التشيع هو الإسلام الواقعي لا الظاهري

موضوع السؤال: التشيع هو الإسلام الواقعي لا الظاهري

نعم أريد أن أتشيع، ولكن تحيرنـي مسألـة صغيـرة لم أستطع أن أجد لها حلا حتى الآن، ولذلك فإنني أتطلع إلى أحد الإخوة الشيعة ليساعدني على حلها كي أعتنق مذهب أهل البيت باقتناع تام.
إنني لو تشيعت فإنني سوف أجد نفسي بالضرورة أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما يجب علي بالضرورة أن أختار واحدا منهما، وهذين الخيارين هما:
الأول، وهو:
أن أعتقد بأن عقيدتي الشيعية هي الإسلام بذاته، وأن ما عداه هو عقائد فاسدة ضالة مضلة.
ولكن هذا الخيار يعني بأنني ملزم بأن أكفر كل من لا يدين بدين الإسلام (وهو هنا العقيدة الشيعية) ومن ضمنهم بطبيعة الحال أهل السنة الذين تختلف عقيدتهم عن عقيدة الشيعة شكلا ومضمونا وأصولا وفقها وتشريعا.
أما الثاني فهو:
أن أعتقد بأن كلا العقيدتين الشيعية والسنية هما في الأصل عقيدة واحدة، وأن العقيدة الشيعية هي مذهب إسلامي فقهي خامس كباقي المذاهب السنية الأربعة، فهو يتفق معها في الأصول ويختلف معها في الفروع.
وفي هذا الخيار سوف أجد نفسي واقع في تناقض هائل، إذ أنني عندما أصدق ما يقوله لي علماء الشيعة، فإنني أكون في الوقت نفسه ملزما بأن أصدق ما أجمع عليه علماء السنة من أن جميع علماء وكبراء الشيعة كفار، وما يحلله علماء الشيعة أجد بأن علماء السنة يحرمونه، والعكس صحيح، وموقف كهذا هو بلا شك تناقض واضح صارخ يرفضه العقل والمنطق.
فهل هناك شيعي عاقل يستطيع أن يحل لي هذه المسألة ويبين لي أي من هذين الخيارين هو الخيار الصحيح ؟


الجواب:

الأخ المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها الاخ العزيز، وفقك الباري لكل خير, ينبغي أن تكون خياراتك واحتمالاتك أكثر دقة فالاحتمالات أوسع مما ذكرت:
1- فأما الاحتمال الثاني، فهو غير وارد لانه من المتفق عليه بأن هناك خلافات في الاصول والفروع بين المدرستين ولا يقتصر الخلاف على الفروع قطعاً، ولكن من يطرح ذلك فإنما ينتقد إخواننا باقصاء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) الفقهي أيضاً وعدم اعتباره واحداً من مذاهبهم وعلمائهم الكثيرين الذين اجتهدوا وقلدهم الناس واتبعوهم، مع أن الامام الصادق (عليه السلام) أعلم وأفقه منهم وكذلك أوثق وأصدق وأولى بالاتباع والاعتبار من غيره.
2- وأما إحتمالك الاول، فهو صحيح ولكنه غير دقيق! ولهذا سبب لكم هذه المشكلة وبالتالي عرضت عليكم مثل هذه الشبهة لأنك غفلت عن المصطلحات التي توضح الامور وتضع كل شيء وحالة في مكانها المناسب.
فإن هناك مصطلحات كالاسلام المقابل للكفر، وهذا الاسلام يكون بمعنى الاسلام الظاهري العام الذي يشمل المؤمن أي المسلم الواقعي والمنافق والمخالف للاسلام المنزل من الله، فيكون الكفر مقابل لهذا المعنى للاسلام كفراً شرعياً أصلياً، ويكون هذا الكافر له أحكام تخالف حكم المسلم كنجاسته وعدم جواز تزويجه أو الدفن في مقابر المسلمين أو الصلاة عليه أو توريثه وما الى ذلك من أحكام.

