بكار بن بكار محمد علي

بكار بن بكار محمد علي (سنّي ـ موريتانيا)

ولد عام ١٣٧٩هـ (١٩٦٠م) في مدينة (أبي تلميت) الموريتانية، ونشأ في أجواء غير منتمية لمذهب أهل البيت عليهم السلام، إلا أنّه تأثّر شيئاً فشيئاً بالمذهب الشيعي حتى تشرّف باعتناقه رسميّاً عام ١٤٢٧هـ (٢٠٠٦ م) في نواكشوط بموريتانيا، ثم بدأ بنشر الفكر الشيعي من خلال التبليغ لإيصال فكر أهل البيت عليهم السلام للمجتمع الموريتاني(1).

الشيعة في موريتانيا:

يقول بكار بن بكار: الجمهورية الإسلامية الموريتانية تقع في شمال غرب أفريقيا، تحدّها من الشمال الصحراء الغربية والمغرب والجزائر، ومن الشرق والجنوب الشرقي دولة مالي، ومن الجنوب السنغال، ومن الغرب المحيط الأطلسي. عدد السكّان ٣٠٢٩٠٠٠ نسمة تقريباً، ١٤% من السود الأفارقة، ٤٧% من العرب، ٣٩% من أصل بربري، والدين هو الاسلام ١٠٠%.

احتلّت فرنسا البلد (من ١٩٠٥ الى ١٩٦٠م)، وكانت السلطة القائمة

آنذاك إمارات لبني حسان(2)؛ الذين فرضوا مذهب أهل البيت عليهم السلام في البلد منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وبعد الاحتلال أعطت فرنسا المستعمِرة القرارَ الديني إلى طبقة البربر، وهم أصلاً مالكيون.

وفي نفس الفترة دخلت الوهابية على الساحة، وأشعلت الخلاف والصراعات داخل تلك الطبقة، ولكنّهم اتّفقوا على أمر واحد، هو: تكفير طبقة بني حسّان، والشرفاء من أبناء الإمام الحسن المجتبى عليه السلام والتيجانيّين.

أمّا الطبقة الأخرى فكانت تصفهم بأنّ دينهم كبياض الشوك، عندما تقشره يكون أسوداً.

وأما الحكومة حينها، فكانت تدافع عن العلماء الوهابيين ـ الذين يلبسون الثوب المالكي تارة ـ وتجعل المرجعية الدينية في أيديهم وهم يفتون في أشياء تتجلّى فيها مخالفة السنّة النبوية، ويبرّرون ذلك بأنّها: محل خلاف بين العلماء. وقد لا يزيد الذين أظهروا اليوم تشيّعهم في موريتانيا على الآلاف، لكنّهم في تزايد مستمر(3)، فإنّ هذه الطبقة عانت منذ فترة الكثير من الاضطهاد.

نحن لسنا أقلّية، بل نحن الأكثرية المغلوبة على أمرها من تكالب قوى الكفر والضلال، ونحتاج إلى عون الله العلي القدير ومساعدة إخوتنا لإنشاء أماكن خاصّة بالشيعة كالمساجد، وكذلك معاهد للتدريس مع التواصل الدائم والمحاضرات.

تصدّي المستبصرين لمهمّة الدعوة للتشيّع:

إنّ أوّل أمنية يتمنّاها المستبصر ـ ومنهم بكار ـ بعد اعتناقه لمذهب أهل البيت عليهم السلام هي أن يبيّن للآخرين الحقائق التي توصّل اليها، وأن يعرّف أبناء مجتمعه الطريق الذي أخذ بيده إلى الهدى والرشاد، لأنّه يودّ أن يجد الآخرون حلاوة الاستبصار التي شعر بها حين اعتناقه لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ويعزّ عليه أن لا يقوم بإخراج أبناء مجتمعه من الظلمات إلى النور.

وتتوفّر هذه الفرصة للمستبصر بصورة طبيعيّة، لأنّ الناس انطلاقاً من حبّ الاستطلاع تتوجّه إلى المستبصر وتنهال عليه لتستفسر منه أسباب تغييره للانتماء المذهبي. وفي الحالات التي قد يكتفي الناس باستهزاء صاحبهم بعد الاستبصار، يكون السبب هو أنّهم يحسبون اعتناق صاحبهم للتشيّع نزعة عارضيه سرعان ما تزول، ولكن بعد مضيّ فترة، عندما يجد الناس أنّ التشيّع عقيدة نالت اهتمام صاحبهم بشكل مكثّف، تتحوّل أسئلتهم من أسئلة سخريّة إلى أسئلة جادّة حول مبادئ وتعاليم مذهب التشيّع.

وهنا تتوفّر للمستبصر الفرصة المناسبة لنشر مذهب أهل البيت عليهم السلام، فيقوم بإيضاح جوانب كثيرة من التاريخ الإسلامي، وتبيين ما ثار في نفسه من تساؤلات وشكوك أزالت الغشاوة عن عينيه، ويوضّح لهم الملابسات التاريخيّة ويشرح لهم الحقائق التي حاول الكثير إخفاءها من أجل نيل مصالحهم الشخصّية.

