عصام صالح الجنابي

عصام صالح الجنابي (شافعي / العراق)

ولد عام ١٣٧٦هـ (١٩٥٧م) في بغداد، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، واصل دراسته حتّى تخرّج من كليّة العلوم قسم الجيولوجيا، استبصر عام ١٤٠٨هـ (١٩٨٨م) نتيجة مطالعته للعديد من الكتب والمصادر الدينيّة، ولاسيّما نتيجة قراءته كتاب «ثمّ اهتديت» للدكتور التيجاني السماوي.

التاريخ أسود مظلم:

قرأ «عصام» في كتاب التيجاني: قال عبد المنعم: أنتم إخواننا أهل السنّة والجماعة تركتم اللبّ وتمسّكتم بالقشور.

فقال التيجاني غاضباً منقبضاً ]قبل استبصاره[: كيف تمسّكنا بالقشور وتركنا اللبّ؟

فهدّأني وقال:… يا أخ السماوي، هل تعرف التاريخ الإسلامي؟

وأجبت في غير ترّدد بنعم، وفي الحقيقة ما عرفت من التاريخ الإسلامي قليلاً ولا كثيراً ; لأنّ أساتذتنا ومعلّمينا كانوا يمنعوننا من ذلك، مدّعين بأنّه تاريخ أسود مظلم لا فائدة من قراءته(1).

وهذه العبارة الأخيرة ملفتة للنظر، ولا توجد أيّة شبهة بأنّ الدين الإسلامي دين إلهي متكامل من جميع الجهات، وهو قادر على تلبية متطلّبات الناس، وجاء ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، وجاء ليأخذ بيد البشريّة إلى أسمى درجات الكمال.

وأمّا التاريخ الإسلامي أو بعبارة أصحّ تجسيد الدين الإسلامي علماً من الواقع فإنّه لا شكّ يتضمّن صفحات سوداء كثيرة، وبمجرّد رحيل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)نجد بأنّ أمر الأُمّة تغيّر تغيّراً جذرّياً، وأخذت الأُمّة بالانحسار، وهيمنت الظلمة عليها، وبعد تنحية أهل البيت(عليهم السلام) عن قيادة الأُمّة ازداد الظلم، وهتك الحرمات، ونهب الأموال، وابتزاز الحقوق، وتعامل أهل البيت(عليهم السلام) مع الوضع الحاكم معاملة المعارض، وهذا ما دعى الحكام إلى محاولة القضاء على كلّ ماله صلة بأهل البيت(عليهم السلام).

واستمرّ الأمر حتّى وقعت فاجعة كربلاء وقُتل الإمام الحسين(عليه السلام) بأبشع صورة، واستمرّ القتل والتشريد والتهجير والتعذيب لأهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم من قِبَل حكّام بني أُميّة، ثمّ جاء بعدهم بنو العبّاس فأسرفوا في ابتزاز حقّ أهل البيت(عليهم السلام)وإقصائهم عن مكانتهم، بل أولعوا فيهم سجناً وقتلاً وتشريداً، وهكذا استمرّ تاريخ المسلمين إلى يومنا هذا الذي لم يبق فيه من الإسلام إلاّ اسمه ومن معالمه إلاّ رسمه.

ولهذا عندما يمعن الباحث النظر في تاريخ المسلمين وأحداثه فإنّه يجد فيه ما يُدمي القلب.

ونجد أنّ الوهّابيّة حاولت إخفاء حقائق التاريخ وإظهاره بالمظهر الحسن..

والجدير بالذكر أنّ أول نقطة سوّدت صفحات التاريخ هي أفعال بعض الصحابة، وإذا عرف المسلم ذلك فإنّه سيتبيّن له لماذا أكّد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث الثقلين على القرآن وأهل البيت(عليهم السلام) ; لأنّ الطريق الصحيح بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هو طريق أهل البيت(عليهم السلام).

وقد حاول بعض أهل السنّة إبراز صفحات التاريخ مشرقة، منهم عثمان الخميس في كتابه كشف الجاني(2) فقد حاول المؤلّف أن ينسب تشويه التاريخ إلى الشيعة حسب زعمه، والذي يدلّ على أنّ التاريخ الإسلامي فيه صفحات سوداء كثيرة، أنّ أوّل ما فوجئ به المسلمون بعد مرض النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أدّى إلى ارتحاله أنّه وجّه بالافتراء عليه والقول بأنّه يهجر، والقائل هو عمر بن الخطاب(3)، وهذه الكلمة أوجدت الاختلاف بين المسلمين.

ثمّ بعد وفاة النبيّ وقع الاختلاف على خلافته(صلى الله عليه وآله وسلم) وكاد المسلمون أن يتقاتلوا، وأوقعت الفرقة بين المهاجرين والأنصار، وبرزت الأحقاد والنزعات القوميّة، حتّى كاد أن ينسى الإسلام بتاتاً، ووقف بنو هاشم وعلى رأسهم الإمام علي(عليه السلام) بوجه السقيفة متمسّكين بوصيّة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)(4).

