السيد محمد الكثيري

نبذة عن حياة السيد محمد الكثيري المغربي مؤلف كتاب السلفية بين أهل السنة والشيعة:

مولده ونشأته : ولد في دولة المغرب ،  وترعرع في أجواء أسرة مالكية المذهب ، فاتبع هذا المذهب تقليدا للآباء ، كباقي أبناء مجتمعه ، كان للسيد الكثيري مجموعة أصدقاء تجمعهم هواية البحث عن الصحوة والفكر الجديد ، وبمرور الزمان ومن خلال مفاجئتهم بوجود التناقضات في الصعيد العقائدي والفقهي بدأوا يعانون من القلق الفكري ، يقول الكثيري في هذا المجال ، هذا التخبط والاختلاف العقائدي الذي كان سببا في انتشار موجه من القلق الفكري والروحي داخل صفوف أبناء الصحوة ، دفع البعض إلى التحرر تدريجيا من الالتزام الديني والتوجه نحو الانشغالات الدنيوية والنظر إلى الاسلام بنوع من الحذر والريبة ، ومنهم من هرب قاصدا الطرق الصوفية على اعتبار أن التعبد هو الحقيقة الوحيدة … وبقيت فئات عريضة داخل هذه البؤرة تتخبط في الاختلاف والتناقض وتتوزعها كيانات فكرية وحركية لا تتوقف عن الانقسام والتكاثر ، كل كيان يسفه احلام خصومه ، بل يكفرهم ويرمي بهم بعيدا ، عن جماعة المسلمين.

ويضيف السيد الكثيري : الواقع أنني كنت ممن أكتوي بنار هذا الاختلاف وإصابه شرر من لهيبها المتطاير ، أيام بل شهور من القلق الفكري والعقائدي كادت أن تعصف بكباني الايماني والالتزامي ، لكن العناية الالهية أدركتني في الوقت المناسب ، فانتشلتني من هذا التخبط الذي حشرت فيه ، وأمدتني بالقوة والعزم الكافيين لمواصلة مسيرة البحث والدراسة لمعرفة أسباب الخلاف وعوامله ومن يقف وراءه ، فعقدت العزم لدراسة المذاهب الاسلامية المتعددة والتعرف على رجالاتها وكتبهم والبحث عن الدراسات المهمة التي تعالج القضية المذهبية وتاريخ المذاهب ، ولما لم يكن ذلك متيسرا في وطني لقلة المراجع والمصادر الخاصة بالمذاهب الاسلامية المختلفة قررت السفر إلى الشرق لتحقيق هذا الغرض.

 

وفي الشرق بدأ الكثيري بدراسة التاريخ وسلط الضوء على الخلفيات التاريخية ، لأنه كان يرى بأن هذه الخلفيات تعطى للفكرة الأبعاد العميقه ، فتظهر الحقيقة من خلال هذا العمق ، وهذا هو الذي يساعد الانسان على حسن الاختيار والتمييز بين الحق والباطل ، ومن هنا اكتشف الكثيري : ” أن السلطات السياسية الحاكمة للمجتمع الاسلامي خصوصا مع بداية القرن الرابع قد أضفت الشرعية المطلوبة على بعض المدارس الأصولية والفقهية ، وتلقاها عامة الجمهور بالقبول وأضفوا عليها مع مرور الزمن القداسة والاحترام حتى أضحت تمثل الاسلام في شكله ومضمونه ، وغد الخارج عنها مارقا عن الاسلام ، كافرا ضالا وفي أحسن الظروف مبتدعا ، لذلك أحلوا دمه وماله ، في المقابل عاشت فرق ومذاهب أخرى في الظل ، ليس فقط لشذوذها الفكري أو العقائدي ، وركوبها الغلو الذي تنفر منه فطرة أغلبية الناس ولكن لمعاداتها السلطات السياسية القائمة ، وأفضل مثال على ذلك الفرق الشيعية بعامة والامامية الاثنا عشرية بخاصة ، فإذا كانت هذه الفرق لم تعترف بشرعية اغلب السلطات السياسية التي قامت على طول التاريخ الاسلامي ، فإن رد فعل تلك السلطات كان مماثلا وزيادة بعض الشيء ، فشوهت أفكار الفرق المعارضة وحرفت عقائدها وقتل دعاتها ورجالات دعوتها وأرباب مدارسها ، ولم يسمح لها بنشر مذاهبها الا بطرق سرية وحفية ، لذلك لم تعرف حقيقة الكثير من المدارس الكلامية الا بعد فترة طويلة من انتهاء هذا الصراع.

 

ولكن هذا النمو في الظل والخفاء لبعض الفرق ، قد جعل قطاعات واسعة لا تعرف عنها شيئا ” ، وتبين للكثيري أن المذاهب الأربعة لم تستطع الانتشار الا في ظل عناية الخلفاء والولاة وذلك لأن عناية السلطة تكسب الشيء لونا من الاعتبار والعظمة ، كما إن السلطات الحاكمة حصرت المذاهب في أربعة ومنعت العامة من تقليد غيرها ، ثم منعت الاجتهاد وأغلقت بابه وجعلته حكرا على من مضى من السلف وفرضت على الخلف التقليد والامتثال ، ثم واصل الكثيري بحثه ، بعيدا عن كل تعصب أو أنحياز مسبق لجهة ما على اعتبار أنها الحق أو أنها الميزان الذي يوزن به غيره ، وكان هدفه من بحثه الموضوعي هو حب الوصول للحقيقة ، واكتشف الكثيري خلال مطالعته للتاريخ حقائق مهمة وخطيرة ، غيرت من حياته الكثير لأنها انتزعته من مذهبه السابق وأخذت بيده إلي مذهب أهل البيت (ع) ثم واصل الكثيري بحثه حتى لم يبق له أدنى شك في تغيير انتمائه المذهبي لأنه اكتشف إن من قوة مذهب التشيع أنه قادر على اثبات أحقيته من كتب أهل السنة ، فزاده ذلك اطمئنانا وايمانا بصحة عقائد الشيعة وما يدعون إليه ، فأعلن استبصاره ، ثم جند نفسه لنشر علوم ومعارف أهل البيت (ع) فاختار القلم وسيلة لتحقيق هذه الغاية ، فتوجه إلى التأليف والكتابة ونشر المقالات في الصحف والمجلات الاسلامية من أجل انارة بصائر … الذين لا يعرفون عن التشيع شيئا وارشادهم إلى الحقائق التاريخية التي وقفت السلطات الجائرة فيما سبق دون وصولها إلى الناس.

 

مؤلفاته :

1 –  ” السلفية بين أهل السنة والامامية ” : صدر سنة 1418 ، عن مركز الغدير ـ بيروت ، يقول المؤلف في المقدمة : ” أما هذا الكتاب وفصوله الستة فيأتي كمساهمة في ايجاد اجابات لمئات التساؤلات التي تطرحها مسيرة الصحوة الاسلامية اليوم على المستوى العقائدي والمذهبي ، ومحاولة لتسليط الضوء على أسباب وعلل الاختلاف الديني ، ومن يقف وراء الفتن المذهبية والحروب الطائفية التي تمزق وحدة المسلمين في الوقت الراهن ، كل ذلك من خلال متابعة تاريخية شاملة لنشوء المذهب الحنبلي في الفقه والعقائد ، ورصد ليومياته في الدعوة والانتشار وعلاقته بخصومه ومخالفيه من المذاهب الاسلامية الأخرى ، مع عرض لبعض خصوصياته العقائدية والفقهية ” ، ويتألف الكتاب من الأبواب والفصول التالية :

الباب الأول : السلفية : الخليفات التاريخية والمذهبية.

