أحمد محمد تراوري

أحمد محمد تراوري (مالكي / مالي)

ولد في مدينة «باماكو» في جمهورية مالي في عائلة مالكية المذهب، ودرس في مدينته حتّى حصل على الليسانس في مادة الحقوق، وبالإضافة إلى الدراسة الأكاديمية درس الأحكام الشرعية والقرآن الكريم في المساجد.

نظرتان في صفات الباري تعالى:

بعد تلقّيه التعاليم الدينية وفق مذهبه صار «أحمد» من المدرّسين في إحدى المدارس الدينية، ولم يكن يعرف حينها عن المذهب الشيعي إلاّ القليل، حتّى شائت الأقدار الإلهية أن يحصل على بعض الصحف والمجلات العربية والفرنسية والتي كانت تبيّن الفكر الشيعي، فأثارت انتباهه واستغرابه; إذ كان فيها معلومات دينية جديدة لم يسمع بها من قبل، فدأب على قرائتها، وبدأ بالمقارنة بين ما يعتقده أهل السنة وبين ما تتبنّاه الرؤية الشيعية.

ومن المواضيع التي تلفت نظر الباحث في المقارنة بين المذاهب: نظرة الشيعة لصفات الباري تعالى، وتتّضح تلك الرؤية بمقارنتها مع آراء الآخرين.

ومن ذلك: حديث (الأطيط) واعتباره من قبل الوهّابية; فقد قالوا بأنّه صحيح السند وتام الدلالة والمضمون. والتزموا بلوازمه التي تثبت الثقل لله عزّ وجلّ..

فقد قال ابن تيمية، بعد أن نقل الروايات عن كعب الأحبار: فهؤلاء الأئمّة المذكورة في إسناده هم من أجلّ الأئمّة، وقد حدّثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما فيه من قوله من ثقل الجبّار فوقهنّ، فلو كان هذا القول منكراً في دين الإسلام عندهم لم يحدّثوا به على هذا الوجه(1).

فهو يؤكّد هذه الحقيقة، التي هي من أخصّ وأهمّ لوازم الجسمية; فإنّ الجسم من أهمّ لوازمه وخواصّه: الثقل، الجهة، الحدّ، التحيّز والحجم.

فهو يركّز على مسالة الثقل، ويقول: إنّ هؤلاء الأعلام من الأئمّة ذكروا هذه الأحاديث في كتبهم، ولم ينكروا على الدليل والمضمون، ولو كان باطلاً لم يذكروه ولم يقبلوه، ولكن ذكروا وقبلوا المضمون; إذاً الحديث صحيح وليس بباطل.

ولم يكن ابن تيمية منفرداً في هذا الرأي، فهذا ابن بطّة العكبري، يقول: ذيل قوله… قال المؤلّف: إنّ الله عزّ وجلّ على العرش، وللعرش أطيط كأطيط الرحل الجديد، وحديث الأطيط معروف، ضعّفه بعض العلماء وحسّنه بعضهم، كشيخ الإسلام ابن تيمية(2).

وقال الدشتي: وممّن احتجّ بهذا الحديث وقبله أو صرّح بصحّته من أهل العلم: محمّد بن إسماعيل البخاري، ومنهم: عثمان بن سعيد الدارمي(3).

وأمّا أتباع ابن تيمية من تلامذته ومن الوهّابية، فقد وافقوا ابن تيمية وساروا على نهجه:

قال ابن قيّم الجوزية:

واذكر حديثاً لابن إسحاق الرضي ذاك الصدوق الحافظ الربّاني
في قصّة استسقائهم يستشفعون إلى الرسول بربّه المنّانِ
فاستعظم المختار ذاك وقال شأن الله ربّ العرش أعظم شاني
الله فوق العرش فوق سماءه سبحان ذي الملكوت والسلطانِ
ولعرشه منه أطيط مثل ما قد أطّ رحل الراكب العجلانِ(4)

وهذا غاية التشبيه; لأنّه يقول: مثل الراكب العجلان، ومع ذلك يقولون: بلا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف.

