حديث الفرقة الناجية

اسم المقالة: حديث الفرقة الناجية.

المؤلف: مروان خليفات.

vilaya

 

حديث الفرقة الناجية: ما أنا عليه وأصحابي

ورد حديث الافتراق في العديد من كتب الحديث دون تحديد الناجية، وفي بعض الروايات حددها بالجماعة أو السواد الأعظم، ومرة حددها ” بما أنا عليه وأصحابي” وأكثر استدلالات السلفية بالنص الأخير ، وعليه يكون بحثنا هذا، بغض النظر عن صحة حديث الافتراق من عدمه، فهذا بحث آخر.

روى الترمذي قال:” حدثنا محمود بن غيلان أخبرنا أبو داود الحفري ، عن سفيان عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ، عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك . وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة ، قال من هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي ” .

سنن الترمذي ، ج 4 – ص 135

وفي لفظ المستدرك: ( فقيل له: ما الواحدة؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي )

المستدرك على الصحيحين،  كتاب العلم ج1 ص 129.

من استدل به:

استدل بهذا الحديث كثير من أئمة السلف وعلمائهم على أنهم هم الناجون، منهم :

1ـ عبد الغني المقدسي في: كتاب الصفات المطبوع في “عقائد أئمة السلف”

ص 131

2ـ ابن القيم في: مختصر الصواعق المرسلة.

2/ 516

3ـ ابن أبي العز الحنفي في: شرح العقيدة الطحاوية .

ص 260

4 ـ محمد بن عبد الوهاب في ” أصول الأيمان” وقال: رواه البخاري” وهو اشتباه منه.

5ـ ابن بازفي : العقيدة الصحيحة ونواقض الإسلام.

ص 21.

6 ـ الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود في ” موقف ابن تيمية من الأشاعرة”

ج1 ص 28

7 ـ احتج بالحديث “اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ” ـ جمع وترتيب الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش.

ج2 ص 158

وفي تخريجه أحالوا إلى مسند أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم والآجري في الشريعة، مع العلم أنه لم يرد الحديث بهذه الصيغة إلا عند الحاكم والترمذي والآجري!

قالوا أي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ” الفرقة الناجية قد بينها رسول الله محمد ” صلى الله عليه وآله وسلم ” في بعض روايات الحديث المتقدم بصفتها ومميزاتها في جوابه على سؤال أصحابه ” من الفرقة الناجية” حيث قال : ” من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي” … فوصفها بأنها هي التي تسير في عقيدتها وقولها وعملها وأخلاقها على ما كان عليه النبي محمد ” صلى الله عليه وآله وسلم ” وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم”

” فتاوى اللجنة الدائمة ” 2/ 151 ـ 152

7 ـ أحمد سلام في كتابه ” ما أنا عليه وأصحابي ” : قال : ” وهذا الحديث ” ما أنا عليه وأصحابي ” أصل من الأصول ”

وقال أيضا : ” تفيد هذه الجملة الهامة من الحديث أن مسلك الفرقة الناجية من بين الفرق المتفرقة قائم بالدرجة الأولى على اتباع سنة رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” مع قرينة هامة، وهي اتباع ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، وبهذه القرينة النبوية يصبح اتباع ما كان عليه الصحابة من اتباع الرسول ” صلى الله عليه وآله وسلم ” … فمن سلك سبيلهم ونهج منهجهم فهو أولى الناس بالنبي ” صلى الله عليه وآله وسلم …”

انظر كتابه ” ما أنا عليه وأصحابي ” ص 50 ـ 51

8 ـ الدكتور محمد با كريم محمد با عبدالله، حيث قال بعد ذكره للحديث: ” وهذا الوصف لا ينطبق إلا على أهل الحديث والسنة فإنهم هم الذين ما كان عليه النبي وأصحابه، فهم الفرقة الناجية ولهذا قال الأمام أحمد بن حنبل ـ وقد ذكر حديث الافتراق ـ إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم”

وسطية أهل السنة،  ص 121

9 ـ أما ابن تيمية فقد استدل به كثيرا في كتبه، فعندما سئل عن حديث الافتراق قال:

” الحمد لله الحديث صحيح مشهور في السنن والمسانيد … وفي رواية قالوا: يا رسول الله ، من الفرقة الناجية؟ قال: ” ما كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي” ”

مجموعة الفتاوى” 3/215

ووجه الاستدلال: أن النبي أخبر أن الفرقة الناجية هي ما كان عليه النبي وأصحابه، وليس أحد من الفرق كائنا على ما كان عليه النبي واصحابه إلا السلفية.