الفصل الأول : التعاريف ، السلفية ، الحشوية ، أهل السنة والجماعة ، الشيعة الامامية.

الفصل الثاني : المذهب الحنبلي رحم الحشوية.

الفصل الثالث : تقي الدين أبو العباس ابن تيمية وعقليته الحشوية.

الفصل الرابع : محمد بن عبد الوهاب وقيام الدعوة السلفية.

الباب الثاني  أهل السنة والامامية في مواجهة السلفية.

الفصل الأول : مع أهل السنة.

الفصل الثاني : مع الشيعة الامامية.

 

ومن آثاره أيضا التي نشرها في مجلة المنهاج كمقالات تحت عنوان : ” قراءة في كتاب “.

1 –  ” كتاب ” تاريخ الاسلام الثقافي والسياسي ” ( للأستاذ صائب عبد الحميد ) ” نحو قراءة واعية للتاريخ الاسلامي ” ، نشرته مجلة المنهاج ـ العدد السابع ـ خريف 1418 هـ ـ 1997م ، مما جاء في هذه القراءة : ” التاريخ الاسلامي وبحكم أصالته وبفعل العوامل الخاصة التي ساهمت في تكوينه قد أصبح شريكا للقرآن والسنة في تكوين الرؤى والمواقف وصياغة كثير من المعتقدات والمعارف … ، هذه الحقيقة … دفعت مجموعة من المؤرخين والمفكرين الاسلاميين منذ مطلع القرن العشرين إلى التفكير والدعوة إلى اعادة النظر في هذا الموروث التاريخي الضخم… ، من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي لم يتحسس مؤلفه فقط عمق المشكلة وخطورتها ، ولم يقنع بترديد الدعوة إلى كتابة التاريخ الاسلامي ، بل حاول أن يقدم مساهمة عملية وموضوعية لاعادة كتابة هذا التاريخ وتصحيحه “.

2 –  ” اعادة تحريف التاريخ الاسلامي ، قراءة في كتاب ” أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري ” للدكتور السلفي عبد العزيز محمد نور ولي ” ، مما جاء في هذه القراءة : ” هناك العشرات من الدراسات الجامعية تتنوع بين بحوث تمهيدية لنيل درجة الماجستير في العلوم الاسلامية ، ورسائل ماجستير واطروحات دكتوراه ، أنجزت خلال السنوات الماضية داخل الجامعات السعودية ، كان الغرض منها أولا وأخيرا ، الانتصار لمذهب الحنابلة في الأصول والفروع ، بالاضافة إلى تزييف الحقائق التاريخية وتحريفها ، دفاعا عن ظلم بني أمية ، والتستر عما ارتكبوه من جرائم في حق الاسلام والمسلمين والانسانية جمعاء ” ، ومن هذه الرسائل رسالة الدكتوراه للمؤلف السلفي المذكور من الجامعة الاسلامية.

وجاء في القراءة أيضا : ” يمكن أن نجزم بأن ما قام به الباحث السلفي ، في بحثه هذا ، ليس سوى تطبيق وفي منهج ابن تيمية وتلامذته في تحريف التاريخ والتراث الاسلامي بشكل عام ، لذلك سنعرض لهذا المنهج باختصار شديدا لأن هذه الدراسة لا تتحمل التفصيل ، لكن المهم هو تنبيه أبناء الصحوة الاسلامية والباحثين في مجال التاريخ الاسلامي ، لهذه الطرق والوسائل التي يتبعها السلفيون لقلب حقائق التاريخ الاسلامي لغاية وحيدة ونهائية ، وهي الدفاع عن بني أمية وتبرئتهم من كل ظلم وطغيان ، أو كفر ونفاق ” ، وله مقالات أخرى في مجلة المنهاج نشرها باسم ” محمد دكير ” ، منها :

1 ـ الفكر التربوي عند الشهيد الثاني ( المنهاج ـ العدد العاشر ).

2 ـ حقوق الانسان في الاسلام ( المنهاج ـ العدد الحادي عشر ).

3 ـ الامامة والسلفية ( المنهاج ـ العدد الخامس عشر ).

4 ـ الاصابة بوباء الغرب ( المنهاج ـ العدد التاسع عشر ).

5 ـ الفسلفة المتعالية ( المنهاج ـ العدد العشرون ).

 

وقفة مع كتابه : ” السلفية بين أهل السنة والامامية ” : يتناول الكاتب في كتابه هذا عنوان السلفية كحركة دينية ظهرت على الساحة الاسلامية ، فيعرفها ويبحث عن جذورها وكيفية نشؤها وعلاقاتها مع الطوائف الاسلامية ، ويبين أهم عقائدها التي تضادت عموما مع عقائد معظم المسلمين والذي حدا بها إلى تكفير معظم أهل القبلة ، وردود المسلمين عليها ووقوفهم في وجهها.

 

من هم السلفية : المقصود بالسلفية هم أولئك الذين ظهروا في القرن الرابع الهجرى ، وكانوا من الحنابلة ، وزعموا أن جملة آرائهم تنتهي إلى الامام أحمد بن حنبل الذي أحيى عقيدة السلف ، وحارب دونها ، ثم تجدد ظهورهم في القرن السابع الهجري ، أحياه ( ابن تيمية ) وشدد فى الدعوة إليه ، وأضاف إليه أمورا أخرى قد بعثت إلى التفكير فيها أحوال عصره ، ثم ظهرت تلك الآراء في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري ، أحياها ” محمد بن عبد الوهاب ” ـ في الجزيرة العربية ـ وما زال الوهابيون ينادون بها ، ويطلق على السلفية الذين ظهروا في القرن الرابع : الحشوية ، الحشوية : الحشو لغة ما يملأ به الوسادة أو الحشية أو الخضر وغير ذلك ، و ” الحشوية ” بتسكين الشين وفتحها أو أهل الحشو : لقب تحقير أطلق على أولائك الفريق من أصحاب الحديث الذين اعتقدوا بصحة الأحاديث المسرفة في التجسيم من غير نقد ، بل فضلوها على غيرها وأخذوها بظاهر لفظها ، ومن هؤلاء أيضا السالمية ، وقد ازدرى المعتزلة أصحاب الحديث جميعا وعدوهم من الحشوية.

