سعيد أيوب

نبذة عن حياة المستبصر المصري المرحوم المغفور له سعيد أيوب:

ولد في القاهرة عاصمة دولة مصر عام 1363هـ ونشأ في عائلة سنية المذهب، واصل دراسته إلى مرحلة المتوسطة، ثم خاض في عالم الفكر وأصبح مفكراً ومؤلفاً قديراً بحيث استطاع أن يغني المكتبة الاسلامية بالعديد من مؤلفاته وبحوثه الاسلامية القيمة.
وكان من جملة الأبحاث التي تطرق اليها هو ما يخص الحقبة التاريخية التي تلت وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله).

الانفتاح على آفاق المعرفة:

تبيّن للاستاذ أيوب بعد البحث والتنقيب أن تاريخ الإسلام يختلف عن تاريخ المسلمين، وأن تاريخ الإسلام هو تاريخ الفطرة النقية، أما تاريخ المسلمين فهو شيء آخر وأن ما استقام منه مع حركة الرسول فهو من تاريخ الإسلام، أما الصراعات والأحقاد من أجل الأهواء فهذا لا علاقة للإسلام به، لأنه من تاريخ الناس، ومن الناس من أغواهم الشيطان وزين لهم فانطلقوا مع أمانيه في اتجاه القهقرى والطمس.

التفتح في العقلية:

بهذه العقلية المنفتحه استطاع الأستاذ أيوب أن يخلع عن نفسه رداء التعصب ويجتاز أكبر العقبات التي تحجبت بصيرة الانسان عن الرؤية الموضوعية.
ومن هنا تمكن الأستاذ أيوب أن يرفع الستار عن الحقيقة ليراها بوضوح، لأنه انطلق من هذا المنطلق بأن تاريخ المسلمين قابل للنقد كما أنه معرض أحياناً للرفض إذا تعارض مع القرآن والسنة الصحيحة.

غربلة تاريخ المسلمين:

وبهذه الرؤية الموضوعية سلط الاستاذ أيوب أضواء بحثه على الحقبة التاريخية التي تلت وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) لادراكه بأن أحداث تلك الفترة تركت الأثر المباشر على مسار حركة الأمة الإسلامية وأدّت إلى وقوع انشقاقات عديدة في الوسط الاسلامي، وأن الطريق الوحيد لمعرفة الطريق الصحيح من بينها هو الالمام بجذور تلك الاختلافات والاحاطة العلمية بالأسباب التي أدّت إلى خروج البعض عن دائرة الالتزام بأوامر النبيّ(صلى الله عليه وآله) فيما يخص المنهج الذي اتحذه لمستقبل الأمة من بعده.

الالمام بدعوة الرسول(صلى الله عليه وآله) والتعرف على الحقائق:

كان أول عمل قام به الأستاذ ايوب هو الاحاطة علماً بمنهج الرسول(صلى الله عليه وآله)في الدعوة، والسحب الداكنة التي كانت تحاول أن تحجب بصيرة الناس عن رؤية نور رسالته، والعواصف التي كان تجتهد لتصد الناس عن سبيل الله والتي كان منها نشاط المشركين والكفار والذين في قلوبهم مرض.
ثم عرف الأستاذ أيوب بالمنهج الذي أعده الرسول(صلى الله عليه وآله) لتشكيل القيادة من بعده، بحيث يكفل الاستمرارية والاستقرار على النحو الذي ينشده للمسيرة التي بدأها.
فتبيّن له بوضوح أن الرسول(صلى الله عليه وآله) كان يمهّد السبيل من بعده لأهل بيته (عليهم السلام) وذلك بأمر من الله سبحانه وتعالى، وكان من أبرز تلك المواقف هي حجة الوداع ويوم غدير خم الذي تم فيه إعلان الولاية والنص على من هو الخليفة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله).
ولكن ما إن رحل النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلاّ وقد رجّح الكثير من الصحابة ترك النص والعمل وفق المصلحة التي يرتؤوها لتحديد الخلافة، وأنّ السياسة كان لها أقوال وأفعال واليها يعود كل اختلافات الأمة، وبهذا اخرج آل محمد من الإمامة وجاءت على قاعدة اختيار الصحابة ومن هذا المنطلق تحولت فيما بعد إلى ملك وجبرية.

اتخاذ القرار النهائي:

وبهذا بدت الصورة واضحة أمام بصيرة الأستاذ أيوب، فلم يجد بداً سوى أن يرحل في عالم الانتماء المذهبي من المذهب السني الذي كان عليه إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) .

مؤلفاته:

(1) “معالم الفتن، نظراتٌ في حركة الاسلام وتاريخ المسلمين”:
صدر عام 1416 هـ الناشر: مجمع احياء الثقافة الاسلامية / قم. ترجمه إلى الفارسية سيد حسن اسلامي وصدر عن مركز الغدير سنة 1376 هـ. ش تحت عنوان: از ژرفاى فتنه ها.
دراسة علمية معمقة ومركزة، لمسيرة الاسلام في العصر النبوي وما بعده.
اعتمدت هذه الدراسة النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة المعتمدة لدى الجميع، وميزّت بين حركة الرسالة الإسلامية الربانيّة المعصومة القائمة على شخص الرسول(صلى الله عليه وآله) وأقواله وأفعاله وتقريراته، وبين حركة المسلمين على أرض الواقع التي التي تلوّنت بألوان شتى ودخل فيها ما ليس منها، وأبعد عنها رجال كانوا منها بمنزلة الأمل الذي لا تنهض الامور إلا به، وقد أنار المؤلف بهذه الدراسة واقع المسلمين وشخص الخلل الذي أصاب حياة المسلمين وحتى هذه الساعة.
وقد نشر هذا الكتاب في جزءين يتضمن كل جزء عدة مواضيع، منها:
الجزء الأول: النور الذي جاء به رسول الله(صلى الله عليه وآله) والسحب الداكنة، النور والولاية، تحذير النبيّ(صلى الله عليه وآله) من رموز الفتن، الأحداث التي وقعت بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله)، الطريق إلى الفتن، ظهور الرأى، منع تدوين الحديث، الأمراء والفتن، مجىء بني أمية، حكومة الإمام عليّ (عليه السلام) .
الجزء الثاني: معارك الامام علي (عليه السلام) ، يوم الجمل، ايام صفين، جداول الدماء، استشهاد الامام علي، بيعة الحسن بن علي(عليهما السلام)، مقتل أبي عبد الله الحسين، وجاء الطغاة، الرياح الفرعونية.