أسانيد الحديث :

روى هذا الحديث الترمذي، فقال :حدثنا محمود بن غيلان أخبرنا أبو داود الحفري ، عن سفيان عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ، عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو  : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك . وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة ، قال من هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي)

وعلة هذا السند عبد الرحمن بن زياد الأفريقي.

قال الحافظ المزي فيه : ” قال أبو موسى محمد بن المثنى: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمان يحدثان عن سفيان عنه .وقال عمرو بن علي: كان يحيى لا يحدث عنه…وقال علي بن المديني : سألت يحيى بن سعيد عنه . فقال : سألت هشام بن عروة عنه ، فقال : دعنا منه ، حديثه حديث مشرقي !

وقال في موضع آخر: سمعت يحيى يقول : حدثت هشام بن عروة عن الإفريقي . عن ابن عمر في الوضوء. فقال: هذا حديث مشرقي ، وضعف يحيى الإفريقي …

. وقال محمد بن يزيد المستملي: سمعت عبد الرحمان بن مهدي يقول : أما الإفريقي ، فما ينبغي أن يروي عنه حديث .

وقال أبو طالب ، عن أحمد بن حنبل : ليس بشئ . وقال أحمد بن الحسن الترمذي وغيره ، عن أحمد بن حنبل : لا أكتب حديثه .

وقال أبو بكر المروذي ، عن أحمد بن حنبل : منكر الحديث … وقال أبو بكر بن أبي خيثمة ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن يحيى بن معين : ضعيف . زاد محمد عن يحيى : ويكتب حديثه ، وإنما أنكر عليه الأحاديث الغرائب التي يجئ بها .

وقال عباس الدوري ، عن يحيى بن معين : ليس به بأس ، وهو ضعيف ، وهو أحب إلي من أبي بكر بن أبي مريم الغساني.

وقال علي بن المديني: كان أصحابنا يضعفونه ، وأنكر أصحابنا عليه أحاديث ، تفرد بها لا تعرف .

وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: غير محمود في الحديث …

وقال عبد الرحمان بن أبي حاتم : سألت أبي وأبا زرعة عن الإفريقي وابن لهيعة أيها أحب إليكما ؟ قالا : جميعا ضعيفين وأشبههما الإفريقي . بين الإفريقي وابن لهيعة كثير …

وقال صالح بن محمد البغدادي : منكر الحديث ، ولكن كان رجلا صالحا .

وقال الترمذي : ضعيف عند أهل الحديث ، ضعفه يحيى القطان وغيره ، ورأيت محمد بن إسماعيل يقوي أمره ، ويقول : هو مقارب الحديث .

وقال النسائي : ضعيف . وقال أبو بكر بن خزيمة : لا يحتج به . وقال ابن خراش : متروك . وقال زكريا بن يحيى الساجي: فيه ضعف …

وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات ويدلس عن محمد بن سعيد المصلوب.

هذا حال الأفريقي وأعرضنا عن أقوال بعض من وثقه، لأنها لا تقدم ولا تؤخر في حال الرجل، وهذا ابن حجر يعطي خلاصة رأيه به، حيث قال : ” والحق فيه أنه ضعيف لكثرة روايته المنكرات وهو أمر يعتري الصالحين ”

تهذيب التهذيب 6 / 160

وقد أدرج العلماء الأفريقي في كتب الضعفاء والمتروكين، منهم : ابن عدي في” الكامل في ضعفاء الرجال.

4/ 159

” العقيلي في ” الضعفاء الكبير،

” 2/ 332 ـ 333،

الدارقطني : في” الضعفاء والمتروكين

ص 119

ابن الجوزي في  الضعفاء والمتروكين .

قال الألباني حين ذكر حديثا فيه الأفريقي : “وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد الرحمن وهو ابن زياد بن أنعم الإفريقي ، وهو ضعيف لسوء حفظه” .

