خالد الشمري

خالد الشمري (وهّابي / الكويت)

نشأ في «الكويت» في بيت سنّي معتدل ، إلا أنّه وبعد بلوغ مرحلة الرشد كان يتردّد إلى مسجد تابع للفرقة الوهّابية ، الأمر الذي جعله يتأثّر بأفكارها ، ويصبح وهّابياً متعصّباً ضد المذهب الشيعي .

نفس «خالد» المتعطّشة لنيل الحقيقة لم تدعه يغرق في الأوهام التي أثّرت عليه ، فقرّر أن يذهب ويحاور الشيعة ومن كان يراهم عدوّه العقائدي الأوّل ، وبعد فترة من البحث مع علماء الشيعة ومثقّفيهم ومناقشة مبادئهم بدأت تتغيّر تصوّراته عن المذهب الشيعي .

(عبس وتولّى) :

بعد رحلة شاقة من البحث والتنقيب توقف «خالد» على عدّة محاور قرّبت أفكاره من الرؤية الشيعية ، ومن أهم هذه المسائل أنّه : وجد المخالفين لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) هم من يطعنون برسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لا كما كان يتصوّره من أن الشيعة من يقوم بذلك .

فمن يراجع التاريخ الإسلامي يرى العديد من المواقف التي يتوجّه فيها الطعن للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إكراماً لعائشة ، ولحساب أبي بكر وعمر وعثمان ، وغيرهم ممّن ماثلهم من الأُمويين ، ومن الملفت للنظر أنّ الواضع لكثير من هذه الافتراءات هي عائشة بنت أبي بكر .

ومن جملة ما افترته على رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ادّعاؤها أنّ سورة ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىقد نزلت في ذمّه ! وهو الادّعاء الذي تابعه عليها أبناؤها ، ونشروه عن جهل في أقاصي الأرض ، حتّى بلغ النصارى ذلك ، فقال قائلهم : إن نبيّنا عيسى أفضل من نبيّكم ; لأنّه كان سيّء الأخلاق ، يعبس للعميان ، ويدير لهم ظهره ، بينما نبيّنا عيسى كان يبرىء الأكمه والأبرص(1) .

وثمة أكثر من رواية عن عائشة في هذا المجال . . فمنها : ما رواه الحاكم والطبراني عن مسروق ، قال : «دخلتُ على عائشة وعندها رجل مكفوف تقطع له الأُترُجُّ وتطعمه إياه بالعسل ، فقلت : مَن هذا يا أُمّ المؤمنين ؟ فقالت : هذا ابن أُمّ مكتوم الذي عاتب الله فيه نبيّه (صلى الله عليه وآله) ! قالت : أتى نبيَّ الله وعنده عتبة وشيبة فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهما فنزلت : عَبَسَ وَتَوَلَّى ; ابن أُمّ مكتوم» !(2)

ومنها : ما رواه الترمذي وابن حبّان عن عائشة ، قالت : «أنزل ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى في ابن أُمّ مكتوم الأعمى ; أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فجعل يقول : يا رسول الله أرشدني ، وعند رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل من عظماء المشركين ، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)يُعرض عنه ويُقبل على الآخر ! ويقول : أَترى بما أقول بأساً ؟ فيقول : لا . ففي هذا أُنزل» !(3)

ومنها : ما رواه ابن المنذر وابن مردويه عن عائشة ، قالت : «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مجلس من ناس من وجوه قريش ، منهم : أبو جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، فيقول لهم : أَليس حسناً أن جئتُ بكذا وكذا ؟ فيقولون : بلى والله . فجاء ابن أُمّ مكتوم وهو مشتغلٌ بهم ، فسأله ، فأعرض عنه ! فأنزل الله : أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى ! يعني : ابن أُمّ مكتوم» !(4)

ومن الواضح أنّ عائشة أرادت من وراء إلصاقها سورة (عَبَسَ وَتَوَلَّى)بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الخدش في كمال عصمته وسموّ أخلاقه ، وتصويره بصورة رجل فظّ غليظ يعبس في وجه الفقراء المساكين ، الذين يطلبون منه أن يعلّمهم الدين ، ويتولّى عنهم معرضاً ، فيما يركض وراء الأغنياء غير الأزكياء ، ويُقبل عليهم بكلّ لطف واحترام !