ومن هذا المنطلق يتقدّم المستبصر إلى المجتمع بكلّ قوّة وشجاعة وبإصرار وحماس متلبّساً بالروح الجهاديّة، حاملاً راية العمل التوجيهي من أجل استنقاذ أبناء مجتمعه من مهاوي الضلالة والانحراف، ومن أجل المساهمة في نشر الفكر الديني الرصين، وتزويد الناس بعناصر اليقظة والنهوض الفكري وتوجيههم إلى المبادئ القيّمة والتراث الإسلامي الأصيل.

ويكرّس المستبصر في هذا المجال جهده للدفاع عن التشيّع والردّ على منتقديه، ويأخذ على عاتقه مهام الدعوة والتبليغ لنشر مذهب أهل البيت عليهم السلام ويشمّر عن ساعديه لخدمة هذا المذهب، ويجنّد قواه ويوظّف كل طاقاته وقدراته لتوسيع آفاق رؤية أبناء مجتمعه وتصحيح أفكارهم المشوّهة حول هذا المذهب.

ويوطّن المستبصر في هذا المجال نفسه لإعلاء كلمة الحقّ، وينذر حياته للتبليغ وخدمة الدين لتكون حياته حافلة بالعطاء الصادق لخدمة مذهب أهل البيت عليهم السلام.

كما يحاول ـ خلال عمله التوجيهي ـ أن يكون أداة مؤثّرة في تصحيح معتقدات من حوله وتقويم اعوجاجهم وإصلاح أحوالهم وتصحيح مسيرتهم، ويحاول أن تكون كلماته صادقة و واعية تحمل تفهماً وإدراكاً واضحاً لحقيقة التشيّع، لتكون سبباً في استضاءة بصائر الناس وتنوير عقولهم بمعارف أهل البيت عليهم السلام.

وفي هذا الصعيد يكون الشباب المتعطّش إلى فهم الإسلام الأصيل وتطبيق تعاليمه المتعالية، الأرضيّة المناسبة والخصبة لتقبّل الحقائق.

ولهذا يقول المستبصر التيجاني السماوي: فعلى المستبصرين من الشيعة في كلّ مكان أن ينفقوا من أوقاتهم ومن أموالهم في سبيل التعريف بالحقّ لكلّ أبناء الأمّة الإسلاميّة، فلم يكن أئمّة أهل البيت حكرة على الشيعة وحدهم، إنّما هم أئمّة الهدى ومصابيح الدجى لكلّ المسلمين(4).

ويقول المستبصر محمّد علي المتوكّل: (كان الشباب والطلاّب هم محور اهتمامنا ومجال دعوتنا، فكان أكثر المستبصرين فيما بعد شباباً. لقد اتّخذنا من الجامعة منطلقاً لدعوتنا، فقمنا بإصدار الصحف الجدارية وإقامة الأسابيع الثقافيّة بما فيها من ندوات ومحاضرات وحوارات ومعارض كتاب، لم يكن خطابنا مستغرباً في الوسط الطلاّبي! إذ نخاطب العقول ونقدّم الحجج والبراهين بين يدي رؤانا ومعتقداتنا، والطلاب بعيدون عن التعصّب والتبعيّة خاصة إزاء الطرح الموضوعي والحجج القويّة، باستثناء الوهّابيين، فهم الفئة الوحيدة التي ناصبتنا العداء وسعت إلى عزلنا عن الطلاب عن طريق الوصم بالكفر والزندقة والانحراف الفقهي…، لقد اتّسمت دعوتنا بالموضوعيّة والهدوء واحترام الآخر، والبعد عن التفاصيل المستفزّة للآخرين، وليس ذلك تكتيكاً بل استراتيجية نستمدّها من قيم التشيّع ومبادئه التي تدعوا إلى الجماعة ونبذ الفُرقة…، أما مجتمعنا التقليدي فلم نزدد بالتشيّع إلّا قرباً منه وتفاعلاً معه، ولقد لاقت وتلاقي دعوتنا إلى أهل البيت قبولاً وتجاوباً يتناسب مع ثقافة الشعب السوداني وموروثاته الروحيّة والأخلاقيّة)(5).

____________

1- للمستبصر أنشطة عديدة في المجال الديني.

2- بنو حسّان من قبائل الزينبيّين نسباً، أي: أبناء علي الزينبيّ بن عبد الله بن جعفر الطيّار، وأمّه عقيلة بني هاشم السيدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين الإمام علي وفاطمة الزهراء عليهما السلام، وقد قدموا من الجزيرة العربية إلى مصر أبان الحكم الفاطمي ( ٩٠٩ ـ ١١٧١م).

3- نشرت مجلة أخبار الشيعة في عددها الـ ٥٤ ، الصادر في ربيع الأول لعام ١٤٣١ هـ عن بكار بن بكار قوله: يعود تاريخ دخول الفكر الشيعي إلى موريتانيا إلى عام ١٥٦٠ للميلاد، ويقطن حالياً ما يقارب خمسة وأربعين ألفاً من الشيعة في جميع المناطق في هذا البلد.

4- الشيعة هم أهل السنّة: ٣٥ .

5- ودخلنا التشيّع سجّداً: ٦٩ـ٧٠.