إرواء الغليل ج 8 – ص 59″

قال محمد فؤاد عبد الباقي في تحقيقه وتعليقه على أحد الأحاديث التي فيها الأفريقي :

” مدار الحديث على عبد الرحمن بن زياد الإفريقي ، وهو ضعيف . ومع ضعفه كان يدلس”

سنن ابن ماجة ج 1 – ص 171

قال المباركفوربعد شرحه لحديث الترمذي : ( في سنده عبد الرحمن بن زياد الأفريقي وهو ضعيف)

تحفة الأحوذي: 7 / 400

وروى الحاكم حديث ” ما انا عليه اليوم وأصحابي ” بسند فيه الأفريقي صاحب الترجمة، ومن كلام الحاكم فيه وفي كثير بن عبدالله : ” ولا تقوم بهما الحجة”

المستدرك على الصحيحين ، ج 1 – ص 128 – 129.

وأخرج الحديث الآجري  بسند فيه الأفريقي.

انظر كتابه : الشريعة .

وروى الحديث الطبراني بسند آخر، فقال : (  حدثنا محمود بن محمد الواسطي ثنا محمد بن الصباح الجرجراني ثنا كثير بن مروان الفلسطيني عن عبد الله بن يزيد بن آدم الدمشقي قال حدثني أبو الدرداء وأبو أمامة ووائلة بن الأسقع وأنس بن مالك … )

المعجم الكبير : ج 8 – ص 152 –153

وفي هذا السند كثير بن مروان، قال الذهبي ” كثير بن مروان أبو محمد الفهري المقدسي. ضعفوه يروي عن إبراهيم بن أبي عبلة وغيره.

وقال يحيى  والدارقطني : ضعيف. وقال يحيى ـ مرة ـ : كذاب. وقال الفسوي: ليس حديثه بشيء”

ميزان الأعتدال : 5/496

قال ابن حجر : ” قال ابن حبان منكر الحديث. قلت : وضعفه يحيى والسعدي والدارقطني وقال النسائي ليس حديثه بشيء، وقال محمود بن غيلان: أسقطه أحمد وابن معين وأبو خيثمة وعن يحيى بن معين هو كذاب ”

تعجيل المنفعة : 390

وضعفه ابن المديني وأبو حاتم  وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك  الحديث. وقال أبو زرعة : واه .

“الضعفاء والمتروكين ، الدارقطني، تحقيق صبحي البدري السامرائي ص 144.

وذكروا كثير بن مروان في كتب الضعفاء مثل : ابن عدي في “الكامل”

7/ 207.

الذهبي في ” المغني في الضعفاء”

2/ 228 وديوان الضعفاء والمتروكين.

2 /259

قال ابن حبان في” المجروحين” : ” لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب”

المجروحين، 2 / 225

وأخرج الحديث الطبراني بسند فيه عبدالله بن سفيان بدل الأفريقي.

المعجم الصغير، 1/ 256

ونقله عنه الهيثمي : ( وقال في كثير بن مروان : ضعيف جدا )

مجمع الزوائد. 1/ 189 .

وقد أورد الذهبي حديث عبدالله بن سفيان في ميزان الأعتدال وقال : ” وإنما يعرف هذاـ الحديث ـ بابن أنعم الأفريقي عن عبدالله بن يزيد عن عبدالله بن عمرو”

ميزان الاعتدال، 4 / 09

وذكره العقيلي في الضعفاء الكبير وقال: ” ليس له من حديث يحيى بن سعيد أصل ، وإنما يعرف هذا من حديث الأفريقي.

هذا هو سند الحديث الذي امتلأت به كتب القوم ، لهذا ضعفه غير واحد من علماء المسلمين، وفيهم بعض السلفيين، منهم :

ـ ابن حزم : فهو لا تصح عنده أحاديث الافتراق أصلا.

الفصل في الملل والأهواء والنحل، ج2 ص 267

ـ رشيد رضا ، حيث قال في رواية : ” ما أنا عليه وأصحابي ” ” في إسنادها عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ” ” فالرواية إذا لم تخل من طعن فيها ”

المنتقى من روائع فتاوى المنار، عز الدين بليق ج1 ص 653

ـ البوطي طعن بهذه الزيادة كما في موقعه في الشبكة العنكبوتية.