ولسنا ندري كيف انطلت هذه الكذبة على المخالفين ؟ ! وكيف طابت أنفسهم أن يجعلوا المعنيّ بما ورد في السورة من مساوىء الصفات وقبائحها إلى الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) ؟ ! وكيف هضموا أن يكون الخطاب التقريعي الشديد الذي ورد في هذه السورة موجّهاً إلى مَن لم تعرف له البشرية نظيراً في حلمه وتواضعه ومكارم أخلاقه وسجاياه ؟ !

يا الله ! أما مِن رشيد عاقل يتأمّل في آيات هذه السورة ومعانيها ليعرف بداهةً أنّ ما ورد فيها أبعد ما يكون انطباقاً على نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) ؟ !

أفهل يكون نبيّنا هو مَن ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءَهُ الأعْمَى، وهو الذي «ما رُئي إلاّ مبتسماً وما كان يحدّث بحديث إلاّ تبسّم»(5) ، كما نطقت به الأحاديث عن أصحابه ؟ !

أهكذا ينكبّ نبيّنا على المشركين من ذوي المال والجاه ، فيوصف بأنّه : ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى ، فيما يلهو عن الفقراء المساكين الذين يخشون ربّهم وقد جاؤوه يسعون إليه ، فيوصف بأنّه : ﴿وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى ؟ !

أهكذا يكون نبيّنا ، وهو الذي وصفه الله تعالى في كتابه بأنّه : ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ(6) وخاطبه قائلاً : ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظِيم(7) ؟ !

وكان من أمره له قبل ذلك : ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ(8) ، ﴿وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ(9) ، وبعده : ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ(10) ؟ !

فإذا كان آبياً عن أن يزَّكّى بالإسلام ، فجزاؤه الغلظة عليه ، فكيف تصدّى له وانكبّ عليه وفضّله على ذلك المؤمن الأعمى المسكين الذي يخشى ؟ !

حقّاً إنّ هذه أبعد ما تكون عن صفات الأنبياء ، فضلاً عن سيّدهم وخاتمهم (صلى الله عليه وآله) ، وهو الذي نعته أخوه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله : «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)دائم البِشْر ، سهْل الخُلُق ، ليِّنَ الجانب ، ليس بفظٍّ ولا غليظ ، ولا سخّاب ولا فحّاش ، ولا عيّاب ولا مزّاح»(11) .

إنّ هذا هو ما دفع بعض علماء المخالفين إلى الشك في صدق ما جاء عن عائشة وأضرابها في أنّ المعنيّ بهذه الآيات هو النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) . .

ومن هؤلاء : الفخر الرازي : فمع أنّه ذكر في تفسيره إجماع المفسّرين على ذلك ، إذ قال : «أجمع المفسّرون على أنّ الذي عبس وتولّى هو : الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأجمعوا على أنّ الأعمى هو : ابن أُمّ مكتوم»(12) ، فإنّه عاد في كتابه الآخر (عصمة الأنبياء) وشكّك في صحّة ذلك حين رآه يصادم عصمته (صلى الله عليه وآله) وأخلاقه ، فقال : «لا نسلّم أنّ هذا الخطاب متوجّه إلى النبي عليه الصلاة والسلام . لا يُقال : إنّ أهل التفسير قالوا : الخطاب مع الرسول ; لأنّا نقول : هذه رواية الآحاد فلا تُقبل في هذه المسألة ، ثم إنّها معارَضةٌ بأُمور :

الأوّل : أنّه وصفه بالعبوس ، وليس هذا من صفات النبي (صلى الله عليه وآله) في قرآن ولا خبر مع الأعداء والمعاندين فضلاً عن المؤمنين والمسترشدين .

الثاني : وصفه بأنّه تصدّى للأغنياء وتلهّى عن الفقراء ، وذلك غير لائق بأخلاقه .

الثالث : أنّه لا يجوز أن يُقال للنبي : وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى . . فإنّ هذا الإغراء يترك الحرص على إيمان قومه ، فلا يليق بمن بُعث بالدعاء والتنبيه»(13) .

ونضيف ها هنا : أنّ ابن أُمّ مكتوم قد عاش بعد الحادثة المذكورة سنوات طوال ، ومع ذلك لم يرد عنه حتّى خبرٌ واحدٌ يؤكّد ما ذكرته عائشة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، مع أنّه صاحب القصّة والمعنيّ بها ، ولو كانت لحاله مع النبي (صلى الله عليه وآله) حقيقة لبانت على لسانه ، ولمشت بها الركبان .