 

لأنهم قبلوا التفاسير المنطوية على التجسيم ، وإن كانوا تحفظوا في التجسيم فقالوا ” بلا كيف ” ولم يفسد ذوقهم كما فسد ذوق الحشوية الخلص ، وقالوا : ان الايمان قول وعمل ومعرفة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وجوز قوم منهم على الأنبياء الكبائر كالزنى واللواط وغيرهما ، إلى غيره من الأقوال الواضحة البطلان ، أما ابن رشد الفيلسوف ، فيقول : ” الحشوية فانهم ، قالوا : إن طريقة معرفة وجود الله تعالى هو السمع لا العقل : أعني أن الايمان بوجوده الذي كلف الناس التصديق به يكفي فيه أن يتلقى من صاحب الشرع ويؤمن به ايمانا كما تتلقى منه أحوال المعاد ، وغير ذلك مما لا مدخل للعقل فيه ، وهذه الفرقة الضالة ، الظاهر من أمرها أنها مقصرة عن مقصود الشارع في الطريق التي نصبها للجميع مفضية إلى معرفة وجود الله تعالى … وذلك يظهر من غيرما آية من كتاب الله تعالى : إنه دعى الناس إلى التصديق بوجود الباري سبحانه بأدلة عقلية منصوص عليها ، ويمكن أن نستخلص عناصر الموقف الحشوي كما يفهم من النص السابق وغيره على النحو التالي:

1 ـ الاعتماد على النص وحده طريقا إلى المعرفة الاعتقادية خاصة والدينية بصفة عامة ، ورفض العقل وأدلته.

2 ـ سوء الفهم للنصوص الدينية نفسها ” أو الاعتماد على الأحاديث الضعيفة أو المدسوسة في السنة للاستدلال بها في العقائد ” حيث أن هذه النصوص كما سبق بيانه وكما يشير ابن رشد في نصه الأنف الذكر ، تعتمد العقل وتتضمن براهين عقلية لاثبات العقائد الدينية الواجب اعتناقها ، ولا نكتفي بتقرير هذه العقائد عارية عن البرهنة والاستدلال.

3 ـ النزوع إلى الفهم الحرفي لتلك النصوص مما يؤدي إلى التجسيم والتشبيه ، أي تشبيه صفات المخلوقات والأشياء المادية الجسمية إلى الله سبحانه ،  إن فرقة ( السلفية المعاصرة ) اليوم هي تيار حشوي له جذور عميقة في التاريخ الفكري للحشو وعقائده ، وأنه مذهب انتقائي تكاد ترجع أغلب آرائه في العقائد إلى الاسرائيليات ، التي حشا بها الرواة من الأعراب ومتأسلمة اليهود والنصارى أحاديث الرسول (ص).

 

على أن مصطلح ” الحشوية الحنبلية ” ليس من مبتكرات خصوم ” السلفية ” اليوم ، وإنما ورد في كثير من كتب التاريخ وكان يقصد به سلف ” السلفية الوهابية المعاصرة ” ، فقد ذكر ابن عساكر في كتابه ” تبيين كذب المفتري ، عن الامام أبى الحسن الأشعري ” قوله : ” وفي منتصف القرن الخامس إستفحل أمر هؤلاء الحشوية ببغداد حتى ( أخطر ) أمثال أبي إسحاق الشيرازي وأبي بكر الشاشي وغيرهما من أئمة الشافعية أن يكتبوا محضرا عليه خطوطهم ورفعوه إلى نظام الملك ، ومن جملة ما فيه ، ” إن جماعة الحشوية والأوباش الرعاع المتسمين بالحنبلية أظهروا ببغداد من البدع الفظيعة والمخازي الشنيعة مالم يتسمع به ملحد فضلا عن موحد ” ، ومن خلال تتبعنا للجذور التاريخية لمصطلح ” السلفية ” تبين واضحا أن اتباع هذه المدرسة اليوم ، ليسوا سوى ” خلف حشوية أهل الحديث ” المتوسمين بالحنابلة. وأن مصطلح ” السلفية ” سيضيق مفهومه ليصبح علما متميزا لما توصل إليه ابن تيمية الحراني … من آراء في العقائد خصوصا ، بعدما تصدى للكم الهائل من أحاديث التشبيه والتجسيم ورام الدفاع عنها ، وسلك منهجا وطريقة في اثباتها وجعلها أساسا لعقائد السلف.

والسلفية أو الوهابية اليوم هي دعوة متميزة لبعث هذه العقائد ، مدعومة بمخزون أهل الحشو من أحاديث وروايات ، لذلك كثرت الطبعات والتحقيقات لكتب مثل ” السنة ” لعبد الله بن الامام أحمد ، و ” التوحيد ” لابن خزيمة ، وغيرهما من المصادر المعتمدة لدى الحشوية الأوائل.

 

علماء أهل السنة وابن تيمية : إن المتتبع لمجمل آراء علماء أهل السنة والجماعة وغيرهم في ابن تيمية يمكن أن يستنتج التالي :

1 ـ لم يكن ابن تيمية الا حشويا متسترا بتبعيته للسلف الذين جعل لهم مذهبا موحدا يرجع إليه.

2 ـ سقط في أخطاء عقائدية وأصولية نتيجة دراسته للفلسفة ، خالف بها ما أجمعت عليه الأمة وخصوصا علماء أهل السنة والجماعة من أشاعرة وماتريدية.

3 ـ كان كثير الكذب على السلف في نقله أقوالهم وآرائهم واجماعهم في بعض المسائل العقائدية ، مع تعمده التحريف وعدم الضبط في نقل النصوص.

4 ـ لم يكن أتباعه من عقلاء الأمة أو علمائها وإنما جلهم من العوام الجهلة ، وقد انتصر بهم وبالسلطان فحقن دمه واكتفي فقط بسجنه إلى أن مات فيه.

5 ـ عدم الاعتراف له بالأعلمية التي تؤهله للاجتهاد ، فقد كان سطحيا في فهمه للنصوص ، مؤمنا بظواهرها الابتدائية ، وهذا خلاف ما عليه المحققون من رجال الشريعة.

6 ـ إن آراءه العقائدية الشاذة ترمي به بعيدا عن الجماعة ، وإذا أضفنا ما ابتدعه من فتاوي ضالة في الفقه وآرائه في الصحابة فهو إن لم يحكم عليه بالكفر الصراح فلاشك في زندقته ونفاقه.

 

ابن تيمية حدة في الطبع وغلظة في التعامل : كان ابن تيمية حدة في الطبع وجفاء وغلظة في التعامل مع من جعلهم خصوما له ، وقد حاول البعض أن يرجع هذه الحدة والمزاج الصعب والمتقلب إلى كون الشيخ لم يتزوج طيلة حياته ، ولا شك أن الكبت الجنسي كما اثبت العلم المعاصر ، يضغط على الأعصاب ويؤثر عليها ، فيتعرض الانسان على أثر ذلك لموجات عصبية حادة ، وهذا القول لاشك أن فيه بعضا من الصحة ويمكن أن يكون مفتاحا لحل لغز التناقض الحاد في أفكار الشيخ وأحكامه ، فقد عثر الباحثون على أحكام وآراء متناقضة له في المسألة الواحدة ، فهو حينا يعالج القضية بهدوء وتفهم وكأنه تلميذ يشرح كلام أستاذه بصدق وأمانة ، وتراه حينا آخر مندفعا لا يلوي على شيء مجردا خصومه من كل فضيلة أو علم ناسبا اياهم إلى الضلال والابتداع أو الكفر ، بل ليسوا سوى تلامذة لفلاسفة اليونان الوثنيين أو اتباع بوذية الهند وأنباط الفرس ، ونحن نقول بعد متابعة شاملة لحياة الشيخ ومذهبه وسيرة أصحابه ، بأن الحدة والمزاج الصعب والجاف الذى يتكلم عنه الباحثون ، يجدون تفسيره في مسألتين مهمتين بالاضافة إلى الكبت الجنسي أو كونه عاش وحيدا دون أهل أو زوجة.