(2) “الانحرافات الكبرى، القرى الظالمة في القرآن الكريم”:
صدر عام 1412 هـ عن دار الهادي / بيروت.
بحث قام بطرح ما قصه القرآن عن الأمم السابقة وحتى الرسالة الخاتمة.
فتعرض لانحرافات قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب (عليهم السلام) وبني اسرائيل وقوم نبينا محمد(صلى الله عليه وآله)، وعند الحديث عن الرسالة الخاتمة القى بعض الضوء على أحداث ما سمي بـ “الفتنة الكبرى”. تلك الأحداث التي يتجنب العديد من الباحثين الخوض فيها.
في حين أنهم أمروا بالنظر في الماضي حتى لا ينطلقوا إلى المستقبل وعلى عقولهم بصمات هذه الفتن وهم لا يعرفون أهي بصمات حق أم بصمات انحراف وعلى هذا يقعون في الفتنة الأشد من التي اجتنبوها.

(3) “ابتلاءات الامم” (تأملات في الطريق إلى المسيح الدجال والمهدي المنتظر في اليهودية والمسيحية والاسلام):
صدر في طبعتة الثانية عن دار الهادي/ بيروت، سنة 1419 هـ.
دراسة عميقة في حركة التاريخ الديني، ومنهج البحث فيها يتخذ من الاخبار بالغيب عموداً فقرياً للوصول إلى الحقيقة التي يجلس على قمتها آخر الزمان “المهدي المنتظر” رمزاً لطائفة الحق. “والمسيح الدجال” رمزاً للانحراف والشذوذ.
وسلط الباحث الأضواء على المسيرة التاريخية لبني اسرائيل من واقع اخبار أنبيائهم بالغيب عن ربهم، وأوضح مدى الانحراف وأين قاد اتباعه بتسليط الاضواء القرآنية على هذه الانحرافات.
وعند البحث عن الخلل في سيرة الأمة الخاتمة انطلق من الأصول ونظر في المسيرة من خلال اخبار النبيّ(صلى الله عليه وآله) بالغيب عن ربه. ومن خلال ذلك كله قدم قراءته لحركة التاريخ.

(4) “الطريق إلى المهدي المنتظر”:
صدر 1419هـ عن مركز الغدير / بيروت.
بحث مستلٌ من كتاب “ابتلاءات الامم” السابق. يناقش فيه المؤلف جانباً مهماً من جوانب عقيدة الإمامة وركناً من أركانها الأساسية، وهو عقيدة المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف.

(5) “الرساليون” (قراءة في اصالة الحجة وتأملات في معالم التأويل وحكمة الابتلاء):
صدر عام 1418 هـ عن دار الهادي / بيروت.
في هذا الكتاب القى المؤلف الضوء على الرحلة الانسانية، ابتداءاً من عالم الذر حيث كانت الفطرة في عالم من الغيب المخبوء، ومروراً بالنفس الانسانية ومسالك الفجور والتقوى في الحياة الدنيا حيث عالم المشاهدة المنظور، وانتهاءاً بمسيرة الاجتهاد والتأويل بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وما ترتب عليها، وأفرد باباً لقتال عليّ بن أبي طالب والذين معه على تأويل القرآن.

(6) “زوجات النبي(صلى الله عليه وآله)” (قراءة في تراجم أمهات المؤمنين في حركة الدعوة):
صدر عام 1418 هـ عن دار الهادي / بيروت.
دراسة في حياة زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله)، قدم له بمقدمة في حكمة تشريع الزواج من أربع نساء، وحكمة تعدد أزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله)، والأوامر الالهية لنساء النبيّ(صلى الله عليه وآله)، والقى الضوء ـ عند دراسة سيرة أمهات المؤمنين ـ على الأحداث المتعلقة بحركة الدعوة.

(7) “عقيدة المسيح الدجّال في الأديان، قراءة في المستقبل”:
صدر عام 1411 عن دار الهادي / بيروت، وطبع طبعة اخرى تحت عنوان “المسيح الدجال، قراءة سياسية في اصول الديانات الكبرى” عام 1417 في دار الفتح للاعلام العربي.
دراسة في كل ما يتعلق بالمسيح الدجال من روايات وأدلة اتفقت عليها الكتب الثلاثة في اليهودية والمسيحية والإسلام، مع عرض تفسير أهل الكتاب للنصوص وتفسير الإسلام له، وناقش بعض المسائل مع أهل الكتاب بالاعتماد على مصادرهم المقروءة اليوم.