وإذ تبيّن أنّه لا يمكن أن تكون هذه السورة قد نزلت في ذمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)ومعاتبته ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو : في من إذاً ؟ !

وجواب ذلك إنّما هو عند الأئمّة الأطهار من عترة المصطفى (صلى الله عليه وآله) ، الذين لو كان المخالفون يرجعون إليهم لارتفعت حيرتهم ، ولزال الشك من قلوبهم ، ولاستقام منهاجهم ، ولعرفوا الحقّ من باطلهم !

قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «إنّها نزلت في رجل من بني أُمية كان عند النبي (صلى الله عليه وآله) ، فجاءه ابن أُمّ مكتوم ، فلمّا رآه تقذّر منه وعبس وجمع نفسه وأعرض بوجهه عنه ! فحكى الله ذلك وأنكره عليه»(14) .

إنّ كلّ من وقف على تاريخ بني أُمية وسيرتهم يعلم مدى غرورهم وتكبّرهم على الفقراء والمستضعفين ، سواءً في الجاهلية أو الإسلام ; إذ كانوا يروْن أنفسهم أ شراف قريش الذين لا ينبغي أن يُساوَوا بغيرهم في موقف أو مجلس ، وكان ذلك من أهم دوافعهم لمحاربة الإسلام ، الذي جاء لإزالة هذه الفوارق الطبقية ، ولسان حالهم : «إنّ محمّداً هذا جاء ليساوي بيننا وبين العبيد والأراذل» !

وبملاحظة هذا ، فإنّ ما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، بغضّ النظر عن أي اعتبار آخر ، يكون أقرب إلى التصديق ; فالصفات التي وردت في سورة (عبس) أقرب إلى صفات بني أُمية ، وأبعد عن صفات خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله) ، الذي كان يجالس الفقراء ويتواضع للمساكين والمستضعفين حتّى شهد بذلك المؤالف والمخالف والعدوّ والصديق .

فمن هو ذلك الرجل من بني أُمية ؟

إنّ جواب هذا نجده في رواية علي بن إبراهيم القمّي (رضوان الله تعالى عليه) ; إذ جاء في تفسيره لقوله تعالى : ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءَهُ الأعْمَى ما نصّه : «نزلت في عثمان وابن أُمّ مكتوم ، وكان ابن أُمّ مكتوم مؤذّناً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان أعمى ، وجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعنده أصحابه وعثمان عنده ، فقدّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله)على عثمان ، فعبس عثمان وجهه وتولّى عنه ، فأنزل الله : عَبَسَ وَتَوَلَّى ; يعني عثمان ، أَن جَاءَهُ الأعْمَى ; وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ; أي يكون طاهراً أزكى ، أَوْ يَذَّكَّرُ ; يذكّره رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى . .

ثم خاطب عثمان ، فقال : أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى ; قال : أنت إذا جاءك غنيّ تتصدّى له وترفعه ، وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى ; أي لا تبالي زكياً كان أو غير زكي إذا كان غنياً ، وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى ; يعني : ابن أُمّ مكتوم ، وَهُوَ يَخْشَى فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى ; أي تلهو ولا تلتفت إليه»(15) .

إنّ الذي درس شخصية ونفسية عثمان بن عفّان الأُموي يرى ما جاء في هذه الرواية أقرب إلى صفاته المعهودة ; فقد كان رجلاً ورث التكبّر والتعالي من بني أُمية . . ولا أدلَّ على ذلك ممّا كان منه يوم بناء مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ; ففي حين كان النبي (صلى الله عليه وآله) وبقية أصحابه قد وضعوا أثوابهم يعملون ويبا شرون الطين والتراب ، كان عثمان يحمل اللَّبنة متأفّفاً ويجافي بها عن ثوبه لئلاّ يصيبه شيء من ترابها وغبارها ! وكان ذلك مثار سخرية أمير المؤمنين (عليه السلام) ، الذي نظم في تحقيره بيتين من الشعر ، تلقّاهما عمّار بن يا سر (رضي الله عنه) وارتجزهما ، فما كان من عثمان إلاّ أن توجّه إليه شاتماً ومهدّداً ، فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) ودافع عن عمّار قائلاً : «عمّار جلدة ما بين عينيَّ وأنفي» !(16)

إنّ الحقيقة هي : أنّ سورة (عبس) قد نزلت في ذمّ عثمان بن عفّان ، ولهذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) يعرِّضُ به حين يرى ابن أُمّ مكتوم ; فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رأى عبد الله بن أُمّ مكتوم قال : مرحباً ; لا والله لا يعاتبني الله فيك أبداً ! وكان يصنع به من اللطف حتّى كان يكفُّ عن النبي (صلى الله عليه وآله) ممّا يفعل به»(17) .