 

المسألة الأولى : تتمثل في البيئة الجغرافية التي فتح الشيخ فيها عينيه وتربى ونشأ ، وهي مدينة حران التي وصفها الرحالة ابن جبير بقوله : ” ولا تزال تتقد بلفح الهجير ساحاته وأرجاؤه ـ أي بلد حران ـ ولا تجد فيها مقيلا ، ولا تتنفس فيها الا نفسا ثقيلا ، قد نبذ بالعراء ، ووضع في وسط الصحراء فعدم رونق الحضارة ، وتعرت أعطافه من ملابس النضارة ” ، فلاشك أن هذه البيئة الصحراوية الجافة كان لها تأثير على نفسية الصبي ، وهذا معلوم بالضرورة فأخلاق وسلوكيات البدو الذين يعيشون في الصحاري والقفار تكون جافة غليظة ، بخلاف سكان الحواضر والبوادي الخصبة حيث الأنهار والبساتين والأشجار الكثيفة ، وهذا من تأثير الطبيعة والجغرافية على الانسان ، وهي مسلمة علمية وعرفية.

 

المسألة الثانية : ترجع إلى المذهب الحنبلي فقد ولد الشيخ ابن تيمية في بيت المشيخة الحنبلية واستمر يرتع وينموفي أحضان هذا المذهب إلى أن تولى رئاسته ، والصفة المميزة والخاصة لأتباع هذا المذهب كانت وما زالت تتمثل في الجفاء والغلظة ، وقد وصفهم ابن عقيل الحنبلي قائلا : ” قوم خشن تقلصت أخلاقهم عن المخالطة وغلظت طباعهم عن المداخلة … ، ويقول صاحب النهج الأحمد : ” فقد كنا في عهد الصبا نسمع الرجل يصف رجلا آخر فإذا أراد أن ينعته بضيق الصدر والتزمت وصلابة الرأي وعدم انقياده للحديث يلقي إليه ، قال : ” أنه حنبلي ” ولا يزال الناس إلى يومنا هذا يذكرون هذه العبارة في مثل هذا المعرض.

 

ابن تيمية وأهل البيت (ع) : أما موقف ابن تيمية من أهل البيت فكان غريبا جدا ، فعندما ستصادفه عشرات الأحاديث الصحيحة ومن في حكمها ، وكلها تشهد لأهل البيت ، علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، بالأفضلية ، وتدعو لاحترامهم ومحبتهم وتقديمهم على غيرهم ، وهذه الأحاديث تملأ الصحاح وكتب الحديث المختلفة ، فإن شيخ الحنابلة ، سيقول : ” إن فكرة تقديم آل الرسول هي من أثر الجاهلية ، فى تقديم أهل بيت الرؤساء ” ، إذن هذا الاجتباء الالهي لآل الأنبياء هو من أثر الجاهلية ، وكل هذا الذي في القرآن هو من أثر الجاهلية ، وهذه الصلاة على آل محمد وآل إبراهيم التي ترددها في صلاتك هي من أثر الجاهلية ، أتدري لماذا جدع قصير أنفه ، لأنه لا يستريح حين يذكر لآل محمد (ص) حق في ذلك الاصطفاء ،  أما عندما يصطدم بحديث غدير خم الواضح في ولاية علي وأهل بيته ، فانه يحذف أوله ويثبت آخره ، وهذا تحريف ليس جديدا على الشيخ ، وقد تكلمنا في فصله عن اتهام أهل السنة له بالتحريف لأقوال الفرق الاسلامية والكذب على أصحابها ، ويتابع الشيخ الحنبلي نقض متسمسكات الشيعة الامامية عروة عروة ، لقد أجمعت الأمة أن الرسول آخى بين المهاجرين والأنصار ، وآخى بينه وبين علي بن أبي طالب ، وروي أحمد بن حنبل في مسنده عن الرسول (ص) في حق علي : ” أنت أخي وأنا أخوك ” ، لكن ابن تيمية ينفي ذلك ، ويحكم ببطلان الأحاديث الواردة في ذلك ، مع أن أحاديث المؤاخاة صحيحة وقد رواها الحاكم والترمذي وذكرها أصحاب التواريخ.

 

ويبلغ التهافت والتجني على الحقيقة منتهاه ، عندما يرفض هذا الحنبلي حديث الطير ، لأنه يصرح بأفضلية الامام علي (ع) على جميع الناس ما عدا الرسول (ص) ، يقول ابن تيمية ” إن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل” ، وقال : ” وقد سئل الحاكم ، عن حديث الطير ، فقال : لا يصح ” ، أما إذا رجعنا إلى أهل العلم لنعرف مصداق كلام الشيخ فسنجد أن هذا الحديث ، قد رواه الترمذي من طريق السدي ووثقه ، ورواه النسائي ، وصححه الحاكم في المستدرك ، وقال : رواه ، عن أنس أكثر من ثلاثين نفسا ، وصححه الذهبي وألف جزءا في ما صح عنده من طرقه ، ورواه البغوي أيضا وآخرون ، وقال الخوارزمي : أخرج ابن مردويه هذا الحديث بمئة وعشرين اسنادا … وقال سبط ابن الجوزي : قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري : حديث الطائر صحيح ، يلزم البخاري ومسلم اخراجه في صحيحيهما لأن رجاله ثقات ، وهو على شرطهما ، ماذا يقول علماء السلفية عندما يكذب شيخهم السلفي على علماء الحديث فالحاكم صحح الحديث ، لكن ابن تيمية يقول لم يصححه ، إن الانتصار لملوك بني أمية أعداء الاسلام والانسانية ، قد أعمى الشيخ وصمه ، لدرجة رد أحاديث الرسول (ص) وضربها عرض الحائط.

 

وكذا فعل مع حديث الانذار ، الذي ذكره أهل التفسير عندما ، شرحوا قوله تعالى : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ، وهذا الحديث يعلن صراحة وبوضوح كون الامام علي هو الوصي والخليفة ، بل إن الشيخ الحنبلي سيتنكر لبعض الحقائق الواضحة والتي لا تحتاج إلى عناء لتحقق منها فهو يقول عن سورة الدهر أنها ” مكية باتفاق العلماء ” ، وسورة الدهر أو الانسان مدنية ، باتفاق الأمة وهذه المصاحف بين أيدينا تشهد على ذلك ، ولا ندري ، ألم يكتف الشيخ بضرب السنة وتجريحها ، فهل انتقل إلى القرآن لتغيير حقائقه ، نقول هذا الكلام للسلفية ، ليسرعوا إلى تصحيح عثرات شيخهم ، لأنها عثرات قاتلة ، إن كذب الشيخ على علماء الحديث والمفسرين ، وتحريف أقوالهم ، كثير جدا في منهاجه ، وقد جئنا بهذه الأمثلة لمعرفة منهجه وطريقة رده على الشيعة الامامية ، ولو كان المقام يسع لجئنا بعشرات الأمثلة على هذا التحريف والكذب الصريح على علماء الاسلام وتراثهم.