(8) “في ظلال، أسماء الله الحسنى”:
صدر عام 1416 هـ عن دار الفتح للاعلام العربي / القاهرة.
جمع لأسماء الله الحسنى من كتاب الله وسنة رسوله المطهرة. بدأ بمدخل بيّن فيه معنى العبادة وبعض المصطلحات التي لا غنى عنها، ثم قدّم بعض اسماء الله الحسنى في القرآن الكريم والسنة المطهرة، كما قدم الأسماء التي وردت في رواية الترمذي، وفي الخاتمة قدم المختار من أسماء الله الحسنى، وقد شرح كل اسم مستعيناً بالعديد من مجامع اللغة العربية والمصطلحات الإسلامية.

(9) “الظل الممدود، في الصلاة على النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته”:
صدر عام 1417 هـ عن دار الهادي / بيروت.
يقول المؤلف عنه في المقدمة: “وفيه تدبرت في العمود الفقري الذي تتجدد عليه النبوة، ابتداءاً من آدم ومروراً بنوح وإبراهيم وانتهاءاً بخاتم النبيين محمد صلوات الله عليهم أجمعين، وتحت هذا الظل الممدود حلقت لاقف على بعض معاني المفردات”، وفي الختام تحدثت عن الصلاة على محمد وآله صلى الله عليه وآله.

(10) “وجاء الحق” صدر عن مركز الغدير سنة 1419هـ.
جاء في كلمة المركز: هذا الكتاب، في الأصل، فصل من فصول كتاب “ابتلاءات الامم” وقد استللناه من ذلك المؤلَّف القيم، ووضعناه تحت عنوانه الاصلي: ” وجاء الحق”.
والمقصود بالحق، هنا، الدعوة الخاتمة، دعوة النبي محمد(صلى الله عليه وآله) الموجهة إلى البشرية جمعاء، والقائلة لأهل الكتاب: تعالوا إلى كلمة عدل نستوي نحن وأنتم فيها، فنعبد الله وحده، ونتبع تعاليمه… وهذه دعوة جميع الانبياء والرسل منذ خلق الله الخلق.
يبحث المؤلف في القسم الأوّل من بحثه قضية “الدعوة الخاتمة وأهل الكتاب”، ويخلص ـ استناداً الى النصوص التي يستقرئها ـ إلى القول: أنّ الدعوة الخاتمة، في الوقت الذي تفتح فيه ابوابها للباحثين عن الحقيقة، تحذر من اتباع أي مشروع يهدف إلى الصد عن سبيل الله…
ويفضي البحث في هذه القضية إلى بحث القضية الثانية، في القسم الثاني، بالاعتماد على استقراء مجموعة “من وصايا الدعوة الخاتمة”. ويفيد هذا الاستقراء أنّ الأمة الخاتمة لم تستثن من الاختيار بالأنبياء والرسل وبأوصيائهم. فقد قابلت دائرة هارون وبنيه في الشريعة الموسوية دائرة الإمام عليّ بن أبي طالب وبنيه (عليهم السلام) في الشريعة المحمدية.
ينطلق المؤلف في بحثه، من النصوص، فيستقرئها ويخلص إلى نتائج لا يلبث ان يؤيدها بالشواهد، ورائده في ذلك ما أمر الله تعالى به رسوله(صلى الله عليه وآله) أن يدعو الخلق إلى الله عزوجل بالحكمة والموعظة الحسنة، وبذلك تشرع ابواب الحق امام الذين يريدون الاستبصار في الدين.

(11) “الأوائل في أحداث الدنيا وأخبار الاخرة”:
صدر سنة 1405هـ عن دار الكتب العلمية / القاهرة هذا الكتاب ألفه المؤلف قبل استبصاره.
يقول الناشر: وهذا الكتاب فن جديد. جمعت فيه أحاديث شريفة خاصة بالأوائل، ثم تم ربط كل حديث بموضوع قريب من الحدث يهم المسلمين معرفته فجاء الكتاب يحتوي على كثير من الموضوعات، منها: آداب الزفاف، الاحتفال بالمولود، فقه المرأة، الخشوع، آداب التلاوة، كيفية الحج، أشراط الساعة، عذاب القبر، البعث، الحشر، الحساب، الجنة والنار، وموضوعات اخرى.

وقفة مع كتابه: “الطريق إلى المهدي المنتظر”

