رامي عبد الغني يوزبكي

نبذة عن حياة المستبصر العراقي رامي عبد الغني يوزبكي: 

مولده ونشأته : ولد عام 1959م بمدينة ” الموصل ” في العراق ، من أسرة تنتمي إلى المذهب الحنفي ، وكعادة باقي أقرانه واصل الدراسة الأكاديمية حتى حصل على شهادة البكالوريوس في كلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة الموصل ، تشرف باعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عام 1987م في ” ايران ” عبر دراسات مستوفية ومناقشات علمية جادة.

أثر مرقد الامام الحسين (عليه السلام) في الوجدان : كانت بداية غرس مبادئ التشيع في قلبه عام 1979م ، إذ وفق الأستاذ لحج بيت الله الحرام ، فتوجه من مدينته ” الموصل ” إلى الديار المقدسة ، وفي تلك الرحلة كانت له وقفة في مدينة ” كربلاء ” ، فزار تلك المدينة وشاهد لأول مرة مرقد الامام الحسين (عليه السلام) فلفت ذلك الحرم الطاهر انتباهه ، ورأى زوار مرقد شهيد كربلاء كيف يفدون على ضريحه بلهفة وشوق ، وكيف يؤدون رسوم زيارتهم بوعي معبر عن عمق ارتباطهم بنهج صاحب القبر ، ولمس بروحه كيف تنطوي زيارة الزائرين على تأصيل حالة ولائهم للامام الحسين (عليه السلام) وكيف يجسدون حبهم لرمز مسيرتهم ، وكيف يستلهمون من ذلك المشهد العطاءات التربوية التي تشدهم إلى تاريخهم المشرق.

 

كما وجد أن الزوار يرسخون بزيارتهم فهمهم لأبعاد شخصية الامام الحسين (عليه السلام) ومكارم أخلاقه واخلاصه لله ، ويفتحون بذلك ذاكرتهم على الاحداث التي حلت بالحسين وأصحابه ليستلهموا منها الدروس والعبر ، وأبهره ذلك المنظر ، فلم يكتف بالمشاهدة السطحية ، بل تناول أحد كتب الزيارة التي يقرؤها الزوار ليرى محتواها ويطلع على مضامينها ، وليلمس بنفسه الدافع الذي جعل هؤلاء الوافدين يتفاعلون من أعماق أنفسهم مع صاحب هذا القبر.

 

فغاص في معاني زيارة الحسين (عليه السلام) والأدعية الخاصة بالزيارة ، وإذا به يجدها مفردات تزخر بثروة هائلة من النماذج التي تحفز مفاهيم الحياة الفردية والاجتماعية على المستوى التربوي ، وذلك عبر تعزيز فهم الزائر لأبعاد شخصية الامام الحسين (عليه السلام) ودوره في تبليغ الرسالة وتجسيد معانيها ، وأكثر أمر لفت انتباهه في الزيارة عبارة ” السلام عليك يا ثأر الله “.

 

الامام الحسين (عليه السلام) ثار الله : يقول الأستاذ رامي : جعلتني هذه الكلمات أتأمل في معانيها وقلت في نفسي : لابد وأن تكون لصاحب هذا المقام منزلة وشأن عظيم عند الله تبارك وتعالى ليكون ثأره عز وجل ، فان الثأر هو الدم والطلب به ، ومعنى ثأر الله هو الدم المنسوب إلى الله تعالى ، ويعني أن هذا الدم مكرم وعظيم وله امتياز عند الله ، كما نقول : بيت الله ، لتمييزه عن غيره من الأماكن.

 

وفي الحقيقة أن نسبة ثأر الحسين (عليه السلام) إلى الله عز وجل لاغبار عليها ، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي هو صفوة الخلق ، قال : ” حسين مني وأنا من حسين ” ، فإذا كان الحسين (عليه السلام) من الرسول (صلى الله عليه وآله) والرسول من صفوة الله عز وجل ، فمعناه أن الحسين (عليه السلام) أيضا من الذين اصطفاهم الباري من بين خلقه ، فهو تعالى وليهم وهو صاحب الثأر لدمائهم ، ونسبة ثأر الحسين (ص) إلى الله واضحة ، فالامام الحسين (عليه السلام) وريث الأنبياء (عليهم السلام) كما ورد في زيارته : ” السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله ، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله ، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله ، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله ، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله ، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله … ” ، والأنبياء سفراء الله على أرضه وحججه على خلقه ، فسفك دمائهم تعدي على حرمة الله ، والطالب بثأرهم هو الله جل وعلا ، فقتل الحسين (عليه السلام) يعني قتل للصفوة وللنبوة وللخلة وللكلمة وللروح وللمحبة الالهية.