 

الوهابية أو السلفية الجديدة : كان ابن قيم الجوزية من تلامذة الشيخ ابن تيمية ومن أكثر الناس التصاقا به لدرجة أنه ادخل معه السجن في القلعة ، ولما توفي الشيخ تحمل التلميذ المخلص مهمة جمع تراث أستاذه والحفاظ عليه ، بل تنقيحه وترتيبه وتبويب مسائله واغناء مواضيعها بالشرح والتفصيل والتأليف ، كل ذلك ، ضم إلى تراث الحنابلة بشكل عام وحوفظ عليه من صروف الأيام ، إلى أن أدركته يد العناية فتلقفه طالب علم حنبلي فشرب منه حتى الثمالة وتشبع بمقاصد أفكاره ومعاني آرائه واتخذها لنفسه طريقا ومذهبا ، وحين استغاث بالفرصة كي يصدع بما وعي ، أغاثه الزمان بها ، فطفق يدعو لما ارتضاه دينا واحتواه عقله يقينا ، فكان بدء قيام الدعوة ” السلفية الجديدة ” التي اتخذت من بلاد نجد منطلقا ، حيث عضد السيف القلم فانتشرت الدعوة ، ولبست أفكار الشيخ الحراني حللا جديدة ، ونزعت عنها أسمالها البالية ، وظهرت للوجود دولة تدافع وتنافح عن أفكار الشيخ الحنبلي وتتخذها مذهبا في الدين وأساسا للشرعية السياسية.

 

انتشار الدعوة الوهابية واعلان الجهاد على ” المشركين ” : انطلقت دعوة الشيخ كما يقول صاحب ” عنوان المجد ” بين أبناء الدرعية الذين كانوا في غاية الجهل والشرك الأصغر والأكبر ورفض شرائع الاسلام ، فعلمهم الشيخ أحوال الاسلام وأركانه وعرفهم مبادىء التوحيد والبعث ، كما عرفهم برسول الاسلام محمد (ص) وبالغاية التي بعث من أجلها وهي محاربة الشرك وافراد الألوهية والربوبية لله وحده ، ثم بعث رسله وكتبه إلى رؤساء البلدان وعلمائها يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك ، ولما اطمأن الشيخ لمسيرة الدعوة في الدرعية وأقبل عليه بعض المهاجرين من القبائل المجاورة وكثر عددهم ، ” أمر الشيخ بالجهاد وحضهم عليه فامتثلوا ، فأول جيش غزا سبع ركايب فلما ركبوها وأعجلت بهم النجايب في سيرها سقطوا من أكوارها لأنهم لم يعتادوا ركوبها ، فأغاروا ، أظنه على بعض الأعراب ، فغنموا ورجعوا سالمين ، انطلق الغزو والجهاد في سبيل الله لمحاربة المشركين والكفار من أبناء القبائل وأعراب البادية من سكان نجد أولا ، والذين حكم الشيخ ابن عبد الوهاب بكفرهم وأقنع أتباعه ” المسلمين ” بذلك ، وانطلاقا من الحقائق التي ذكرها الباحثون والرحالة حول طبيعة البدوي وأنه طماح للسلب والنهب سواء انطلق من شريعة أو دفعت به الحاجة والفاقة وحب الغنى إلى الهجوم على غيره من الغرباء والأعداء ، والمقارنة بين حروب البدو قبل اعلان محمد بن عبد الوهاب دعوته وحروب أتباعه مع خصومهم من البدو بعد ذلك ، يمكن أن نسجل مماثلة تامة في الاسلوب والنتائج ، اللهم الا دخول العنصر الديني وإقحامه في هذه الحرب الظالمة لتبريرها والباسها ثوب المشروعية لضمان استمراريتها ، والتغطية على أنهار الدماء التي تراق أثناء ذلك.

 

وعليه يمكننا أن نجزم بكل صراحة واطمئنان تعضدنا وقائع الغزو الوهابي ويومياته ، بأن الحرب الوهابية التي أعلنها ابن عبد الوهاب وأتباعه على قبائل نجد وقراها لم تكن حربا مقدسة وفي سبيل الله ، لنشر التوحيد والاسلام بين المشركين والكفار ، وإنما كانت حربا بدوية على شاكلة الحروب البدوية السابقة ، أولا ، ثم أخذت بعدا جديا بفضل أيدلوجية الشيخ الخاصة بالشرك والارتداد ، ومحاولة نشر الاسلام من جديد. لتوضع في خدمة تأسيس دولة سياسية جديدة تطمح للسيطرة على مجمل أراضي شبه الجزيرة العربية ، والا فلم يحدثنا التاريخ الاسلامي أن الرسول (ص) وصحابته كانوا يهجمون على القرى والمدن ، يقتلون الناس ويغنمون إبل القوم ومواشيهم ويحرقوا زروعهم ويقطعوا نخيلهم ثم يرجعوا من حيث أتوا لتقسيم الغنائم ، الخمس منها لبيت المال ، ويقسم الباقي للراجل سهم وللفارس سهمين ، دون أن يكون للدعوة ونشر الاسلام أي مكان في هذا الغزو والفتح ، نستحضر بعض الوقائع التاريخية للغزو الوهابي ليتضح لنا انعدام الحس الدعوي أو الديني في هذه الغزوات ، يقول ابن بشر : ” في رمضان صار سعود بن عبد العزيز بالجنود المنصورة من جميع نواحي نجد وبواديها وقصد الشمال وأغار على سوق الشيوخ وقتل منهم قتلى كثيرة وانهزم منهم أناس وغرقوا في الشط “.

 

الهجوم على كربلاء ونهب ضريح الامام الحسين (ع) : يقول : ابن بشر ثم دخلت (سنة 1216هـ) وفيها سار سعود بالجيوش المنصورة والخيل العتاق المشهورة من جميع حاضر نجد وباديها والجنوب والحجاز وتهامة وغير ذلك وقصد أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين ، وذلك في ذي القعدة فحشد عليها المسلمون وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت ، وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين ، وأخذوا ما في القبة وما حولها وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد واليواقيت والجواهر وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك ما يعجز عنه الحصر ولم يلبثوا فيها الا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال وقتل من أهلها قريب الفي رجل ، ثم أن سعود ارتحل منها على الماء المعروف بالأبيض فجمع الغنائم وعزل أخماسها وقسم باقيها في ” المسلمين ” غنيمة للراجل سهم وللفارس سهمان ثم ارتحل قافلا إلى وطنه ، وكتب السيد محسن الأمين عن وقعة الحاج اليماني يقول في هذه السنة (1341 هـ) ، التقى الوهابيون بالحاج اليماني وهو أعزل من السلاح وجميع آلات الدفاع وهم في الطريق وأعطوهم الأمان ثم غدروا بهم فلما وصلوا إلى سفح جبل مشى الوهابيون في سفح الجبل واليمانيون تحتهم فعطفوا على اليمانيين وأطلقوا عليهم الرصاص حتى قتلوهم عن بكرة أبيهم وكانوا الف انسان ولم يسلم منهم غير رجلين هربا وأخبرا بالحال.