يورد الكاتب في مقدمة كتاب “ابتلاءات الامم” بعض الأفكار والمقدمات التي توضح “الطريق إلى المهدى المنتظر” الذي هو عنوان الفصل الأخير من كتاب “ابتلاءات الامم” وقد نشرت مؤسسة الغدير هذا الفصل في كتاب مستقل.
ونحن هنا نذكر ـ مقدمة ـ بعض اللمحات من هذه الافكار ليتوضح المطلوب وتكتمل الفكرة الرئيسية التي يريد الكاتب عرضها تحت هذا العنوان: “الطريق إلى المهدي المنتظر”.
يقول الكاتب: “إن للتاريخ حركة. ولمعرفة الحاضر معرفة حقيقية يجب التنقيب في أوراق الماضي. ثم ترتب المعلومات على امتداد الرحلة لاستنتاج المجهولات، والذي فطرت العقول عليه هو أن تستعمل مقدمات حقيقية يقينية لاستنتاج المعلومات التصديقية الواقعية، فالحاضر لا يمكنه الوقوف على حقيقة إلا بالرجوع القهقري. وبتحليل الحوادث التاريخية للحصول على اصول القضايا واعراقها. فعند الاصول تُرى النتيجة على مرآة المقدمة، ولان حركة التاريخ على صفحتها الصالح والطالح ويصنع احداثها المحسن والمسيء. فلابد من تحديد الدوائر والخطوط بدقة ليظهر أصحاب كل طريق”.
ثم يضيف: “أوجب الله تعالى على نفسه فتح الطريق لعباده وهدايتهم إليه. فبعث سبحانه الانبياء والمرسلين حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل…
[و] لقد حذر الوحي من الشيطان. وحذرت النبوءة من المنافقين والمترفين الذين اتخذوا من الصد عن سبيل الله هدفاً لهم، وفي دائرة وقف الشيطان وبرنامجه وأتباعه من أهل الاهواء تحت ضوء الاخبار بالغيب، ليتبين الناس الوقود الذي أمد المسيرة ويعلموا ان التاريخ وأن ظهر كوحدة واحدة، إلاّ أنه في الحقيقة وحدة انسانية واحدة ذات حركتين، حركة حق وحركة باطل ولأن الحاضر ابناً للماضي فانه يرث هذه التركة وينطلق بها إلى المستقبل. وعلى الانسان في هذه الحالة ان ينقب ويبحث وينظر فيما حوله من حجج عليه. لانّه مستخلف في الأرض. والاستخلاف يقتضي حركة. والحركة منظورة من الله”.
ثم يوضح فيقول: “ولما كان الخير المخبوء والشر والمخبوء يقرا الحاضر أحداثهما كما رواها الانبياء والرسل (عليهم السلام) وذلك لينظم الحاضر خطواته في اتجاه الطريق الصحيح. وهو يسير تحت سقف الامتحان والابتلاء لينظر الله إلى عباده كيف يعملون، فان الحاضر اذا لم يصحح خطواته في يومه فلن ينفعه أن يصحح خطواته عند ظهور الأحداث واشتعال الملاحم في المستقبل; وذلك لانه سيكون قد ارتبط إرتباطاً بما يعتقد من انحرافات سياسية واقتصادية واجتماعية، وهذا الارتباط يدعمه المسيح الدجال الذي قال النبي(صلى الله عليه وآله) فى فتنة “ما بين آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال”(1)
ولما كان الطريق إلى المسيح الدجال هو طريق التزيين والاغواء والاحتناك. ورموزه هم أئمة الضلال على امتداد التاريخ الانساني، فان طريق المهدي المنتظر هو طريق الفطرة الذي يحمل أعلام التوحيد والاخلاق ورموزه هم أئمة الهدى، وحدد النبي(صلى الله عليه وآله) طريق المهدي تحديداً دقيقاً، فبين انه يحمل اعلام القسط والعدل آخر الزمان، يقول عليه الصلاة والسلام “لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً، ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً”(2)، وبين ان المهدي من ولد فاطمة(عليها السلام) فقال: “المهدى من عترتي من ولد فاطمة”(3). وأخبر بان طريق المهدي هو الطريق المنصور”.
ونبدأ من هنا باستعراض أهم ما ورد في كتاب “الطريق إلى المهدى المنتظر”:

موكب الحجة:
يقول الكاتب “لقد أقام النبيّ(صلى الله عليه وآله) الحجة عند المقدمة وهو يخبر بالغيب عن ربّه، وعندما انطلقت المسيرة بعد وفاته(صلى الله عليه وآله) تحت سقف الامتحان والابتلاء لم تخل المسيرة من الفتن…
والطريق من توضيح النبيّ للفتن وهي في بطن الغيب إلى ظهور الفتن في عالم المشاهدة طريق يخضع للبحث، بهدف اتقاء الفتن والمهلكة، وحصر وقودها في دائرة الذين ظلموا خاصة، وعدم البحث في هذا الطريق يفتح أبواباً عديدة; منها: مشاركة الذين ظلموا إذا رضي عن فعلهم، لأنّ الراضي عن فعل قوم كالداخل معهم، وقد جاء في الحديث الشريف: “المرء مع من أحب”(4)، وكما أنّ عدم البحث يلقي بالحاضر على الماضي، فكذلك يلقي به على ما يستقبله من فتن مهلكة. وما زالت في بطن الغيب أحداث وأحداث. لا ينجو منها العالم إلاّ بعلمه. وكذلك فانّ هناك أحداثاً اذا جاءت لا ينفع نفساً ايمانُها يومئذ; لأنها لم تبحث على امتداد الطريق، فانتج ذلك عدم معرفة الحق على امتداد الطريق ولما كان الحق عند هذه النفس يخضع لتحديد الأهواء، تسقط النفس في سلة الدجال التي تحتوي على جميع الأهواء.
ومن لم يكن مصلحاً يومئذ تائباً لم تقبل منه توبته، كما أن الله لا يقبل عملاً صالحاً من صاحبه اذا لم يكن قد عمل به من قبل ذلك.
وبالجملة فقد أخبر النبي(صلى الله عليه وآله) بالغيب عن ربّه جلّ وعلا، ليأخذ الناس بأسباب الهداية نحو ما يستقبلهم من أحداث ما زالت في بطن الغيب”.