وقام أصحاب السقيفة بالهجوم العنيف على معارضيهم ومخالفيهم وبلغ بهم الأمر أن هجموا على دار الإمام علي(عليه السلام) وكانت الزهراء في الدار، وهدّدوا فاطمة بأنواع التهديدات، ثمّ شعلوا النار حول الدار(5).

وقام أصحاب السقيفة بعد ذلك باغتيال سعد بن عبادة المعارض الأوّل لخلافة أبي بكر(6).

وقام أبو بكر بالأمر وقال: «وليتكم ولست بخيركم… إنّ لي شيطاناً يعتريني فإذا غضبت فاجتنبوني»(7).

ثمّ ولّى الخلافة عمر بن الخطاب، وكان كما يصفه ابن أبي الحديد بقوله: «كان عمر شديد الغلظة، وعر الجانب، خشن الملمس، دائم العبوس»(8).

وقال ابن أبي الحديد في موضع آخر حول عمر بن الخطاب: «كان سريعاً إلى المساءة، كثير الجبة والشتم والسبّ لكلّ أحد، وقلّ أن يكون في الصحابة مَن سلم من معرّة لسانه أو يده، ولذلك أبغضوه وملّوا أيّامه»(9).

واستخدم عمر بن الخطاب العنف في حياته مع الصحابة فضلاً عن غيرهم، وقام بمنع تدوين الحديث النبوي الشريف، فقضى المسلمون في خلافته بحيث رآه الإمام علي(عليه السلام) كاذباً آثماً غادراً خائناً(10).

وأمّا عثمان فقام بعد خلافته بمخالفة السنن، وأصدر مرسوماً بمنع الحديث،وضرب الصحابة كعمّار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وغيرهم، وحمل بني أُميّة على رقاب الناس، وقرّب الحكم بن أبي العاص وأغدق عليه بالأموال بعدما أرجعه إلى المدينة، والحكم هذا كان قد طرده رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة، ولعنه ومن في صلبه، وسمّاه وزغاً(11).

ووّلى عثمان الأمصار الفسّاق الفجّار، فولّى عبد الله بن أبي سرح أخاه لأمّه من الرضاعة وأعطاه ولاية مصر، وعبد الله بن أبي سرح أسلم ثمّ ارتدّ وأباح النبيّ دمه لكن عثمان استأمنه، ولمّا استخلف ولاّه مصر(12).

واستعمل عثمان الوليد بن عقبة على الكوفة، وكان يشرب الخمر وهو الذي نزل قرآن بفسقه حيث قال تعالى: (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ) فإنّها نزلت في الوليد(13).

وولى عثمان أموره إلى مروان بن الحكم حتّى أوقعه في الهاوية(14).

ثمّ ثار الصحابة ثورتهم المعروفة بقيادة عبد الرحمن بن عديس البلوي الصحابي الرضواني والجهجا الغفاري الصحابي الرضواني، وطلحة بن عبيد من العشرة المبشّرين بالجنّة وغيرهم من الصحابة الأجلاّء ضدّ عثمان وقتلوه في داره.

وبعد قتله قام باغية آل بني سفيان رافعاً قميص عثمان، ومطالباً بالخلافة، وهيّج أهل الشام، فخرج على إمام زمانه علي بن أبي طالب(عليه السلام) وحاربه، وفي هذه الحرب قتل أصحاب معاوية عمّار الذي قال فيه رسول الله: ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار»(15).

وبعد أن استولى معاوية على الحكم وذلك بعد استشهاد الإمام علي(عليه السلام) أخذ بسفك دم الأبرياء وسبي النساء، وقد ورد:

«أنّ معاوية بن أبي سفيان أرسل بسر بن أبي أرطاة القرشي ثمّ العامري في جيش من الشام حتّى قدم المدينة وعليهم يومئذ أبو أيّوب خالد بن زيد الأنصاري صاحب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فهرب منه أبو أيّوب إلى علي(عليه السلام) بالكوفة، فصعد بسر منبر المدينة ولم يقاتله بها أحد، فجعل ينادي: يا زريق، يا نجار، شيخ سمح عهدته هاهنا بالأمس – يعني عثمان -.. وجعل يقول يا أهل المدينة، والله لولا ما عهد إليّ أمير المؤمنين – يقصد معاوية – ما تركت بها محتلماً إلاّ قتلته…، وهدم بسر دوراً بالمدينة.. ثمّ مضى إلى اليمن وعليها يومئذ عبيد الله بن العبّاس بن عبد المطلب، عاملاً لعليّ بن أبي طالب.. وكانت عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان قد ولدت من عبيد الله غلامين من أحسن صبيان الناس أوضئه وانظفه فذبحهما ذبحاً»(16).

وورد أيضاً: «أغار بسر بن أرطاة على همدان وسبى نساءهم، فكنّ أوّل مسلمات سبين في الإسلام، وقتل أحياء من بني سعد».