ـ ضعفه المحقق حسن السقاف .

صحيح شرح العقيدة الطحاوية : 632

ـ أحمد سعد حمدان في تخريجه لأحاديث ” شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة”

ص 80

ـ الدكتور سيد عبد العزيز السيلي  ، حيث قال : ” أخرجه الترمذي وهو ضعيف ” والغريب أنه احتج به !

العقيدة السلفية، ص 14

ـ فواز أحمد زمزلي في” عقائد أئمة السلف”

ـ الحافظ محمد بن طاهر المقدسي في ” ذخيرة الحفاظ المخرج على الحروف والألفاظ”

3/ 1278

وبالرغم من ضعف الحديث يحتج به الكثيرون وجعلوه أحد أعمدة المدرسة السلفية !

بالرغم من ضعفه باعترافهم يحتج السلفيون به، ثم ينهالون على الشيعة بالتقريع بأن أحاديثهم ضعيفة !!

مع الألباني

الألباني ضعف الأفريقي في أكثر من موضع من كتبه، لكنه احتج بالحديث وصححه، وليس هذا منه إلا نصرة لمنهجه السلفي ! قال حين ذكر حديثا آخر فيه الأفريقي :” وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد الرحمن وهو ابن زياد بن أنعم الإفريقي ، وهو ضعيف لسوء حفظه”

إرواء الغليل ج 8 – ص 59″

و قال في تخريجه على الطحاوية عن الحديث المذكور:” فيها ضعف”.

شرح العقيدة الطحاوية ص 512

و قال : ” ضعيف بهذا السياق وقد حسنه الترمذي في بعض النسخ وهو ممكن باعتبار شواهده.

شرح العقيدة الطحاوية ،260

إن تحسين الترمذي أو تصحيحه غير معتبر عند العلماء لتساهله، وكم من مرة ذكر الألباني هذا عن الترمذي، يقول مثلا : ” تساهُل الترمذي، إنكارُه مكابرةٌ، لشهرته عند العلماء. وقد تتبعتُ أحاديث “سننه” حديثاً حديثاً، فكان الضعيفُ منها نحو ألف حديث، أي: قريباً من خُمس مجموعها، ليس منها ما قَوّيتُه لمتابعٍ أو شاهد».

السلسلة الضعيفة (3|30)

وقول الألباني أنه ممكن باعتبار شواهده، مردود فـلا يمكن اعتبار حديث الافتراق من شواهده لوروده دون هذه الزيادة، أو فيه زيادات أخرى غير هذه. ولكنه أراد أن ينتصر لمذهب السلف ليس إلا.

لا شك أنه أخطأ في تصحيحه، فقد كان مترددا حين خرج الحديث في الطحاوية، فقد قال : ” وهو ممكن ـ أي تحسين الترمذي له ـ باعتبار شواهده ” فهو غير متيقن.

وبعض العلماء السلفيين قد ضعفوه كما مر علينا .

والألباني كغيره من الرجال يخطئ، قال محمد صالح العثيمين فيه : أما من حيث التحقيقات العلمية الحديثية فناهيك به على تساهل منه أحيانا في ترقية بعض الأحاديث إلى درجة لا تصل إليها من التحسين أو التصحيح …”

حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، ج2 ص 543

إننا للاعتبارات السابقة والقادمة نضع الحديث ضمن الأحاديث الضعيفة. ومن يصححه فليكن تصحيحه على أسس علميه متينه، وليدفع الاشكالات التي ترد عليه .

اشكالات على الحديث

ـ يذكر النبي حدثا مهما جدا ستتعرض له أمته، وهو الافتراق إلى ثلاث وسبعين فرقة وواحدة ناجية فقط، لهذا استفظع القوم هذا القول وبادروا بسؤاله عن هذه الناجية، فقال : “ما أنا عليه وأصحابي”

وكأن المخاطبين ليسوا بأصحابه حتى يقول ” ما أنا عليه وأصحابي” !! فقد قال لمن حوله من المسلمين والمفروض أنهم صحابته ” ما أنا عليه وأصحابي ” وليس ما أنا عليه وأنتم أو ما نحن عليه، أو شيء آخر من هذا القبيل، ولكن قال : ما أنا عليه وأصحابي !