وهناك إطلاق للاسلام بمعنى الايمان وهذا هو الاسلام الحقيقي الذي شرعه الله تعالى وبلغه رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) فهذا الاسلام إن أطلق في مقابل الكفر لا يكون الكفر هنا بمعنى الكفر السابق، وإنما الكفر العقائدي، وهذا يختلف حكماً عن الكفر السابق، لأن الكفر السابق وما اطلقنا عليه الاصلي والشرعي له أحكاماً وآثاراً خاصة في الدنيا والآخرة، أما الكفر المقابل للايمان فإن له أحكام وآثار تختلف عن الاول، فهذا الاطلاق يمكن أن يجتمع معه حتى الاسلام في الدنيا ويمكن معه التزاوج والتوارث والدفن في مقابر المسلمين وتثبت طهارته وحقوقه الثابتة لكل مسلم عموماً من حقن دمه وماله وعرضه ولكن حسابه على الله تعالى يوم القيامة.

فهذا الاسلام الظاهري أو الكفر العقائدي وما شئت فعبّر يمكن ان يجتمعا في الفرق المخالفة للاسلام الواقعي، وهو ما نطلق عليه الايمان، قال تعالى: (( قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم )) (الحجرات:14) فهذا الايمان المنفي عن هؤلاء هو الاسلام الحقيقي الايماني المقابل للاسلام الظاهري الذي يعم كل مسلم قال لا اله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله), فقد قال النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله): (ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) فأطلق على واحدة فقط بأنها الناجية يوم القيامة من النار وحكم على سائر الفرق الاخرى بالنار واستحقاق النار، ومع ذلك اطلق على الجميع قوله (أمتي) وهذا يعني الحكم عليها بالاسلام بأنها وأمة محمد(صلى الله عليه وآله) في الدنيا, مع استحقاق النار في الواقع والآخرة. وهذا ما أردنا بيانه هنا, مع الاخذ بنظر الاعتبار بأن هذا الاسلام الظاهري الذي يجتمع مع الكفر الاعتقادي يمكن أن يتحول الى ذلك الكفر المخرج من الملة بانكار معلوم من الدين بالضرورة مثل جحد أحد أركان الاسلام أو أحكامه كالصلاة أو تحريم الخمر فإن ذلك يخرجه حتى من الاسلام الظاهري ويدخله في الكفر الشرعي والتشريعي الذي له آثار وأحكام في الدنيا أيضاً.

وبالتالي فالظابطة هنا ثبوت ذلك الاخراج بأدلة خاصة كما ثبت ذلك لجاحد الصلاة أو الصوم أو الحج أو الخمر وما الى ذلك، وأما بالنسبة للامامة وخلافة أهل البيت (عليهم السلام) فلم يثبت لنا نص في أن منكرها أو غير المؤمن بها كافر حكمي (شرعي)، بل ثبت لنا عكس ذلك حيث أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) بالتداخل مع اخواننا المخالفين وضمان حقوقهم وحقن دمائهم وأموالهم، إلا الناصب فقد ثبت لنا ادخاله مع أولئك الجاحدين الكافرين, فإن أمر أهل البيت (عليهم السلام) ومنزلتهم ومودتهم والصلاة عليهم مما ثبت عند جميع المسلمين ثبوتاً ضرورياً، فمن أبغض أهل البيت (عليهم السلام) أو نصب العداء لهم فهو كافر نجس يخرج من دائرة الاسلام الوسيعة، كما أخرجنا هناك جاحد الصلاة ومنكرها وما إلى ذلك.

وبهذا البيان تبين لكم بأنكم غير ملزمين بتكفير المخالفين لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) وإنما هم مسلمون لهم مالنا وعليهم ما علينا ويوم القيامة يحاسبهم الله تعالى على ما تركوا إن كان ذلك عن تقصير وإنكار وجحد, والله الموفق لجميع المسلمين لما يحب ويرضا.
ودمتم في رعاية الله