وحيث أن الامام الحسين (عليه السلام) ثار الله يستوجب على كل مسلم أن يجد نفسه معنيا بهذا الأمر ، فيسعى لاحياء ما ضحى الامام الحسين (عليه السلام) بنفسه من أجله ، وأن يتذكر مظلومية عترة الرسول (صلى الله عليه وآله) وما لاقته من ظلم واضطهاد بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ليوفر لنفسه بذلك أجواء يندمج فيها روحا وفكرا مع القيم والمبادئ والأفكار التي حملها صاحب الشهادة ، وضحى من أجل ترسيخها في النفوس ، فقدم الغالي والنفيس في سبيل اعلاء كملة الله عز وجل.

 

بوادر التعرف على التشيع : يقول الأستاذ رامي : لم أكن من قبل مطلعا بصورة وافية على مذهب التشيع ، ولكن هذا الموقف أثار في نفسي المحفز لأكون أكثر إلماما بهذا المذهب ، فمن ذلك الحين اندفعت لمعرفة المزيد من المعارف التي ينتمي اليها هؤلاء الشيعة ، ولم يكن إلمامي بهم سوى أني كنت أستمع إلى بعض المناقشات العقائدية التي كانت تدور بين الشيعة وبين بعض أبناء مدينتنا الأحناف ، فكنت أشارك اتباع مذهبي بالدفاع عن ما نحن عليه وإن لم أكن بذلك المستوى الذي يجيد رد المبادئ التي كان يعتنقها أصحاب مذهب أهل البيت (عليهم السلام).

 

ويضيف الأستاذ قائلا : بعد ذلك الموقف في مرقد الامام الحسين (عليه السلام) ـ والذي ترك في نفسي الأثر البليغ ـ واصلت مسيرتي باتجاه الحجاز لأداء مناسك الحج ، وهنالك في مكة المكرمة وجهت بعض الأسئلة إلى أحد علماء أبناء العامة حول المذهب الجعفري ، لكنه بدل أن يجيب على أسئلتي حذرني من التقرب اليهم والحوار معهم ، قائلا : احذر من أفكار الرافضة ، وتجنب الحوار معهم ، وأنصحك أن لا تدنوا منهم، ولكن لم أقتنع بمقولته ولم يدفعني كلامه لرفض ما رأيته منسجما مع فطرتي وعقلي عند الشيعة ، كما إنني كنت متلهفا للدليل والبرهان ولم أجد عنده ذلك.

 

البحث عن الحقيقة : وفي الحجاز وجد الاُستاذ رامي تيارا فكريا ضد مذهب التشيع ، يحرم زيارة القبور والتوسل بها ويصفها بالشرك والالحاد ، وهذا ما دفعه للبحث بعد عودته من الحج ، عن مدى صحة هذا الادعاء ، وبعد التتبع والتحقيق وجد أن ما عليه الوهابيون يخالف الكتاب والسنة ، وأن أفكارهم جاءت من قبل أناس انتهزوا فكرة الصاق الشرك بالمسلمين ليحققوا ماربهم في ظلالها ، ويصلوا إلى مبتغياتهم من خلالها ، ووجد أنهم خالفوا جميع الطوائف الاسلامية فيما ذهبوا إليه ، ولم يعتمدوا لتثبيت أفكارهم على دليل يستند إليه ، بل مستمسكهم الوحيد في هذا المجال هو اتخاذ اسلوب الاثارة ليصطادوا في الماء العكر.

 

مسألة زيارة القبور : ان المتتبع لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرى الأمر بالنسبة إلى زيارة القبور أنه مر بثلاث مراحل في عهد الرسالة.

 

المرحلة الأولى : جواز زيارة القبور ، وذلك استمرارا لما كانت عليه الشرائع السابقة ، وخير مثال ـ والأسبق تاريخيا ـ في ما ذكره القرآن الكريم احترام مراقد الأولياء وتعاهدها بالزيارة ، هو مرقد فتية أصحاب الكهف ، إذ قال تعالى : ( إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا إبنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ) ، وتشعر الآية بذكرها المسجد بأن هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم هم الموحدون ، فالآية فيها دلالة على جواز البناء على القبور وزيارتها ، والمسجد انما يتخذ ليؤتى على الدوام ويقصده الناس ليذكروا إسم الله عز وجل فيه.