فابن القيّم يقبل هذا المعنى، وإلا لو لم يقبل أحاديث الأطيط سنداً أو دلالة لَما ضمّنها هذه القصيدة النونية، التي يقولون عنها: إنّها قصيدة التوحيد.

وقال محمّد عبد الوهّاب: وإنّه ليأطّ به أطيط الرحل بالراكب، إنّ عرشه على سماواته لهكذا، وقال بأصابعه مثل القبّة(5).

وقال صالح بن فوزان العبد الله الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، قال في شرحه للأبيات التي شرحها ابن القيّم آنفاً: لعرشه منه أطيط مثلما قد أطّ رحل الراكب العجلان… يقول: وهذا فيه إثبات العلو لله ـ عزّ وجلّ ـ ، وفي الحديث نفسه أخبر (صلى الله عليه وآله): أنّ العرش يأطّ من عظمة الله واستوائه، كما يأطّ الرحل بالراكب.

وإنّما قال ذلك لأنّ الوهّابية لا يعتقدون بالأُمور المعنوية، ويقولون: هذا خلاف الظاهر.

والثقل أساساً لا يكون إلا بجاذبية، فأيّ جاذبية التي تجذب الحق سبحانه وتعالى وتؤثّر على وزنه وثقله ـ تعالى الله عن ذلك ـ ، لأنّهم يقولون: أنّ العرش أعظم من السموات والأرض والله جالس على هذا، فأي جاذبية تستطيع أن تجذب هذا الوزن، فهذا غير ممكن.

وأمّا أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) فقد أسّسوا أساساً وقالوا: ليس المهم أنّ الرواية صحيحة السند، أو أنّها نُقلت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، المهم: انطباقها على الضوابط والمحكمات القرآنية، فإذا لم تنطبق يضرب بها عرض الجدار وإن صحّ سندها.

خصوصاً إذا علمنا بأن قضية الوضع وتدمير وهدم مباني العقيدة الإسلامية كانت في سلّم أوْلويات النهج الأُموي.

إنّ أهل البيت (عليهم السلام) أسّسوا أصلاً أساسياً، وهذا الأصل مستقىً من القرآن الكريم، وهو ما نقله الشيخ الصدوق، عن الإمام الرضا (عليه السلام)، قال «فكلّ ما في الخلق لا يوجد في خالقه، وكلّ ما يمكن فيه يمتنع من صانعه»(6).

فإذا كان في الخلق حدّ فلا يوجد فيه حدّ، وإذا كان في الخلق مكان فلا يوجد له مكان، وإذا كان للخلق ثقل فلا يوجد له ثقل، وإذا كان للخلق علوّ وسفل، وذهاب وإياب، وصعود ونزول، فليس له ذلك; لأنّه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ(7).

وهذه القاعدة أهم أصل في المعارف التوحيدية لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

وفي رواية أُخرى: دخلنا على أبي الحسن علي بن موسى الرضا، فحكينا له أن محمّداً رأى ربّه في صورة الشاب الموفّق في سن أبناء ثلاثين. فخرّ ساجداً لله، ثم قال: «سبحانك ما عرفوك ولا وحّدوك، فمن أجل ذلك وصفوك، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن يشبّهوك بغيرك، يا محمّد! إنّ رسول الله حين نظر إلى عظمة ربّه كان في هيئة الشاب الموفّق، ثم التفت إلينا فقال: ما توهّمتم من شيء فتوهّموا الله غيره، ما توهّمتموه من شيء فتوهّموا الله غيره»(8).