حدّث أبو سلامة عن أبي الرباب وصاحب له أنّهما سمعا أبا ذر يدعو ويتعوّذ في الصلاة صلاّها أطال قيامها وركوعها وسجودها.

قال: فسألناه، ممّ تعوّذت وفيم دعوت؟

فقال: تعوّذت بالله من يوم البلاء ويوم العورة.

فقلنا: وما ذاك؟

قال: أمّا يوم البلاء فتلتقي فتيان من المسلمين فيقتل بعضهم بعضاً.

وأمّا يوم العورة فإنّ نساء من المسلمات ليسبين فيكشف عن سوقهن، فأيّتهنّ كانت أعظم ساقاً اشتريت على عظم ساقها، فدعوت الله ألاّ يدركني هذا الزمان ولعلّكما تدركانه.

قال: فقتل عثمان، ثمّ أرسل معاوية بسر بن أحمد بن أرطاة إلى اليمن فسبى نساء مسلمات فأقمن في السوق»(17).

وأمّا معاوية، فإنّه قتل عبد الرحمن ابن عديس البلوي الرضواني الذي تزعّم الحملة العسكريّة ضد عثمان، وبعدما استولى معاوية على الأمور هرب إلى فلسطين، فقتلوه هناك(18).

وقتل معاوية عمرو بن الحمق الخزاعي الذي شارك في الهجوم على عثمان وهو صحابي معروف وقطع رأسه ليكون أوّل رأس يحمل في الإسلام(19).

كما قام معاوية بمحاصرة الأنصار اقتصاديّاً وسياسيّاً، ويبدو أنّ هذه المحاصرة كانت منه انتقاماً منهم إزاء حرب بدر وأحد.

ولمّا قرب هلاك معاوية أدلى بالأمر إلى ابنه يزيد الذي كان «ناصبيّاً، فظّاً غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين(عليه السلام)، واختتمها بواقعة الحرّة، فمقته الناس ولم يُبارك في عمره»(20).

وورد: «كان ليزيد بن معاوية قرد يجعله بين يديه ويكنّيه أبا قيس ويقول: هذا شيخ من بني إسرائيل أصحاب خطيئة فمسخ، وكان يسقيه النبيذ ويضحك ممّا يصنع، وكان يحمله على إتان وحشيّة ويرسلها مع الخيل»(21).

السبيل للتخلّص من الفتن:

يقول «عصام»: اطّلعت على التاريخ الإسلامي، فعرفت أنّ التمسّك بأهل البيت(عليهم السلام) هو الطريق الوحيد للتخلّص من الفتن التي حلّت بالأمّة الإسلاميّة.

وكلّ من يطالع التاريخ الإسلامي يجد بوضوح بأنّ مذهب أهل السنّة مذهب حكومي، ترعرع في أحضان الحكومات الجائرة، واستمدّ منها وجوده، وقد غيّرت هذه الحكومات الكثير من الدين من أجل تحقّق مآربها ومصالحها السياسيّة الدنيويّة.

وبقى أهل البيت(عليهم السلام) المعارضة الوحيدة التي حفظت معالم الدين وصانته من التحريف ; ولهذا يجدر بكلّ مسلم أن يتأمّل في تراث أهل البيت(عليهم السلام) ويجعله المعتمد الوحيد في معرفة ما جاء به الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم).

____________

1- ثمّ اهتديت، الدكتور التيجاني السماوي، تحقيق مركز الأبحاث العقائديّة: ٣٧.

2- كشف الجاني، عثمان الخميس: ٥٢.

3- انظر صحيح البخاري ٥: ١٣٨، مسند أحمد ١: ٣٢٥.

4- انظر تاريخ الطبري ٣: ٤٤٣، الكامل في التاريخ لابن الأثير ٢: ٣٢٥.

5- المصنف لابن شيبة ٨: ٥٧٣.

6- المصنف للصنعاني ٣: ٥٩٧.

7- المصنف للصنعاني ١١: ٣٣٦.

8- شرح نهج البلاغة ٦: ٣٢٧.

9- شرح ابن أبي الحديد ٢٠: ٢١.

10- انظر: صحيح مسلم ٥: ١٥٢.

11- انظر: تاريخ الإسلام للذهبي ٣: ٣٦٥.

12- انظر: سير أعلام النبلاء ٣: ٣٤.

13- الاستيعاب لابن عبد البر ٤: ١٥٥٣.

14- انظر: البداية والنهاية لابن كثير ٨: ٢٨٢.

15- تهذيب الكمال للمزي ٤: ٦٤.

16- تهذيب الكمال للمزي ٤: ٦٤.

17- الاستيعاب لابن عبد البر ١: ١٦١.

18- الإصابة ٤: ٢٨٢.

19- الإصابة ٤: ٥١٤.

20- سير أعلام النبلاء ٤: ٣٧.

21- أنساب الأشراف للبلاذري ٤: ٢.