 

الشيخ سليمان يرد على أخيه محمد بن عبد الوهاب : كان أول اعتراض قدمه الشيخ سليمان على أخيه هو عدم اعترافه باجتهاده وأنه لم يحقق شروط الاجتهاد وإنما كان مدعيا ومخالفا لما عليه سيرة المذهب الحنبلي ، وما قرره ابن القيم في أعلام الموقعين من أنه لا يجوز لأحد أن يأخذ من الكتاب والسنة ما لم يجتمع فيه شروط الاجتهاد ومن جميع العلوم ” ، وبعد أن يعرض الشيخ سليمان شروط الاجتهاد وما اتفق عليه العلماء قاطبة في هذا الباب ، يقول : ” لو ذهبنا نحكي من حكى الأجماع لطال وفي هذا كفاية للمسترشد وإنما ذكرت هذه المقدمة لتكون قاعدة يرجع اليها فيما نذكره فإن اليوم ابتلى الناس بمن ينتسب إلى الكتاب والسنة ويستنبط من علومهما ولا يبالي من خالفه ، وإذا طلبت منه أن يعرض كلامه على أهل العلم لم يفعل بل يوجب على الناس الأخذ بقوله وبمفهومه ومن خالفه فهو عنده كافر ، هذا وهو لم يكن فيه خصلة واحدة من خصال أهل الاجتهاد ولا والله عُشر واحدة ، ومع هذا فراج كلامه على كثير من الجهال ” ، وإذن فالشيخ لم يكن مجتهدا حتى يتسني له الاستنباط أو تحمل آراؤه على محمل الاجتهاد ، وإنما التف حوله بعض الجهال من البدو الذين لم يكونوا يعلمون شيئا ، لذلك لما ناظر علماء الحرمين تلامذة الشيخ الوهابي أفحموهم وحكموا عليهم بالضلال وحبسوهم ، أما بخصوص تكفير عامة المسلمين وأهل نجد بالخصوص لأنهم ارتدوا الى الشرك وعبدوا القبور والأولياء والملائكة والجن فإن الشيخ سليمان وهو نجدى كذلك ويعرف ظروف البلد وعقائد أهلها لا يرى أن ما يقوم به الناس هناك من طلب الشفاعة واحترام القبور والحج اليها شركا ، أو ردة عن الاسلام ، كما يفند ادعاء أخيه وأتباعه من أن أهل نجد قد نبذوا أصول التوحيد ومبادىء الاسلام ، يقول : انكم الآن تكفرون من شهد أن لا إله الا الله وحده وأن محمدا عبده ورسوله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحج البيت مؤمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله ملتزما لجميع شعائر الاسلام ، وتجعلونهم كفارا وبلادهم بلاد حرب فنحن نسألكم من امامكم في ذلك وممن أخذتم هذا المذهب عنه.

 

من أين لكم أن المسلم الذي يشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله إذا دعا غائبا أو ميتا أو نذر له أو ذبح لغير الله أو تمسح بقبر أو اخد من ترابه أن هذا هو الشرك الأكبر الذي من فعله حبط عمله وحل ماله ودمه … فإن قلتم فهمنا ذلك من الكتاب والسنة ، قلنا : لا عبرة بمفهومكم ولا يجوز لكم ولا لمسلم الأخذ بمفهومكم فأن الأمة مجمعة كما تقدم أن الاستنباط مرتبة أهل الاجتهاد المطلق ، ومع هذا لو اجتمعت شروط الاجتهاد في رجل لم يجب على أحد الأخذ بقوله دون نظر ، قال الشيخ تقي الدين : من أوجب تقليد الامام بعينه دون نظر إنه يستتاب فإن تاب والا قتل.

 

أوجه الشبه بين الوهابية والخوارج : وقد ذكر السيد محسن الأمين مجمل نقاط الالتقاء بينهم وبين الخوارج كما ذكرها غيره من العلماء متفرقة في كتبهم التي ردوا بها على هذه الفرقة نذكر منها :

 

1 ـ إن الخوارج قد رفعوا في حربهم للمسلمين شعار ( لا حكم الا لله) وهي كلمة حق يراد بها باطل ، كذلك الوهابيون شعارهم لا دعاء الا لله لا شفاعة الا لله ، لا توسل الا بالله ، لا استغاثة الا بالله ونحو ذلك ، كلمات حق يراد بها باطل ، كلمات حق لأن المدعو والمتوسل به حقيقة لدفع الضر وجلب النفع والمغيث الحقيقي وما لك أمر الشفاعة هو الله ، يراد بها باطل وهو منع تعظيم من عظمه الله بدعائه والتوسل به ليشفع عند الله تعالى ويدعوه لنا ، وعدم جواز التشفع والاستغاثة والتوسل بمن جعله الله شافعا مغيثا وجعل له الوسيلة.

2 ـ إن الخوارج كانوا متصلبين في الدين مواظبين على الصلوات وتلاوة القرآن والبعد عن المحرمات المذكورة في القرآن ، كذلك الوهابيون متصلبون في الدين يؤدون الصلاة لأوقاتها ويواظبون على العبادة ويطلبون الحق وأن أخطأوه ويتورعون عن المحرمات حتى بلغ من تورعهم أنهم توقفوا في استعمال التلغراف.

3 ـ إن الخوارج قد كفروا من عاداهم من المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم وسبوا ذراريهم ، وقالوا : إن دار الاسلام تصير بظهور الكبائر فيها دار كفر ، كذلك الوهابيون حكموا بشرك من خالف معتقدهم من المسلمين واستحلوا ماله ودمه وبعضهم استحل سبي الذرية .. وجعلوا دار الاسلام دار حرب ودارهم دار ايمان تجب الهجرة اليها ، وحكموا بقتال تارك الفرض وإن لم يكن مستحلا كما في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية ونقلوه فيها أيضا عن ابن تيمية.

4 ـ استند الخوارج في شبهتهم على ظواهر بعض الآيات والأدلة التي زعموها دالة على أن كل كبيرة كفر ، كذلك الوهابيون استندوا في هذه الشبهة إلى ظواهر بعض الآيات والأدلة التي توهموها دالة على أن الاستغاثة والاستعانة بغير الله شرك وعلى غير ذلك من معتقداتهم كما يظهر من استشهاداتهم بالآيات التي لا دلالة فيها علي معتقداتهم.

5 ـ إن الخوارج لا يبالون بالموت ويقدمون علي الحرب لأنهم رائحون بزعمهم إلى الجنة حتى إن بعضهم طعن برمح فمشى والرمح فيه إلى طاعنه فقتله وهو يتلو ( وعجلت إليك رب لترضى ) ،  كذلك الوهابيون يظهرون بسالة واقداما ولا يبالون بالموت لأنهم بزعمهم رائحون إلى الجنة ويقولون في حروبهم مع المسلمين ، هبت هبوب الجنة وين أنت يا باغيها.