التحذيرات الذهبية:
1 ـ التحذير من الاختلاف: يقول الكاتب: “لقد حذرت الدعوة الالهية عند المقدمة من الاختلاف في الدين، وذكرت أن الاختلاف بعد العلم لا يمكن ان يضع أصحابه على طريقة رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأنها طريقة بنيت على وحدة الكلمة ونفي الفرقة. وحذرت الدعوة أيضاً من سلوك سبيل الذين اوتوا الكتاب، وبينت برامجهم وأهدافهم، واخبرت بأنّهم يصدون عن سبيل الله، ويعملون من أجل أن تضل الأمة وتتبع طريقتهم في الحياة، ثم أخبر رسول الله بالغيب عن ربّه بما يستقبل الناس، ومنه أن الأمة ستفترق وسيتبع بعضها طريقة اليهود والنصارى، والتحذير عند المقدمة فيه أن الصراع قائم بين الحق والباطل، وظهور الذين اتبعوا اليهود والنصارى عند نهاية الطريق، لا يعني سقوط المسيرة وإنّما يعني سقوط الغثاء والزبد الذي لا قيمة له، وأعلام هولاء يحملها المنافقون والمنافقات”.
2 ـ التحذير من امراء السوء: أورد الكاتب في هذا المجال: “حذرت الدعوة الخاتمة من الميل إلى الذين ظلموا; لأنّ على اعتابهم يأتي ضعف العقيدة وفقدان القدوة، وبينت أنّ قيام الذين ظلموا بتوجيه الحياة العقلية والدينية للأمة، ينتج عنه شيوع المشكلات الزائفة التي تشغل الرأي العام، وتجعله داخل دائرة الصفر، حيث الجمود والتخلف، وعلى أرضية الجمود تفتح الأبواب لسنن الأولين، ومعها يختل منهج البحث، ومنهج التفكير، ومنهج الاستدلال، وبهذا يتم التعتيم على نور الفطرة وتغيب الحقيقة تحت أعلام الترقيع والتلجيم التي تلبست بالدين…
وبالجملة، بين النبيّ(صلى الله عليه وآله) أن صنفاً من الناس سيحرص على الامارة من بعده، قال(صلى الله عليه وآله): “إنكم ستحرصون على الامارة، وستصير حسرة وندامة يوم القيامة، نعمت المرضعة وبئست الفاطمة”(5).
وليس معنا هذا أنّ الإسلام لا يعترف بالقيادة والامارة، فالإسلام يقوم على النظام وفيه لكل شيء ذروة، والحديث يحذر غير أصحاب الحق من أن ينازعوا الأمر أهله.
3 ـ التحذير من ذهاب العلم: يقول الكاتب: “إنّ كل موجود يحظى بالعلم بقدر ما يحظى بالوجود، والله تعالى يرفع الذين آمنوا على غيرهم بالعلم، ويرفع الذين اوتوا العلم منهم درجات، بمعنى أن العلم له مكان في دائرة الذين آمنوا، وهذه الدائرة مراتب ولها ذروة، وذروة الذين اوتوا العلم، مع الذين ارتبطوا بكتاب الله، ولن ينفصلوا حتى يردوا على الحوض، ومن دائرة الذروة تخرج المعارف الحقة والعلوم المفيدة، لأنّ الذين في الذروة هم العامل الذي يحفظ الأخلاق ويحرسها في ثباتها ودوامها، ولأن من عندهم تتدفق العلوم التي تصلح اخلاق الناس، ليكونوا أهلاً لتلقي المزيد من المعارف الحقة التي لا تكون في متناول البشر إلاّ عندما تصلح أخلاقهم.
لقد دافع الإسلام عن العلم، ولم يقاتل يوماً من أجل الكرسي، وأمر بالجهاد للابقاء على الذروة التي تفيض بالعلم الالهي ذروة كل العلوم وأشرف العلوم; لانّ هؤلاء وحدهم هم الذين يحملون النور المحمدي ذلك النور الذي يعتبر برزخاً بين الناس والنور الالهي الذى تندك له الجبال”.

العترة بين التحذير والابتلاء:
يقول الكاتب: “إنّ الله تعالى يمتحن الناس بالناس، قال تعالى: (وَ جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْض فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَ كَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ) (الفرقان: 20) فدائرة الهدى على امتداد المسيرة البشرية، فتنة لسائر الناس يمتحنون بها، فيميز أهل الريب من أهل الايمان والمتّبعون للأهواء من طلاب الحق الصابرين على طاعة الله وسلوك سبيله، وكما أن النبي(صلى الله عليه وآله) أمر أمته بان يتمسكوا بحبل العترة حتى لا يضلوا، وقال: “اذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي”(6)، وقال: “إني تركت فيكم ما إن اخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي”(7)، فانّه أخبر أمّته بانهم سيمتحنون بأهل بيته، قال: “انكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي”(8)، واخبر ـ بالغيب عن ربّه ـ بما سيسفر عنه الامتحان، فقال: “ان أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتى قتلاً وتشريداً”(9).
وأخبر النبي(صلى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب بما سيجري عليه من بعده، وقال له: “إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملتي، وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه (يعني لحيته) ستخضت من هذا (يعني رأسه)”(10).
وأخبر النبي(صلى الله عليه وآله) بما سيجري على الحسين من بعده، قال(صلى الله عليه وآله): “اخبرني جبريل ان ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة واخبرني ان فيها مضجعه”(11).
والخلاصة، إنّ الله يختبر الناس بالناس، وبهذا الاختبار يظهر أهل الريب من أهل الإيمان، قال تعالى: (وَ جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْض فِتْنَةً) (الفرقان: 20)، وقال سبحانه: (وَكَذَ لِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْض لِّيَقُولُواْ أَهَـؤُلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنم بَيْنِنَآ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّـكِرِينَ ) (الانعام: 53)…
وعلى هذا الضوء، انطلقت الأمة الخاتمة تحت سقف الامتحان والابتلاء، والله تعالى ينظر إلى عباده كيف يعملون لاستحقاق الثواب والعقاب يوم القيامة”.

