حاج بابا قزويني يزدي

حاج بابا قزويني يزدي (يهودي / إيران)

عالم كبير من علماء اليهود في يزد وهي من محافظات إيران وقد كان من البارزين فيهم أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر الهجريين.

يقول حاج بابا: كان أبي (إسماعيل) من كبار العلماء في دين اليهود، وكان محطّ احترامهم، يعترفون له بالفضل والتقوى، واشتغل طوال عمره في مطالعة كتب الأنبياء السابقين والعلماء اللاحقين، وكان يتحرّى الصواب، ويبحث عن الحقيقة، ويحاول التمييز بين الحقّ والباطل فيما يقرأ، حتّى شملته العناية الالهية وتوفّق في الهداية إلى دين الإسلام، وقد تعجّب من ذلك جماعة اليهود، ولاموه على ذلك كثيراً لمّا أورده إسلامه عليهم من فضيحة دينهم، لكنه كان يجيبهم أنّه اهتدى إلى دين الحقّ الذي يأمل أن ينجيه يوم القيامة، ولم يكن حبّاً في مال أو طمعاً في جاه.

وكنت أنا في ذلك الوقت شاباً استفدت من كلام أبي وتعجّبت من عناد اليهود في قبول الإسلام رغم مناظرات أبي الجادّة معهم، وإقامة الحجّة عليهم من التوراة والكتب الأخرى، فتركت قومي ولجاجهم وتشرّفت بدين محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)وعرفت أنّه الدين الحقّ الخاتم، وركبت سفينة النجاة وتمسّكت بالثقلين.

كتابه:

ألّف كتاباً ردّ فيه على بعض ادعاءات اليهود المخالفة للواقع، وبيّن الصواب فيها، وقد أسماه “محضر الشهود في ردّ اليهود”، صدر محققاً سنة 1420هـ (1378هـ ، ش)، حقّقه: حامد حسن نواب، ونشرته مؤسّسة النشر الثقافية حضور/ قم في 256 صفحة من القطع الرقعي وكان المؤلّف قد فرغ من تأليفه في شهر رمضان المبارك سنة 1211هـ ، ق كما ذكر ذلك في آخر الكتاب.

يتألّف الكتاب من سبعة أبواب:

الباب الأوّل: ما وعد به الله سبحانه إبراهيم(عليه السلام) وأولاده، وإثبات شأن إسماعيل(عليه السلام).

الباب الثاني: إخبار الأنبياء بنبوة النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّه من غير بني إسرائيل .

الباب الثالث: في ذكر علامات ظهور النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في كتب الأنبياء.

الباب الرابع: في ذكر أخبار عيسى(عليه السلام) وإيراد ما قاله عنه الأنبياء السابقون.

الباب الخامس: في ذكر الآيات والأخبار التي تذكر تفضيل بني إسرائيل ومعانيها.

الباب السادس: ما ورد من الذم (من الله والأنبياء) في بني إسرائيل.

الباب السابع: في ذكر ما يناسب هذه الرسالة.

صفات اليهود في القرآن:

أنعم الله سبحانه وتعالى بنعم كثيرة ومخصوصة على بني إسرائيل، ولكنهّم في كثير من الأحيان لم يرتفعوا بأنفسهم إلى مستوى النعم الإلهية، قال تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}(1) حيث نرى أنّ النعمة قد ارتقت بهم إلى مستوى تفضيلهم على بقية الناس، لكن هذا التفضيل لم يكن مطلقاً، فقد ذكر القرآن في آية مشابهة: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}(2).

فهذا التفضيل مشروط بالوفاء بالعهد مع الله والخوف منه، لكن تاريخ اليهود قد سجّل عدم الوفاء بالعهد الإلهي، قال تعالى: {وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِر بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}(3)، وقال سبحانه: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(4).

اغترّ اليهود بنعم الله التي أنعم بها عليهم، فصاروا يرون لأنفسهم حقوقاً ما أنزل الله بها من سلطان، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء}(5) وادّعوا لأنفسهم الغفران الإلهي، وإنّ أذنبوا ما أذنبوا; لأنّهم أحبّاء الله، فردّ عليهم القرآن: بأن لا قرابة لأحد مع الله، بل كلّ البشر سواسية، وكلٌّ إنسان مقرون بعمله وايمانه، قال تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَر أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً}(6).

ثمّ إنّهم بعد كلّ ما أولاهم الله من نعم نراهم اتهموا الله بالبخل، فدفعهم ذلك إلى الطغيان والكفر، وإلقاء العداوة والبغضاء فيما بينهم، وايقادهم نار الحروب، وسعيهم في الأرض فساداً، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}(7). ووصف القرآن اليهود بنقض المواثيق والعهود مع الله، قال تعالى: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(8)، وقال تعالى: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ}(9)، وهكذا انجرّ بهم الأمر إلى تكذيب الأنبياء وقتلهم، ومن ثمّ سهّل عليهم موالاة الكفار ومعاداة المؤمنين، قال تعالى: {تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللّه والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ…}(10)، وكانت النتيجة عدم اتّباعهم للأنبياء أن اتبعوا الشياطين، قال تعالى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ…}(11)، وهكذا يضاف السحر إلى قائمتهم السوداء بعد أن كانوا مفضلين على العالمين، قال تعالى: {…وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}(12) وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً}(13) وقال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}(14).

____________

1- البقرة (2) : 47.

2- البقرة (2) : 40.

3- البقرة (2) : 41 ـ 42.

4- البقرة (2) : 44.

5- المائدة (5) : 18.

6- النساء (4) : 123 ـ 124.

7- المائدة (5) : 64.

8- الأعراف (7) : 169.

9- المائدة (5) : 70.

10- المائدة (5) : 80 ـ 82.

11- البقرة (2) : 102.

12- البقرة (2) : 102 ـ 103.

13- الجمعة (62) : 5.

14- البقرة (2) : 74.