فأصحابه الذين سألوه عن الطائفة الناجية مأمورون بالكون بما كان عليه النبي وأصحابه!!

هل رأيت معقولا في اللامعقول؟ وألا تكفي هذه لضرب الحديث ؟ ! ثم هل هذا الحل ـ لو صح ـ يعصم الأمة ويدلها على الناجية؟

لماذا نجا الصحابة ـ إن نجوا ـ ؟ لأنهم كانوا على ما كان عليه النبي “صلى الله عليه وآله وسلم،  فهو المعيار للنجاة، فما معنى هذه الزيادة ” وأصحابي” ؟ !

ـ أوليس السلفية يدعون أنهم على ما كان عليه النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم” وأصحابه ؟

أوليس الأشاعرة والماتريدية يدعون أنهم على ما كان عليه النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم” وأصحابه؟

أوليس الشيعة يدعون أنهم على ما كان عليه النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم” وأصحابه الخلص وعلى رأسهم علي ” ع” ؟

فهل هذه العلامة كافية للناس، لكي يلتحقوا بهذه الناجية؟ وكيف لهم أن يعرفوها، ولم يبين الحديث ما الذي كانوا عليه ؟ وكيف يعرفونها ومذاهب الصحابة شتى، وقتالهم مع بعض لا يخفى؟

فهناك قسم وصفهم الرسول بأنهم يدعون إلى النار كما جاء في “صحيح البخاري .

1 / 541 ، وقد فصلنا القول هذا في مبحث حديث الحوض من هذا الكتاب.

فهل الكون مع هؤلاء مدعاة للنجاة ؟ !

ـ هل المقصود اتباع جميع الصحابة كما هو مقتضى الاطلاق في الحديث ؟ إن البحث عما كان عليه جميع الصحابة محال ، لخفاء حال القسم الأعظم منهم، وعدم وجود ترجمة لحالهم، وعدم ورود رواية عنهم، فعدد الصحابة على أقل تقدير كان مائة وأربعة عشر ألف صحابي، وعشر هذا الرقم غير معروف كما في” الإصابة ” لابن حجر،

ج1 ص 2

وهذا وحده كاف لرد الحديث.

وحتى المعروفين، وهم أحد عشر ألفا وستة وعشرون على ما في الإصابة ، لم يرو إلا عن 1565 منهم !

راجع كتابنا ” وركبت السفينة ” للاستزادة ص 163

ـ إن كان المقصود اتباع بعضهم، فهذا ما لا دليل عليه، ولو افترضنا أن هذا هو المتعين من النص، فمن هم هؤلاء البعض، وهل يوجد نص صريح يعينهم لنا ؟ ولماذا لم يبينهم لنا النبي ليسهل الأمر على أمته؟

ـ في حال اختلف الصحابة إلى مجموعتين أو أكثر فمع من سنكون ؟ وهل يكون اتباعهم كلهم سببا في النجاة؟ ثم أليس اتباعهم في هذه الحالة أمر للتعبد بالمتناقضات والحق واحد لاشك فيه؟

فهل نصدق صدور هذا عن المشرع الحكيم؟

ـ إن من بين الصحابة الذي ترجعنا المدرسة السلفية إليهم منافقون. وبعض هؤلاء لم يكن حتى النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم” يعلمهم ” ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم”

التوبة :101

روى مسلم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ” في أصحابي اثنا عشر منافقا، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط… ”

صحيح مسلم: كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.

وعن حذيفة بن اليمان قال ” إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون ”

صحيح البخاري  ج 8 – ص 100

حتى الأعراب المعدودين ضمن الصحابة كانوا من ضمن المنافقين، وما أكثرهم ! قال تعالى ” الأعراب أشد كفرا ونفاقا ”

التوبة : 97

إذا كان هناك عدد كبير من المنافقين بين الصحابة مع علم النبي ببعضهم ، فكيف يقبل لنا أن نكون على ما كانوا عليه ويجعلهم معيارا للنجاة كيف يودعهم ثروات الإسلام غير مبال بذلك؟

فهل رأيت صائغا يجعل لصا في محله إذا غادر هو للاستراحة مثلا؟!