6 ـ كان الخوارج على جانب من الجمود والغباوة فبينما هم يتورعون عن أكل ثمرة ملقاة في الطريق ويرون قتل الخنزير الشارد في البر فسادا في الأرض ، تراهم يرون قتل الصحابي الصائم وفي عنقه القرآن طاعة لله تعالى ويكفرون جميع المسلمين ويرون كل كبيرة كفرا ، ولقيهم قوم مسلمون فسألوهم من أنتم وكان فيهم رجل ذو فطنة ، فقال : اتركوا الجواب لي ، قال : نحن قوم من أهل الكتاب استجرنا بكم حتى نسمع كلام الله ثم تبلغونا مأمننا ، فقالوا : لا تكفروا نعمة نبيكم فأسمعوهم شيئا من القرآن وأرسلوا معهم من يوصلهم إلى مأمنهم.

كذلك وقع للوهابيين مثل ذلك عندما دخلوا الطائف وقتلوا أهلها وسلبوهم أموالهم وقتلوا مفتي الشافعية الشيخ الزواوي وأبناء الشيبي ، الا الشيخ عبد القادر الشيبي سادن الكعبة ، فقد نجا من الاخوان بحيلة طريفة ، فقد أجهش بالبكاء عندما وقع في أيديهم فلما سلوا السيف عند رأسه سأله بعضهم لماذا تبكي أيها الكافر ، فأجاب الشيخ : أبكي والله من شدة الفرح أبكي يا اخوان لأني قضيت حياتي كلها في الشرك والكفر ، ولم يشأ الله إلا أن أموت مؤمنا موحدا ، الله أكبر ، لا إله الا الله … وقد أثر هذا الكلام في الاخوان فبكوا لبكاء الشيخ ، ثم طفقوا يقبلونه ويهنئونه بالاسلام ، والوهابيون الذين يحرمون الترحيم والتذكير لأنه بزعمهم بدعة ويتوقفون في التلغراف لعدم وقوفهم على نص فيه ، ويحرمون التدخين ويعاقبون عليه ، تراهم يكفرون المسلمين ويشركونهم ويستحلون أموالهم ودماءهم ويقاتلونهم بالبنادق والمدافع لطلبهم الشفاعة ممن جعل الله له الشفاعة وتوسلهم بمن له عند الله الوسيلة.

7 ـ كما إن الخوارج ، قال : بمقالتهم جماعة ممن ينسب إلى العلم لظهورهم بمظهر مقومة الضلال ورفع الظلم الذي لاشك أنه كان موجودا ، كذلك الوهابيون ، قال : بمقالتهم جماعة ممن تنسب إلى العلم لظهورهم بمظهر رفع البدع التي لاشك في وجودها في الجملة ، لكن بعض أهل العلم غير رأيه فيهم بعد ما تبين له حقيقة أمرهم ، مثل الأمير اليمني الصنعاني الذي نظم قصيدة في الاشادة بالحركة الوهابية لما وصله خبرها بأنها تحارب البدع يقول في مطلعها : سلام على نجد ومن حل في نجد وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي ، لكنه لما تحقق من أعمال وأفعال هذه الحركة ، أنشد قائلا : رجعت عن القول الذي قلت في النجدي فقد صح لي عنه خلاف الذى عندي ، أما الشيخ محمد عبد المصلح والزعيم السلفي فانه قد عرف حقيقة حالهم منذ البداية لذلك كان موقفه منهم واضحا رغم ما سمعه عنهم من حربهم للبدع والضلالات ، لأنه كان يعلم تورطهم في البداوة والجمود وبعدهم عن الاجتهاد والمدنية.

8 ـ إن الخوارج يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية كما وصفهم الرسول (ص) ، وفي رواية يتعمقون في الدين حتى يخرجون منه كما يخرج السهم من الرمية ، كذلك الوهابيون أشار اليهم رسول الله (ص) فيما رواه الامام أحمد بن حنبل في مسنده باسناده ، عن ابن عمر : أن النبي (ص) قال : اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا ، قالوا : وفي نجدنا ، قال : اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا يمننا ، قالوا : وفي نجدنا ، قال : هنالك الزلازل والفتن منها ، أو قال : بها يطلع قرن الشيطان ، وأخرج البخاري في كتاب الفتن ، عن ابن عمر ذكر النبي (ص) اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا ، قالوا : يا رسول الله في نجدنا فأظنه ، قال : في الثالثة هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان ، وأخرجه الترمذي في المناقب ، وقد أخرج أصحاب المسانيد عدة أحاديث بهذا المعنى وفيها اشارة واضحة على ظهور الفتن من بلاد نجد ، وبالفعل فقد خرج منها مسيلمة الكذاب وكذا القرامطة الذين أخذوا الحجر الأسود من الكعبة ، وقد أطال الشيخ سليمان في رده على أخيه محمد بن عبد الوهاب ” زعيم الوهابية ” في الاستشهاد بهذه الأحاديث وغيرها مبينا أنها تنطبق على حركتهم وتصف فتنتهم ، وإذا كان أغلب رؤساء الخوارج من بني تميم كشبث بن ربعي ومسعر بن فدكي ، وذي الخويصرة فإن الشيخ ابن عبد الوهاب يلتقي معهم في هذا الأصل فقد اجمع المؤرخون على أنه كان من قبيلة تميم.

9 ـ إن الخوارج قد عمدوا إلى الآيات الواردة في الكفار والمشركين فجعلوها في المسلمين والمؤمنين ، كذلك الوهابيون جعلوا الآيات النازلة في المشركين منطبقة على المسلمين.

10 ـ كان الخوارج سيماهم التحليق أو التسبيد وعن ” النهاية ” في حديث الخوارج ، التسبيد فيهم فاش هو الحلق واستئصال الشعر ، وقد جاء في أخبار كثيرة ، ذكر قوم سيماهم التحليق كقوله : (ص) إن أناسا من أمتي سيماهم التحليق يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، يخرج ناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم الى قوسه ، قيل ما سيماهم ، قال : سيماهم التحليق ، رواهما البخاري ، وعن علي ، في آخر الزمان قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية سيماهم التحليق ( رواه النسائي ) في الخصائص ، وفي خلاصة الكلام ، في قوله : (ص) سيماهم التحليق تنصيص على هؤلاء الخارجين من المشرق التابعين لمحمد بن عبد الوهاب لأنهم كانوا يأمرون من اتبعهم أن يحلق رأسه ، لا يتركونه يفارق مجلسهم إذا تبعهم حتى يحلقوا رأسه ، قال : ولم يقع من أحد قط من الفرق التي مضت أن يلتزموا مثل ذلك ، فالحديث صريح فيهم.