أضواء على المسيرة:
1 ـ أضواء على الساحة بعد وفاة النبي:
يقول الكاتب: “كان في الساحة بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) جميع الأنماط البشرية، بها المؤمن القوي والمؤمن الضعيف، وبها الذين في قلوبهم مرض أو زيغ وهؤلاء لا يخلو منهم مجتمع على امتداد المسيرة البشرية…
وكان في الساحة أفرادٌ وقبائلٌ ذمهم الله ـ تعالى ـ أو لعنهم رسوله(صلى الله عليه وآله) وهو يخبر بالغيب عن ربّه لعلم الله بما في قلوبهم.
فكان في الساحة مجموعة تخريبية من اثني عشر رجلاً، حاولوا قتل النبي(صلى الله عليه وآله)عند عودته من تبوك; آخر غزواته. وأسرّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) باسمائهم إلى حذيفة، وكان حذيفة وعمّار بن ياسر معه(صلى الله عليه وآله) عند محاولة هذه المجموعة اغتياله، وروي أن حذيفة قال: يا رسول الله، ألا تبعث إلى كل رجل منهم فتقتله، فقال: “أكره ان يتحدث الناس ان محمداً يقتل أصحابه”. وقال النبي(صلى الله عليه وآله) لحذيفة “فان هؤلاء فلاناً وفلاناً (حتى عدّهم) منافقون لا تخبرن أحداً”(12)، وعدم افشاء النبي(صلى الله عليه وآله)بأسمائهم يستنتج منه أن هذه المجموعة لم تكن من رعاع القوم وإنما من أشد الناس فتكاً، وقتلهم يؤدي إلى طرح ثقافة يتناقلها الناس بأن محمداً في آخر أيامه بدأ يقتل أصحابه ويستنتج منه أيضاً ان الله ـ تعالى ـ شاء ان تنطلق المسيرة تحت مظلة الامتحان والابتلاء. بعد ان تبينت طريق الحق وطريق الباطل، وإخفاء أسماء المجموعة التخريبية هو في حقيقته دعوة للالتفاف حول الذين بينهم وأظهرهم رسول الله للناس.
فالساحة بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) كان فيها جميع التيارات، وكان فيها مجموعة حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا”.

2 ـ أضواء على حركة الاجتهاد والرأي:
يقول الكاتب في هذا المجال: “نظراً لاتساع الهوّة في رواية الحديث بعد إبعاد أهل البيت عن مكانتهم في الذروة، اختلف الناس في الفتوى، حتى قال الامام عليّ: “ترد على احدهم القضية في حكم من الأحكام، فيحكم فيها برأيه، ثم ترد القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعاً، والههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، فأمرهم الله ـ تعالى ـ بالاختلاف فاطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول عن تبليغه وأدائه؟ والله يقول: (مَّا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَـبِ مِن شَىْء) (الانعام: 38)، وفيه تبيان كل شيء. وذكر ان الكتاب يصدق بعضه بعضاً، وانه لا اختلاف فيه: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَـفاً كَثِيراً ) (النساء: 82)، ان القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلاّ به”(13).
وبالجملة اجتهد الصحابة تحت سقف الامتحان والابتلاء، وكان الاجتهاد قابلاً للخطأ والصواب، فعن موسى بن ابراهيم قال: “إن أبابكر حين استخلف، قعد في بيته حزيناً، فدخل عليه عمر بن الخطاب فاقبل أبوبكر عليه يلومه، وقال: أنت كلفتني هذا الأمر وشكا إليه الحكم بين الناس، فقال عمر، أو ما علمت أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال: “إن الوالي إذا اجتهد فأصاب الحق فله أجران، وإن اجتهد فاخطأ فله أجرٌ واحد” فكأنه سهل على أبي بكر”(14).