ويبدو أنّ عائشة أرادت قلب هذه الحقيقة بإلصاق ما جاء في هذه السورة من شديد التقريع والذم إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ! ويبدو كذلك أنّ حديثها هذا جاء في فترة الوئام ما بينها وبين عثمان ; إذ أسدت له هذه الخدمة التي أبرأته ممّا ثبت نزوله فيه ! وإلا فإنّ العلاقة بينهما كانت قد تعكّرت لاحقاً لأسباب مالية ، فأخرجت عائشة فضائح عثمان ، وحدّثت بمثالبه ، حتّى أفتت بقتله !

أمّا في فترة الوئام ودفء العلاقة ، فقد صرفت عائشة ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى عن عثمان إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ! كما اختلقت لأجل عينيّ عثمان حديثاً شائناً يجري هذا المجرى ، أي : رفع شأن عثمان وتنقيص شأن النبي (صلى الله عليه وآله) والطعن في أخلاقه !

ذلك الحديث هو : الذي رواه مسلم : عن عائشة ، قالت : «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)مضطجعاً في بيتي ، كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه ، فاستأذن أبو بكر ، فأذن له وهو على تلك الحال ، فتحدّث ، ثم استأذن عمر ، فأذن له وهو كذلك ، فتحدّث ، ثم استأذن عثمان ، فجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسوّى ثيابه ! فدخل فتحدّث ، فلمّا خرج ، قالت عائشة : دخل أبو بكر فلم تَهتَشَّ له ولم تُبالِه ! ثم دخل عمر فلم تَهتَشَّ له ولم تُبالِه ! ثم دخل عثمان فجلست وسوَّيتَ ثيابك ؟ فقال : ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة»(18) !

وهذا الحديث المكذوب هو كما ترى يؤدّي بك إلى الاعتقاد بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله)كان متهتّكاً لا يستحي ; إذ يأذن للرجال بدخول بيته وهو مضطجع ، كاشف عن فخذيه أو ساقيه ، وإلى جواره امرأته !(19) أمّا حين يدخل عثمان فإنّه يضطر إلى تسوية ثيابه حياءً منه ; لأنّ عثمان رجلٌ حييّ ، وتفوّق في حياته على الملائكة ، حتّى أنّها لتستحي منه ! ولا ندري أين ذهب حياء الملائكة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه ؟ !

كما لا ندري كيف يكون عثمان رجلاً حييّاً وهو الذي طفحت كتب التاريخ والتراث بشتائمه ونيله من أُمّهات الناس ، وذكرهنّ بسوء ، حتّى أنّه نال من أُمّ عمّار بن يا سر السيّدة سمية (رضوان الله تعالى عليها) ، وهي أوّل شهيدة في الإسلام !

فقد روى البلاذري : أنّ عمّاراً لمّا اعترض على عثمان ، لأخذه من بيت مال المسلمين حليّاً وجواهر أهداهنّ إلى أهله بغير وجه حق ; قال عثمان لعمّار : «أَعلَيَّ يابن المتّكاء تجترىء ؟ !» ، ثم أمر به ، فضُرب وعُذِّبَ حتّى غُشيَ عليه(20) !

والمتّكاء هي : المرأة البظراء المفضاة التي لا تمسك البول(21) ! فهكذا كان عثمان يشتم أوّل شهيدة في الإسلام ، وينال من أُمّ أحد أكبر أجلاّء أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) !

وهكذا كان عثمان حييّاً «تستحي منه الملائكة» بزعم عائشة !

الاستبصار بعد الوقوف على الواقع :

بعد ما يقارب السنتين من البحث والتنقيب في مصادر أهل السنّة ، والوقوف على ما قامت به يد التحريف للنيل من الإسلام النبوي بالصبغة العلويّة ، أعلن «خالد» عن استبصاره والتحاقه بركب شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ، وكان ذلك عام ١٤٢٧ هـ في دولة الكويت(22) .