وعن صفوان بن يحيى، قال: سألني أبو قرّة المحدّث أن أدخله على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فاستأذنته، فأذن لي، فدخل، فسأله عن الحلال والحرام، ثم قال له: أفتقرّ أنّ الله محمول؟

فقال أبو الحسن (عليه السلام): «كلّ محمول مفعول به مضاف إلى غيره محتاج، والمحمول اسم نقص في اللفظ، والحامل فاعل وهو في اللفظ مدحة، وكذلك قول القائل: فوق وتحت وأعلى وأسفل، وقد قال الله: ﴿وَلله الأسْماءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا(9)، ولم يقل في كتبه: إنّه المحمول، بل قال: إنّه الحامل في البر والبحر، والممسك السماوات والأرض أن تزولا، والمحمول ما سوى الله، ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قط قال في دعائه: يا محمول».

قال أبو قرّة: فإنّه قال: ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذ ثَمَانِيَةٌ(10) وقال: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ(11)؟

فقال أبو الحسن (عليه السلام): «العرش ليس هو الله، والعرش اسم علم وقدرة، وعرش فيه كلّ شيء، ثمّ أضاف الحمل إلى غيره: خَلْق من خَلْقه; لأنّه استعبد خلقه بحمل عرشه، وهم حملة علمه، وخلْقاً يسبّحون حول عرشه، وهم يعملون بعلمه، وملائكة يكتبون أعمال عباده.. واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته، والله على العرش استوى، كما قال، والعرش ومن يحمله ومن حول العرش والله الحامل لهم، الحافظ لهم، الممسك القائم على كلّ نفس وفوق كلّ شيء، وعلى كلّ شيء، ولا يقال: محمول، ولا: أسفل، قولاً مفرداً لا يوصل بشيء فيفسد اللفظ والمعنى».

قال أبو قرّة: فتكذّب بالرواية التي جاءت: أنّ الله إذا غضب إنّما يُعرف غضبه أنّ الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم، فيخرّون سُجّداً، فإذا ذهب الغضب خفّ ورجعوا إلى مواقفهم؟

فقال أبو الحسن (عليه السلام): «أخبرني عن الله تبارك وتعالى، منذ لعن إبليس إلى يومك هذا هو غضبان عليه، فمتى رضي؟ وهو في صفتك لم يزل غضبان عليه وعلى أوليائه وعلى أتباعه؟!

كيف تجترىء أن تصف ربّك بالتغيير من حال إلى حال، وأنّه يجري عليه ما يجري على المخلوقين؟!

سبحانه وتعالى، لم يزل مع الزائلين، ولم يتغيّر مع المتغيّرين، ولم يتبدّل مع المتبدّلين، ومَن دونه يده وتدبيره، وكلّهم إليه محتاج وهو غني عمّن سواه»(12).

الانطلاق في مسير الهداية:

بعد أن قارن «أحمد» بين الرؤى التي يتبنّاها الشيعة من جهة، وغيرهم من جهة أُخرى، عرف الحقّ، وعلم أنّ التوحيد الحقّ هو التوحيد الذي يحمله آل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، فقرّر أن يتّبع الحقّ، وكان ذلك سنة ١٤٠١ هـ (١٩٨١م) في مالي.

ولتنمية رصيده الديني وفق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) هاجر «أحمد» بعد استبصاره إلى «غانا»، ثم التحق بحوزة قمّ المقدّسة.

____________

1- راجع: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية ٣: ٢٦٨.

2- شرح كتاب الشرح والإبانة على أُصول السنّة والديانة ٢: ٥٧٠.

3- إثبات الحدّ لله عزّ وجلّ وبأنّه قاعد وجالس على العرش: ١٤١.

4- شرح القصيدة النونية ١: ٢٧٧.

5- راجع أُصول الإيمان: ٨ .

6- التوحيد للصدوق: ٤١.

7- الشورى -٤٢-: ١١.

8- الكافي ١: ٢٤٩.

9- الأعراف -٧-: ١٨٠.

10- الحاقة -٦٠-: ١٧.

11- غافر -٤٠-: ٧.

12- الكافي ١: ١٣٠ ـ ١٣٢.