هل من عاقل يبين لنا هذه المعضلة؟

ـ كيف يجعلهم النبي” صلى الله عليه وآله وسلم” معيارا للنجاة، مع ورود قسم كبير منهم نار جهنم؟

أخرج البخاري  : ( عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينا انا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم فقلت أين قال إلى النار والله قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقري ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم قلت أين قال إلى النار والله قلت ما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقري فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم ـ أي مثل ضوال الأبل ـ !)

صحيح البخاري ، ج 7 – ص 208 – 209، وسيأتي في الفصل الثاني بحث كامل عن حديث الحوض

أخرج البخاري ” عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ” بينما أنا قائم فإذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، قال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم ”

المصدر السابق: كتاب الرقاق، باب في الحوض.

وأخرج مسلم عن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ” أنا فرطكم على الحوض ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ”

كتاب الفضائل، باب اثبات حوض نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وصفاته

وفي تاريخ ابن كثير قال: أخرج البيهقي عن أبي الدرداء، قال: ” قلت:

يا رسول الله بلغني إنك تقول: (ليرتدن أقوام بعد إيمانهم) قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ” أجل ولست منهم “.

البداية والنهاية، ج6 ص 731

فكيف يرجعنا النبي لأصحابه وقد أحدثوا وارتدوا كما ورد ؟ أليس هذا استغفالا لأمته ـ حاشاه من هذا ـ وأليس يمكن أن نتبعهم فيما أحدثوا وبدلوا فتكون عاقبتنا كهؤلاء المساقين إلى النار؟ وهل من الحكمة أن يرجع أمته إلى أصحابه مع تفرقهم في البلدان، وضياع تسعة أعشار أسمائهم ورواياتهم ؟ !

ـ إن الرواية التي استدل بها ابن تيمية كثيرا هي ” ما كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي”

قد قيدها ” باليوم ” وغير معلوم بقاء الصحابة على ما كانوا عليه في ذاك اليوم بعد شهادتهم على أنفسهم بالأحداث والتغيير، فالنص مقيد بما كانوا عليه في ذاك اليوم !

ـ إن هذا الحديث يصح إذا عرفنا أن الصحابة المقصودين في الحديث ، هم الذين اتبعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) في حياته وبعد مماته ، ولم يبدلوا ويحدثوا . فهؤلاء ومن اتبعهم هم الناجون، ولكن كيف نتمكن من معرفتهم بعد ورود قسم كبير من الصحابة النار كما في الروايات السالفة . فبينوا لنا الصحابة الناجين من الصحابة الهالكين ، حتى نتبع الناجين ونسير على نهجهم، فعدم احرازنا معرفة الناجين من الصحابة يوجب علينا التوقف في اتباعهم والأخذ عنهم .

ـ الملاحظ أن أهم كتب الحديث لم تذكر الحديث بتلك الزيادة ” ما أنا عليه وأصحابي ” بالرغم من أهمية هذه الزيادة عند القوم حتى عدها البعض أحد الأصول، فالبخاري الذي كتب صحيحه من مائة ألف حديث لم يروه وكذا مسلم، وأحمد الذي كتب مسنده من حوالي ستمائة ألف حديث ! وكذا النسائي ، وابن ماجه ، ومالك وغيرهم… لم يرووا هذه الزيادة.

وهذا يزيد من علامات الاستفهام حول هذا الحديث الذي يرسم مستقبل الأمة على حد الزعم !

إن هذا الحديث والذي جعله بعضهم من الأصول لم يخرجه البخاري، ولو وجد له طريقا صحيحا لما توانى عن اخراجه، تقوية لمنهج أهل الحديث في اتباع الصحابة .

قال ابن عبد البر في بعض الأحاديث : “ولم يخرج البخاري ولا مسلم بن الحجاج منها حديثاً واحداً. وحسبك بذلك ضعفاً لها».‏

التمهيد ،10\278

وعلى رأي ابن عبد البر: حسبنا بعدم تخريج الشيخين للحديث السابق ضعفا له !