بنفسه ، وأرسل إلى عليّ (عليه السلام) الذي كان في المدينة لرمد عينيه ، فجاءه . وقتل مرحباً ، وفتح الله على يديه خيبراً ، وكان ما كان ممّا هو معروف ومشهور .

وفي أُحُد خلص العدو إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فدثّ بالحجارة حتى وقع لشقّه ، وشجّ في وجهه ، إلى آخر ما جرى . . . إلى غير ذلك من أُمور .

وأمّا قولهم : إنّه (صلى الله عليه وآله) كان يمنعه من القتال . فهل منعه في أُحُد وحنين ، وخيبر ، وسائر المشاهد ؟

وهل كان يمنعه ، ثمّ يبا شر هو بنفسه القتال ، حتى يتعرّض للإصابة بجسده الشريف ؟ ! .

كلّ ذلك دفاعاً عن الرئيس ، أبي بكر ابن أبي قحافة ؟ ! .

وأخيراً ، فقد قال ابن أبي الحديد عنه : إنّه «لم يرمِ قط بسهم ، ولا سلّ سيفاً ، ولا أراق دماً ، وهو أحد الأتباع ، غير مشهور ولا معروف ، ولا طالب ولا مطلوب»(11) .

ويوم حنين قال : «لا نغلب اليوم من قلة»(12) ، ثمّ انهزم في من انهزم . فأنزل الله تعالى فيه : ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَة وَيَوْمَ حُنَيْن إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ(13) .

والصدّيق في الحقيقة هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، كونه أوّل من صدّق النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالعيان ، وهو ما روي عن عبّاد بن عبد الله الأسدي ; قال : سمعت عليّاً (عليه السلام) يقول : «أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها غيري إلاّ كذّاب ، ولقد صلّيت قبل الناس سبع سنين»(14) .

كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : إنَّ هذا أوّل من آمن بي ، وهو أوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهذا فاروق الأمة يفرق بين الحقّ والباطل(5) .

وعن أبي ليلى الغفاري أنّه قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : ستكون بعدي فتنة ، فاذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب ، فانّه أوّل من يراني وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، هو الصدّيق الأكبر وفاروق هذه الأُمّة(15) .

أحببتنا فأحببناك :

بعد أنْ تبيّن لـ «خيري» مسير الحقّ والحقيقة واطّلع على التزييف الذي لحق بالتاريخ قرّر الاستبصار والالتحاق بركب أتباع أهل البيت (عليهم السلام) .

وبعد استبصاره قام بتأليف كتاب سمّاه «أحببتنا فأحببناك» ، ذكر فيه مراحل استبصاره وما تلى هذه المرحلة(16) .

____________

1- الطبقات الكبرى ١ : ٢١٥ ، المعجم الأوسط ٧ : ١٦٦ ، عمدة القاري ١٦ : ١٧٢ .

2- الفرقان -٢٥- : ٣٠ .

3- الأنعام -٦- : ٦٦ .

4- الزخرف -٤٣- : ٥٧ .

5- البقرة -٢- : ١٧٧ .

6- التبيان ٥ : ٢٢١ .

7- الروضة المختارة لابن أبي الحديد : ٩٢ .

8- الروضة المختارة لابن أبي الحديد : ١٠٨ .

9- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢٩٣ ، السيرة الحلبية ٣ : ٦٧ .

10- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢٨١ .

11- راجع : الطبقات الكبرى ٢ : ١٥٠ ، البداية والنهاية ٤ : ٣٦٩ ، السيرة النبوية لابن كثير ٣ : ٦١٠ ، تاريخ الإسلام ٢ : ٥٧٤ .

12- التوبة -٩- : ٢٥ ـ ٢٦ .

13- راجع : سنن ابن ماجة ١ : ٤٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٢ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ : ٤٩٨ ، الآحاد والمثاني ١ : ١٤٨ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ : ١٠٧ .

14- المعجم الكبير للطبراني ٦ : ٢٦٩ ، كنز العمّال ١١ : ٦١٦ ، فيض القدير ٤ : ٤٧٢ .

15- الاستيعاب ٤ : ١٧٤٤ .

16- قصة الاستبصار منقولة عن إحدى الكلمات التي ألقاها المستبصر ، ويوجد لدى المركز تسجيل هذه الكلمة .