المرحلة الثانية : المنع لعلل يأتي ذكرها ، ويستنبط ذلك من قوله : (صلى الله عليه وآله) : كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، الا فزوروها ، ويتضح من هذه الرواية أن المسلمين كانوا يزورون القبور ، ثم ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها المنع ، ثم إذن لهم بعد ذلك في الزيارة ، ففي رواية ابن عباس ، عن النبي (صلى الله عليه وآله) : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، ولا تقولوا هجرا ، والهجر هو الكلام القبيح المهجور لقبحه ، وهذا الحديث كانه يتضمن علة النهي أو بعضها ، وهي أن الرسول (صلى الله عليه وآله) أراد الغاء عادات الجاهلية وتأسيس آداب اسلامية للزيارة.

 

ولعل نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الفترة التي منع فيها زيارة القبور كان لكثرة قبور المشركين ، وحيث أن الزيارة للقبر تزيد وتعمق أواصر الارتباط بين الزائر والمزور ، وتجدد في النفوس روح الاقتداء بهم واحياء آثارهم ، أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعدم زيارة القبور ، ولما كثر المؤمنون بينهم وقوى الاسلام رخص الرسول (صلى الله عليه وآله) الزيارة بإذن الله عز وجل ، ولهذا ورد في قوله تعالى النهي عن القيام عند قبور المنافقين : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) ، ففي هذه الآية دلالة واضحة على جواز ذلك في شإن من مات على الاسلام ، وأن ذلك معهود بين المسلمين ، وأن الآية انما نزلت لتستثني الكفار والمنافقين ، كما هو في ذيل الآية : ( إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ).

المرحلة الثالثة : تجويز زيارة القبور ورفع الحظر والمنع ، فقد ثبت في الصحيح عن النبي (ص) انه كان يخرج مرارا إلى البقيع لزيارة قبور المؤمنين ، وورد أنه (صلى الله عليه وآله) زار قبر أمه وبكى وأبكى من حوله.

وقال (صلى الله عليه وآله) : نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فان في زيارتها تذكرة.

وقال (صلى الله عليه وآله) اني نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فان فيها عبرة.

وورد بسند صحيح أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت تزور قبر عمها حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) كل جمعة وتصلي وتبكي.

 

وإن من أبرز العبر كما أشرنا في ما سبق في زيارة القبور ، انها توفر للزائر أجواء يستوحي منها ذكر الموت والزهد في الدنيا والعمل للآخرة والاقبال على الله ، فيشد عزيمته لمواصلة درب الصلحاء والأولياء ، فالزائر يستلهم من منهجهم الوعي المحفز لمواصلة ركب الايمان.

 

مرحلة ايقاظ الفطرة وانارة البصيرة : ومن هذه البراهين والحجج يقول الاُستاذ رامي عبد الغني : عرفت أن أدلة الشيعة لم تنشأ من حالة عاطفية أو هوى أو تقليد ، وإنما فرضتها عليهم الأدلة القاطعة التي ينبغي أن يتعبد بها المسلم.

 

وان زيارة قبور الصلحاء هي كالحج يجتمع فيه المسلمون على الخير والهدى والترابط والتعارف والتآلف ، فيمجدوا عظماءهم ويحيوا بذكراهم القيم والمبادئ والأفكار التي كانوا يحملونها.

 

ويضيف : وبمرور الزمان واصلت أبحاثي لمعرفة المزيد حول مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وكنت أتباحث مع أحد أقربائي في هذا المجال ، فكنا نأخذ مفردة مفردة من عقائد الشيعة ، ونضعها على طاولة البحث ، وكان يحفز أحدنا الآخر للمطالعة والتتبع ، حتى اكتملت في أذهاننا الصورة الكاملة لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) فالتجأنا إلى حصنهم المنيع بعدما وجدناه رصينا من جميع الابعاد فتحصنا به وآوينا إليه ، وكان استبصاري عام (  1987م ) كما استبصر البعض من أسرتي وجملة من غير أسرتي على يدي بفضل من الله ، وببركة الزاد الثقافي الذي تلقيته من نبع معارف أهل البيت (عليهم السلام).