____________

1- مؤتمر علماء بغداد : ١٢٩ .

2- مستدرك الحاكم ٣ : ٦٣٤ ، والمعجم الأوسط للطبراني ٩ : ١٥٥ . والأُترج : ثمر طيّب يقطع بالسكين .

3- سنن الترمذي ٥ : ١٠٤ ، وصحيح ابن حبّان ٢ : ٢٩٤ .

4- الدر المنثور للسيوطي ٦ : ٣١٤ عن ابن المنذر وابن مردويه . هذا وقد ذكرت هذه الفرية أيضاً عن أنس بن مالك وابن عباس حسب روايات منسوبة إليهما ، والظاهر أنّها راجعة إليها ; لأنّهما كانا صبيّين صغيرين .

5- تاريخ مدينة دمشق ٤ : ٤٦ ، مجمع الزوائد ١ : ١٣١ ، وسبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي : ١٢١ .

6- التوبة -٩- : ١٢٨ .

7- القلم -٦٨- : ٥ .

8- الحجر -١٥- : ٨٨ .

9- الأنعام -٦- : ٥٢ .

10- التوبة -٩- : ٧٣ .

11- تاريخ مدينة دمشق ٤ : ٤٥ .

12- تفسير الرازي ١ : ٣٥٣ .

13- عصمة الأنبياء : ١٠٨ .

14- مجمع البيان للطبرسي ١٠ : ٢٦٦ ، ونحوه في التبيان للشيخ الطوسي ١٠ : ٢٦٩ .

15- تفسير القمي ٢ : ٤٠٥ ، وعنه بحار الأنوار ١٧ : ٨٥ .

16- روى ابن عبد ربّه الأندلسي في العقد الفريد ٢ : ١١٣ عن أُمّ سلمة رضوان الله تعالى عليها : «لمّا بَنى رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) مسجدَه بالمدينة ، أمر باللَّبِن يُضرب وما يُحتاج إليه ، ثم قام رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) فوَضع رداءه ، فلمّا رأى ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا أرديتهم وأكسيتهم يرتجزون ويقولون ويعملون :

لئن قَعدنا والنبيّ يَعملُ ذاك إذن لعملٌ مُضلّلُ

قالت : وكان عثمان بن عفّان رجلاً نظيفاً مُتنظِّفاً ! فكان يَحمل اللَّبنة ويُجافي بها عن ثوبه ، فإذا وَضعها نفض كفّيه ونظَرَ إلى ثوبه ، فإذا أصابه شيء من التراب نَفَضه ! فنظر إليه علي رضي الله عنه فأنشده :

لا يَستوي مَن يَعمُر المساجدا يَدْأبُ فيها راكعاً وساجدَا

 

وقائماً طَوْراً وطوْراً قاعدَا ومَن يُرى عن التَّراب حائدَا !

فسمعها عمَّارُ بن يا سر ، فجعل يَرتجزها وهو لا يدري من يعني فَسمعه عثمانُ ، فقال : يابن سُميَّة ! ما أعْرَفني بمَن تُعَرِّض ! ومعه جريدة ، فقال : لتكفّنَّ أو لأعترضنَّ بها وجهَك ! فسمعه النبي (صلى الله عليه وآله) وهو جالس في ظِل حائط ، فقال: عمَّار جِلْدة ما بين عَينيّ وأنفي ، فمن بَلغ ذلك منه فقد بلغ منّي ، وأشار بيده فوَضعها بين عينيه» .

17- مجمع البيان للطبرسي ١٠ : ٢٦٦ .

18- صحيح مسلم ٧ : ١١٦ وغيره كثير . وتهتشّ : تنشط له وترتاح ، والمعنى : أنّك لم تعامل أبا بكر وعمر بمثل ما عاملت به عثمان من الاحترام .

19- هذا مع أنّ الفخذان عورة بين الرجال عند جمهور أهل السنة .

20- أنساب الأشراف ٥ : ٤٨ .

21- راجع : لسان العرب ١٠ : ٤٨٥ .

22- تمَّ إعلان «خالد» عن استبصاره في أحد مجالس أهل البيت (عليهم السلام) في دولة الكويت ، كما نُقل ذلك عن موقع «القطرة» بتاريخ ١٦ شعبان لعام ١٤٢٧ هـ .