3 ـ المقدمات العمرية والنتائج الاموية
أ ـ رواية الحديث وتدوينه: قال الكاتب: “بينت الدعوة الالهية الخاتمة، أن الحديث عن النبي الخاتم(صلى الله عليه وآله) لا غنى المسيرة عنه، لأنه مكمل للتشريع ومبين لمجملات القرآن، ومخصص لعموماته ومطلقاته، كما أن الحديث تكفل بكثير من النواحي الاخلاقية والاجتماعية والتربوية، وأخبر فيه النبي(صلى الله عليه وآله) بالغيب عن ربه جل وعلا، فبين للناس ما يستقبلهم من أحداث ليأخذوا بأسباب النجاة من مضلات الفتن، وبعد رحيل النبي الخاتم(صلى الله عليه وآله) اجتهد بعض الصحابة في أمر الرواية والتدوين ولقد تواترت الأخبار في منع عمر بن الخطاب الصحابة; وهم الثقات العدول، وردعهم عن رواية العلم وتدوينه، وفي هذا يقول ابن كثير: “هذا معروف عن عمر”(15)، ثم سار على سنة عمر خلفاء وملوك بني أمية، ولم ترو الاحاديث الجامعة للعلم والمبينة للناس ما يستقبلهم من أحداث، إلاّ في عهد الإمام عليّ بن أبي طالب(16).
ب ـ أضواء على القصّ: يذكر الكاتب في هذا المجال: “كانت أهم آثار عدم الرواية ظهور القص في المساجد، ومن خلال القص دخلت الاحاديث الاسرائيلية، ورفع القصّ من شأن افراد وقبائل ذمهّم الله على لسان رسوله، وفي الوقت نفسه عتم القصّ على افراد اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): “أن بني إسرائيل لما هلكوا قصّوا”(17)، وقال: “سيكون بعدي قصّاص لا ينظر الله إليهم”(18)، وأول من أمر بالقصّ، كان عمر بن الخطاب، روى الامام أحمد بن السائب بن يزيد قال: “إنه لم يكن يقصّ على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)ولا أبي بكر، كان أول من قصّ تميم الداري، استأذن عمر ان يقصّ على الناس قائماً فأذن له”(19).
واستلم بنو امية أعلام القص بعد ذلك، روي أن عبد الملك بن مروان قال: “إنا جمعنا الناس على أمرين: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر”(20)، ولبس القصّ الزي الديني في عهد بني أمية.
وقال ابن حبان: “قال ابو حاتم، ان القصاصون يضعون الحديث في قصصهم، وكانوا إذا دخلوا بمساجد الجماعات ومحافل القبائل من العوامّ والرعاع أكثر جسارة على وضع الحديث”(21)، كما وضعوا أحاديث تنافي عصمة الأنبياء، فجعلتهم يخطئون، ونسبوا إلى النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه كان يسبّ ويلعن ويجلد بغير سبب، ونسبوا إليه أنّه كان يسهو في الصلاة، وأنّه كان ينسى آيات القرآن الكريم، وأرادوا من وراء تجريد النبي من العصمة أن يبرّروا أخطاء الأمراء الذين جلدوا الشعوب وضيّعوا الصلاة، وأن يعطوا للذين لعنهم الله على لسان رسوله(صلى الله عليه وآله) جواز المرور لتولّي المراكز القياديّة.
ووضع القصّاصون أحاديث تحمل بصمة أهل الكتاب، وألصق بالتفسير روايات وقصص لا يتصوّرها عقل، ولا يجوز أن يفسّر بها كتاب الله، ووضعوا في هذه الأحاديث أنّ الله يشغل حيّزاً من المكان، ويضحك، وينتقل من مكان إلى آخر، وأنّه يتألّف من أعضاء، وهو عبارة عن هيكل مادّي، وعين ويد وأصابع وساق وقدم.
وبالجملة، كان القصّ وراء تغييب العقل ووطئه بالأقدام، وتحت سقفه اختلّ منهج البحث ومنهج التفكير ومنهج الاستدلال، وعلى موائده لا تظهر القراءة النقديّة المتفحّصة التقييميّة إلاّ بعد عناء شديد، وكان القصّ وراء إهمال الواجبات، والتسامح في المحرمّات، والتهاون بالسنن والمستحبّات، وكان البذرة الأولى لظهور المبادىء والمنظّمات الباطلة التي وضعت القوانين على طبق أهوائهم وآرائهم، وعلى هذه المبادىء انقسمت الامّة إلى قوافل; وكلّ قافلة تتولّى حزباً وتدعمه; لأنّها تميل إلى قوانينه، وتحبّ القائمين عليه، وعلى رؤوس الجميع الحجّة قائمة. والله ـ تعالى ـ ينظر إلى عباده كيف يعملون.
ج ـ قسمة الأموال: يقول الكاتب: “فضل عمر المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين وفضّل المهاجرين كافّة على الانصار كافّة، وفضّل العرب على العجم، وروي أنّه قال: “من أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فان الله جعلني له خازنا وقاسماً، ألا وإني بادىء بالمهاجرين الأوّلين أنا وأصحابي فمعطيهم، ثم بادىء بالانصار الذين تبوأوا الدار والايمان فمعطيهم، ثم بادىء بازواج النبي فمعطيهنّ”، ثم قال عمر: “من أسرعت به الهجرة أسرع به العطاء، ومن أبطأ عن الهجرة أبطأ به عن العطاء، فلا يلومّن أحدكم إلا مناخ راحلته”(22)
ولكن عند النتيجة نرى ان تفضيل هذا على ذاك في القسمة، أدى إلى الصراع القبلي بين ربيعة ومضر وبين الأوس والخزرج(23)، واشعل الصراع العنصري بين العرب والعجم، والصريح والموالي(24) أما ما يختص بحقوق الجنود، فقد بينه النبي(صلى الله عليه وآله)حين سئل: ما تقول في الغنيمة؟ قال: “لله خمس، وأربعة أخماس للجيش”(25)، لكن عمر بن الخطاب اجتهد في هذا، وأمر بوضع جميع الغنائم في بيت المال، ثم قام بتقسيم هذه الغنائم وفقاً لما يراه، ودوّن على ذلك الدواوين.
قال عمر: “لو لا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلاّ وقسمتها سهماناً كما قسم رسول الله خيبر سهماناً، ولكني أردت ان يكون جزية تجري على المسلمين، وكرهت ان يترك آخر المسلمين لا شيء لهم”(26)، وفي رواية قال: “ولكني اتركها خزانة لهم”(27).
ويشهد التاريخ أنّ هذه الخزانة اضرت أكثر مما نفعت، فبعد أن بسط بنو امية ايديهم على بيوت المال التي تركها عمر بن الخطاب، اتخذوا دين الله دغلاً، ومال الله دولاً، وعباد الله خولاً واستمرت بيوت المال على امتداد المسيرة يشتري بها الحكام الذمم ويسفكون بها الدم الحرام”.

مستقر المسيرات الانحرافية:
يقول الكاتب: “آخر الزمان يقف تحت أعلام الدجال جميع المسيرات التي انحرفت عن ميثاق الفطرة وأشركت بالله، ويقف تحتها صنّاع الفتن وأصحاب الاهواء وتجار الشذوذ وجلادو الشعوب، وجميع الذين ظلموا وصدوا عن سبيل الله العزيز الحكيم، فهؤلاء وغيرهم سينتظمون وراء قيادة الدجال آخر الزمان، ويطيعون اوامره، وسيدخلون معه لقتال المهدي المنتظر والمسيح ابن مريم(عليهما السلام).

