السيد محمد أحمد النور الزاكي

نبذة عن حياة المستبصر لأخ السيد محمد أحمد النور الزاكي من السودان:

ولد عام ١٣٩٧ه ، (١٩٧٧م)، في السودان بمدينة أمدم حاج أحمد، نشأ في أُسرة مالكيّة المذهب، حفظ١٧ جزءاً من القرآن الكريم، كانت أُسرته عائلة دينيّة تمثّل مشيخة في الطريقة التيجانية، وكان جميع أفراد الأُسرة يحظون بمقام اجتماعي وروحي رفيع، توجه ﴿محمّد النّور﴾ نحوالتبليغ والدعوة، وكان قبل استبصاره من المبلّغين النشطين في منطقته.

الكتب التي تأثّرت بها:

يقول ﴿محمّد النّور﴾: كان عمّي السيّد مجاهد أحمد النّور أوّل من استبصر من أُسرتنا، وكان استبصاره عام ١٤٠٦ه ، (١٩٨٦م)، وبواسطته تشيّع عمّي منتصر وأخي أحمد وآخرون من أُسرتنا. وفي سنة ١٤١٠ه ، (١٩٩٠م)، بدأت بقراءة الكتب الشيعيّة، فقرأت كتاب
﴿المراجعات﴾ للعلامة شرف الدّين، وكتاب ﴿أئمّة أهل البيت تنوّع أدوار ووحدة هدف﴾ للشهيد الصدر ومجموعة كتب التيجاني السماوي، و﴿ليالي بيشاور﴾، وبعض أجزاء موسوعة ﴿الغدير﴾ تأليف العلاّمة الأميني، وكتاب ﴿التشيّع﴾ للسيّد الغريفي، فصارت عندي معرفة عامّة حول نقاط الخلاف بين الشيعة والسنّة.
وعندما قرأت كتاب ﴿معالم المدرستين﴾ للسيّد العسكري، وكتاب ﴿أصول العقائد في الإسلام﴾ تأليف السيّد اللاّري، بلغت مرحلة اليقين بأحقّية مذهب أهل البيت عليهم‏السلام فتشهّدت بأنّ لا إله إلاّ اللّه‏، وأنّ محمّداً رسول اللّه‏ وأنّ علياً وليّ اللّه‏.

إعجابي بكتاب أصول العقائد:

يضيف ﴿محمّد النّور﴾: يُعدّ كتاب ﴿أصول العقائد﴾ من أهمّ الكتب التي أدّت قراءتها إلى بلورة قناعتي التامّة بأحقّية مذهب أهل البيت عليهم‏السلام.
ومن أهمّ البحوث التي تأثّرت بها في هذا الكتاب هو الأصل الرابع المتضمّن لمبحث الإمامة، وقد جاء فيه:

الرسول ومستقبل الإسلام:

إنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم ، كان خبيراً بأنّ الاُمّة بعد وفاته سوف تفقد محور وحدتها، وتسقط في خضم أمواج الاختلاف والتشتّت. إنّ المجتمع الإسلامي الجديد يومذاك كان مشكّلاً من المهاجرين بما فيهم بنو هاشم وأُمّية وقبائل عدي وتيم، والأنصار من الأوس والخزرج، وبوفاة شخصيّة رسول اللّه‏ ثارت نيران الفتن في الرؤوس، وكان كثير منهم لا يفكّرون في ما يصلح للإسلام، بل في سبيل الحصول على زعامة المسلمين وتبديل القيادة الإلهيّة بحكومة مركزيّة قويّة مقتدرة وأن الأماني والآمال والاتجاهات المختلفة لم تدع رباطاً دينيّاً أصيلاً وقويّاً، وقد نوّه بذلك رسول اللّه‏ لأصحابه فقال:
﴿افترقت أُمّة موسى على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت أُمّة عيسى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أُمّتي هذه على ثلاث وسبعين، فرقة واحدة ناجية، وسائر الفرق في النار﴾(1).
إنّ أقوى الصدمات التي أصابت اتّحاد المسلمين بعد وفاة رسول الإسلام، وبذرت فيهم بذور التفرقة، لهي اختلاف أنظارهم حول الحاكم الإسلامي، الذي جرّ إلى إثارة نيران الحروب والصراع والفتن فيهم، وشقّ عصاهم، وفرّق صفوفهم.
حقّاً لو كان النبيّ لم يفكّر في علاج هذا الدّاء الموحش الذي كان يتنبأ به، ولم يدّبر لوقاية الأُمّة من آثار الفراغ الكبير الذي يصيبهم بفقدهم القائد الأوّل، والمخاطر التي بإمكانها أن تصيب المجتمع الإسلامي بعده، فيترك الساحة بدون أيّ تدبير لمصيرها، ألم يكن هو قد خلق لها تلك المشاكلّ الكبرى الناتجة من إهمال مسؤوليّة الحكومة وإدارة الأمور؟! بينما كانت مخاطر المستقبل ممّا يتنبأ بها حتّى من دون أيّة علاقة بالوحي والغيب؟ كيف لنا أن نصدّق بأنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم الذي لم يترك أيّة نقطة من رسالته لم يبيّنها لهم، لم يكن ملتفتاً إلى مسيرة الإسلام في المستقبل وضرورة حراسة موضع الحقّ فيه؟ بل ضرورة حفظ كيان الدّين وموجوديّة الأُمة، فيدع مسؤوليّة صيانة الرسالة إلى أحوال المستقبل وما تدبّره لها يد التقدير؟! الذين يقولون: إنّ النبيّ لم يصوّر لأُمته أيّة صورة عن شكل الحكم بعده، وإنّه التزم السكوت في ذلك، وإنّه ترك أمّته بلا تكليف في ذلك، هؤلاء كيف يجرؤون على نسبة هذه المسامحة والسكوت في غير موضعه إلى ساحة من كان يمثّل العقل الأوّل في البشر؟! ولاسيّما بعد التوجّه إلى أنّ وفاته لم تقع فجأة، بل كان هو صلى الله عليه و آله و سلم يخبر عن ذلك بقوله: ﴿يوشك أن أُدعى فأجيب﴾، بل أعلن للناس ذلك في حجّة الوداع، وأنّه سوف لا يراهم في موسم الحجّ القابل. إنّ الإسلام، ذلك الغرس الناشيء الذي كان أمامه إلى أن يثمر درب طويل، والذي تعهّد حامل لوائه باجتثاث أصول الجاهلية وتطهير ما ترسّب منها في زوايا أفكار الناس وعقولهم وأرواحهم، كان هذا الإسلام مهدّداً من جانبين:
من الداخل من ناحية المنافقين الذين كانوا متغلفين في كلّ مركز وناحية تحت لواء الإسلام وفي صفوف المسلمين، وقد تكرّرت منهم المؤامرات لقتل النبيّ، حتّى أنّه في السنة التاسعة للهجرة حينما كان عازماً على المسير إلى حرب تبوك خاف اغتشاشهم في المدينة، فعيّن عليّاً عليه‏السلام خليفة له فيها تفادياً لأيّة حادثة غير مرضيّة.
وكذلك كان الإسلام مهدّداً من الخارج أي من قبل الامبراطوريّتين يومذاك: الرومان والفّرس، وكان يخاف أن تهجم إحدى هاتين القوّتين على مركز الإسلام.
من البديهي أنّه مع هذه الأوضاع الشاذّة والحسّاسة للغاية، كان على النبيّ أن يجعل مسؤوليّة صيانة الرسالة والأُمّة على شخص أو أشخاص يستطيعون ذلك، فيقومون بتثبيت هذه الدعوة ويدفعون عنها كلّ خطر.
إنّ الخليفة الأوّل أحسّ بالمسؤولية عن مستقبل الحكومة الإسلاميّة والفراغ الناتج من غيابه، فلم يدع الأُمّة بحالها، بل أوصى – وهو مريض – إلى الناس يقول: ﴿هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول اللّه‏ إلى المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإنّي أحمد إليكم اللّه‏، أمّا بعد، فإنّي قد استعملت عليهم عمر بن الخطّاب، فاسمعوا له وأطيعوا، وإنّي ما ألوتكم نصحاً والسلام﴾(2). وعلى هذا فإنّه كان يرى تعيين الخليفة بعده من حقّه حيث ألزمهم بطاعته.
وكذلك أدرك الخليفة الثاني ضرورة سرعة اتخاذ القرار بعد ضربته، فأمر بتشكيل الشورى من ستّة أشخاص، وهذا يعني أنّه لم يكن يرى للمسلمين في تعيين الخليفة حقّاً ولذلك حدّد الشورى في ستّة أشخاص. وأمّا أمير المؤمنين عليّ عليه‏السلام فإنّه رضي بالأمر الواقع خوف فتنة الناس وعودتهم للجاهلية.
ومع هذا فكيف غضّ رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم الطرف عن هكذا مسألة حسّاسة للغاية، والخطر العميق المحدق بالرسالة، والناس قريبوا عهد بالجاهليّة، ولم يتقدّم إلى المسلمين بأطروحة لسلامة الأُمّة من تلك الأخطار المرتقبة بعد وفاته؟! حقّاً ليس بإمكاننا أن نجد أيّ توجيه أو تفسير نتقبّله لاتّخاذه هذا الموقف السلبيّ، ولعدم اهتمام رسول الإسلام بهذا الأمر، ولا نستطيع أن نتصوّر أنّه لم يكن يعني بأمر الدعوة بعده، ولم يكن يهتمّ بما يجري عليها بعد وفاته!
بل إنّ رسول اللّه‏ كان – وهو في فراش الموت وآلام الأسقام تؤلمه بشدّة – يفكّر في الرسالة والأُمّة قلقاً على مستقبلها، بل كان هذا هو كلّ ما يشغل باله آنذاك، وفي تلك اللّحظات الحسّاسة التي كان كلّ الحاضرين – ومنهم عمر بن الخطّاب – يغطّون في حالة من البُهت والاضطراب العميق قال: ﴿ائتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتاباً لن تضلّوا به بعدي أبداً﴾(3). إنّ محاولة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم هذه والتي اتّفق الفريقان على نقلها وصحّتها لهي خير شاهد على أنّ رسول اللّه‏ في اللحظات الأخيرة من حياته كان يَحسّ بالمسؤوليّة عن مستقبل الإسلام، وأنّه كان يفكّر في الأخطار بعد وفاته، وأنّه لحفظ أُمّته من الانحراف ووقاية لها من الانحطاط حاول أن يريها الدّرب للمستقبل، إذ كان هو أكثر البشر فهماً وأعمقهم دركاً. وهنا ينبغي الالتفات إلى مسألة الوصاية والخلافة في الأديان والشرائع السابقة، فالرسل جميعاً وكثير من الأنبياء كانوا يختارون لأنفسهم أوصياء من بعدهم، وحيث يقضي القرآن الكريم بعدم تغيير سنّة اللّه‏ في خلقه، كان على رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم – وهو من المرسلين – أن يعمل بهذه السنّة الإلهيّة.
فيعرّف الأُمّة بوصيّه وخليفته من بعده، وكذلك كان. فإنّه بأمر ربّه وبمقتضى رسالته واستمراراً لها اختار خليفته ووصيّه وعيّن تكليف أُمّته من بعده، وإنّ هذه العقيدة بالوصاية لهي من صلب كتاب اللّه‏ وصميم أحكام الإسلام، ولاسيّما بالنظر إلى ما يتّسم به من الكمال والتمام(4).

اقتطاف ثمار البحث:

واصل ﴿محمّد النّور﴾ قراءته لكتاب ﴿أصول الاعتقاد﴾ ومن هذا المنطلق وصل إلى القناعة التامّة بأحقّية مذهب أهل البيت عليهم‏السلام فأعلن استبصاره وكان ذلك عام ١٤١١ه ، (١٩٩١م)، ثُمّ هاجر إلى مدينة قم المقدّسة ودرس في الحوزة العلميّة بقم، وواصل دراسته حتّى أخذ شهادة البكالوريوس في فرع التاريخ الإسلامي، وأخذ شهادة الماجستير في فرع الأديان والمذاهب، ثُمّ تخصّص في الفلسفة والعرفان، ثُمّ درس الفقه والإصول إلى مرحلة البحث الخارج.

العودة إلى الوطن:

عاد ﴿محمّد النّور﴾ إلى بلده السودان محمّلاً بعلوم ومعارف أهل البيت عليهم‏السلام، وتصدّى لرئاسة رابطة سفينة النجاة الثقافية الإسلاميّة، ومهمّة هذه الرابطة رفع الوعي والمعرفة الدينيّة بين الشيعة السودانيّين، فقرّر القيام بدورة دراسيّة قصيرة مستهدف بها أبناء الشيعة بالسودان لتعريفهم بالمسائل الهامّة على مستوى العقيدة والأحكام المبتلى بها.
ويقول ﴿محمّد النّور﴾ حول ضرورة الدورة التي تقيمها هذه الرابطة والهدف المتوخّى منها: تتوقّع الرابطة أن تسهم هذه الدورة بشكل كبير ومؤثّر في تعريف أبناء الشيعة والمستبصرين الجدد بعقائد ومعارف أهل البيت عليهم‏السلام، وتصحيح عباداتهم والأحكام عندهم، وتحصينهم أمام الهجمات الوهابيّة المستعرة ضدّ التشيّع، وإشعارهم بإحساس العالم الشيعيّ بهم وباحتياجاتهم، والتأكيد على دورهم المنتظر في نشر مذهب أهل البيت عليهم‏السلام وتعريف الناس بهم وبمقامهم ومظلوميّتهم صلوات اللّه‏ عليهم.
وتتأكّد ضرورة هذه الدورة وبشكل أساسي إضافة لما ذكرنا، في سعيها للحؤول دون حدوث أيّ تصرّفات من قبل الشيعة تؤدّي إلى إثارة الآخرين ضدّهم، خصوصاً مع حالة الاستعداد التي يمارسها الوهابيّون على المجتمع ضدّ الشيعة والتشيّع.
يضاف لذلك تعريف الأُخوة بالمسائل السياسيّة من حولهم على كلّ المستويات، سواء في السودان أو في المنطقة والعالم ككلّ، ممّا يسهم في تنمية معرفتهم وعدم انجرارهم وراء أطروحات بعض الجهات والأحزاب التي تمثّل خطراً على دينهم وأُمتهم وعلى التشيّع في السودان، كما تسهم في تذكيرهم بمحاسن الأخلاق ووصايا أهل البيت عليهم‏السلام للشيعة في كيفيّة التعايش مع غيرهم، كما تأمل أن يكون ربط الناس بالجوّ الروحي للتشيّع وأدعيّة الأئمّة عليهم‏السلام من ثمار هذه الدورة.

(1) انظر: سنن ابن ماجه ٢: ١٣٢٢ حديث٣٩٩٢.
(2) تاريخ اليعقوبي ٢: ٩٣، أيام أبي بكر.
(3) المستدرك على الصحيحين ٣: ٤٧٧.
(4) أصول العقائد ٣: ١٩ – ٢٢.