فجر الضمير:
يقول الكاتب: “طائفة الحق على امتداد المسيرة لها أعلامها، ولا يضرها من خذلها أو عاداها; لأنها حجة بمنهجها وحركتها على الناس، واخبر النبي(صلى الله عليه وآله)بأن هذه الطائفة تستقر أعلامها آخر الزمان تحت قيادة المهدي المنتظر وعيسى بن مريم(عليهما السلام)، يقول النبي(صلى الله عليه وآله): “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك”(28) وقال: “لا تزال طائفة من امتى تقاتل على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع فجر ببيت المقدس ينزل على المهدي”(29)، وفي رواية: “لا تزال طائفة من امتي ظاهرين على من ناواهم حتى يأتي أمر الله، وينزل عيسى (عليه السلام) “(30).
فمن هذه الاحاديث نرى أن طائفة الحق على امتداد المسيرة، تأخذ باسباب الهدى، وتنطلق من الماضي الى الحاضر إلى المستقبل، لا يضرها من عاداها أو من خذلها، حتى تستقر نهاية المطاف أمام فسطاط المهدي المنتظر (عليه السلام) .
وآخر الزمان يلتقي ابن عليّ بن أبي طالب، مع ابن مريم أخت هارون، يلتقي آخر أهل البيت في المسيرة الإسلامية، مع المسيح عيسى بن مريم آخر نبيّ في المسيرة الإسرائيلية، وكلاهما ظلمته مسيرة قومه، ولكن للعدل رداء على الوجود كلّه، ومن حكمة الله ـ تعالى ـ أن لا تنقضي الدنيا قبل أن يهيمن العدل على المسيرة البشريّة; ليعلم الناس، وهم تحت سقف الامتحان والابتلاء، أنّ الحقّ سينتصر في النهاية; لأنّه أصيل في الوجود، أمّا الباطل فطارىء لا أصالة فيه، الباطل زبد لا يمكث في الأرض، والباطل يطارده الله على امتداد المسيرة ولا بقاء لشيء يطارده الله. قال تعالى: (وَ اللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ى وَ لَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (يوسف: 21) وقال: (وَ يَقُولُونَ مَتَى هَـذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَـدِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِيمَـنُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ) (السجدة: 28 ـ 30).

وفاته:

فقد العالم الإسلامي هذا المفكر والمؤلف القدير والداعية إلى الحق الذي وافته المنية في القاهرة على أثر مرض عضال فتوفي في الثالث من صفر 1418 هـ. ق. ودفن في قرية كفر الشيخ بمحافظة المنوفية بمصر.

(1) رواه مسلم (الصحيح: 4 / 267).
(2) رواه الحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (المستدرك: 4 / 557).
(3) قال في التاج الجامع للأصول رواه ابو داود والحاكم بسندين صحيحين (التاج: 5 / 343) وانظر سنن أبي داود: 4 / 107، عون المعبود: 11 / 371، كنز العمال: 14 / 264، سنن ابن ماجة حديث 4086، مستدرك الحاكم: 4 / 557.
(4) رواه البخاري، الصحيح: 4 / 77.
(5) رواه أحمد، الفتح الربّاني: 23 / 22، والبخاري، الصحيح: 4 / 235.
(6) رواه مسلم، الصحيح: 7 / 123.
(7) رواه الترمذي وحسنه الجامع: 5 / 662، والنسائي، كنز العمال: 1 / 172.
(8) رواه الطبراني، كنز العمال: 11 / 124.
(9) رواه الحاكم، ونعيم بن حماد، كنز العمال: 11 / 169.
(10) رواه أحمد، والحاكم وصححه، المستدرك: 3 / 142، والدارقطني، والخطيب، كنز العمال: 11 / 167، والبيهقي، البداية: 6 / 218.
(11) اخرجه الطبراني في الكبير والأوسط باختصار، الزوائد: 9 / 188، والماوردي في اعلام النبوة بسند صحيح: 83.
(12) محاولة الاغتيال رواها أحمد والطبراني وابن سعد وغيرهم، انظر الزوائد: 11 / 110.
(13) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 233.
(14) رواه البيهقي وابن راهويه وخيثمة، كنز العمال: 5 / 630.
(15) البداية والنهاية: 8 / 107.
(16) انظر معالم الفتن، سعيد أيوب.
(17) رواه الطبراني، الزوائد: 1 / 189.
(18) رواه ابن فضالة في أمالية، كنز العمال: 10 / 282.
(19) رواه أحمد والطبراني، الزوائد: 1 / 190، والعسكري عن بشر بن عاصم، كنز: 10 / 281، والمروزي عن أبي نضرة، كنز: 10 / 281.
(20) رواه أحمد والبزار، وقال ابن حجر اسناده جيد، الفتح الرباني: 1 / 194.
(21) كتاب المجروحين، ابن حبّان: 1 / 88.
(22) رواه ابو عبيد وابن أبي شيبة والبيهقي وابن عساكر، كنز: 4 / 556.
(23) تاريخ اليعقوبي: 2 / 106.
(24) شرح نهج البلاغة: 8 / 111.
(25) رواه البغوي، كنز العمال: 4 / 375.
(26) رواه أحمد والبخاري وابن خزيمة في صحيحه وابن الجارود والطحاوى وأبو يعلى وابن أبي شيبة وأبو عبيد كنز: 4 / 555.
(27) رواه البخاري وابو داود، كنز: 4 / 514.
(28) رواه مسلم، الصحيح: 13 / 65.
(29) رواه ابو عمر الداني، عقد الدرر: 220.
(30) رواه أحمد والحاكم وصححة، وأبو داود، الفتح الباري: 23 / 210.