يقول السيد أحمد بن زيني دحلان : ” كان السيد عبد الرحمن الأهدل مفتي زبيد يقول : لا حاجة إلى التأليف في الرد على الوهابية بل يكفي في الرد عليهم قوله : (ص) ” سيماهم التحليق ” فانه لم يفعله أحد من المبتدعة غيرهم ، واتفق مرة أن امرأة أقامت الحجة على ابن عبد الوهاب لما أكرهوها على اتباعهم ففعلت ، أمرها ابن عبد الوهاب أن تحلق رأسها ، فقالت له : حيث إنك تأمر المرأة بحلق رأسها ينبغي لك أن تأمر الرجل بحلق لحيته لأن شعر رأس المرأة زينتها وشعر لحية الرجل زينته فلم يجد لها جوابا.

11 ـ كان الخوارج يقتلون أهل الاسلام ويدعون أهل الأوثان كما أخبر النبي (ص) عنهم كما جاء في السيرة الحلبية ، والوهابيون يقتلون أهل الاسلام ويدعون أهل الأوثان ، ولم ينقل عنهم أنهم حاربوا أحدا سوى المسلمين أو قتلوا أحدا من أهل الأوثان ، وفي قتلهم أهل الطائف أولا وآخرا بلا ذنب وقتلهم أهل كربلاء (سنة 1216 هـ) ، وغزوهم بلاد الاسلام المجاورة لهم كالعراق والحجاز واليمن وشرقي الأردن وغيرها وقتلهم من ظفروا به من المسلمين وقتلهم الف رجل من اليمانيين جاؤوا لحج بيت الله الحرام (سنة 1340هـ) ، وذبحهم لهم ذبح الأغنام ، وعدم غزوهم لأهل الأوثان وقد امتلأت الأرض كفرا والحادا ، وتوجيه بأسهم وحربهم كله إلى المسلمين خاصة بعدما ضعفت قواهم واستعمرت بلادهم وممالكهم وصار الاسلام غريبا في وطنه.

12 ـ كان الخوارج كلما قطع منهم قرن نجم قرن كما أخبر عنهم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ، وكذلك الوهابيون كلما قطع منهم قرن نجم قرن فقد حاربهم محمد علي باشا واستأصل شأفتهم ووصل ولده إبراهيم باشا إلى قاعدة بلادهم الدرعية وأخربها ، ثم نجم قرن لهم بعد ذلك وقطع ثم نجم وقطع مرارا.

 

نشر الطائفية البغيضة : لن نسترسل طويلا في وصف أسلوب الدعوة السلفي المعاصر ، هذا الاسلوب الذي ورثه الخلف عن السلف ، والذي يجعل من العنف والتهجم على المخالفين ورميهم بكل أنواع السباب والشتائم ونهش أعراضهم ، النهج القويم الذي يتم من خلاله نشر عقائد وأفكار دعاة السلفية ، فأثارة الفتن ونشر البغضاء بين فئات المجتمع الاسلامي ، وتعميق الخلافات المذهبية وصولا إلى الطائفية البغيضة ، غدت من مميزات التحرك السلفي ، فحيث تستعر نار الطائفية والخلافات المذهبية ، تجد هناك دون شك أو ريب عقل سلفي وهابي حنبلي يؤجج هذه النار ويمدها بالوقود كي تشتعل أكثر وتدوم ، ولا شك أن هذه النار قد أحرقت مساحات واسعة من أراضي التفاهم والتسامح التي كانت سائدة بين مجمل الفرق والمذاهب الاسلامية ، خصوصا بين الشيعة والسنة ، فلم يسمع عن قلاقل واضطرابات بين التجمعات السكانية الشيعية والسنية ، مثلا في مناطق توأجدهم معا الا بعد ما نفخ العقل السلفي في بوق الطائفية البغيض ، فبدأ السني يسمع من أفواه الدعاية السلفية أن الشيعي كافر مرتد يسبب أصحاب النبي محمد (ص) ، في المقابل وجد الشيعي نفسه محاصرا بدعاوي التكفير والردة أينما حل وتوجه ، ولنا أن نتصور حجم المأساة ، ففي باكستان والهند والعراق تعيش الملايين من الناس في تداخل وانسجام ، تحت راية لا إله الا إله محمد رسول الله ، يتزاوجون في ما بينهم ، ويستحل الشيعي مأكل ومشرب السني ويحرم دمه وماله وعرضه ، لكن هذا الانسجام تحول في الآونة الأخيرة وخصوصا في باكستان والهند إلى تباغض وأحقاد ، راح ضحيتها عشرات القتلى من الطرفين وأحرقت المساجد ، وما زالت نار الفتنة يتصاعد لهيبها ويكبر حجمها ، دون أن يكون هناك أمل في اخمادها أو التقليل من انتشارها ، فالأطنان من الكتب والفتاوى في تكفير الشيعة والتهجم على مذهبهم تنزل إلى الأسواق باستمرار وتتابع ، والفضل كل الفضل لأموال النفط السلفي التي توزع وتدفع بسخاء لكل مرتزق يستطيع أن يغذي هذه المعركة الخسيسة ، بين فئات المجتمع الاسلامي الواحد.

 

تشويه صورة الاسلام : أما تشويه الاسلام ، في نظر أهله أولا وخصومه ثانيا ، فحدث ولا حرج ، فاعتناق الاسلام في أوربا أمريكا ، يعني أولا وقبل كل شيء لبس دشداشة بيضاء ونعل واطلاق اللحية ، والظهور بمظهر الدروشة والفقر ، أما من حيث الأحكام الاسلامية ومبادىء الدين ، فإن الخرق قد اتسع على الراقع ، وقد ترسخ لدى الغربيين بفضل الفكر والممارسة السلفية بأن الاسلام دين دموي لا انساني يدعو إلى القتل والارهاب وعدم التسامح ، وهو إلى جانب تلك عدو لدود لنصف المجتمع أي عدو للمرأة ، يقول محمد الغزالي : بلغني أن مسؤولا في جماعة اسلامية اقتربت من الحكم يوما ، فقال : لن تخرج النساء من البيوت بعد اليوم وهذا وعيد أخرق كان يجب أن يقول سنلزم الرجال والنساء آداب الاسلام ، ولن نسمح بالتبرج واثارة الغرائز … إما أن يخطب متحمس طائش فيقول : لا تخرج المرأة من البيت الا إلى الزوج أو القبر ، فهذا كلام فارغ يدفع الاسلام ثمنه مصادرة لعقائده وتعاليمه كلها … ويضيف قائلا : إن الحضارة الاسلامية ليست هذا اللغو ، إنه ضيق العقل وضحالة المعرفة واختلال الفطرة واعوجاج الخطو ، لا يمكن أن يتم اسلام ، أو تزدهر حضارة (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ).

 

علماء أهل السنة والامامية وغيرهم يردون على الوهابية : انطلقت جل الردود والكتابات من توضيح مفهوم التوحيد لدى أهل السنة والجماعة وقضاياه التفصيلية ، وأن ما قرره الأئمة من السلف يختلف عما تدعوا إليه هذه الفرقة ، وأن مستندها في أفكارها الشاذة إنما هو تراث ابن تيمية الحراني والحنبلي وآراؤه التي رد عليها علماء عصره وفندوها ، وصولا إلى تكفيره وتكفير من اعتقد عقيدته ، لأنه كان يدعو إلى التجسيم صراحة ، أما بخصوص مسائل الشفاعة والزيارة والتوسل وبناء القبور والعبادة قرب مشاهد الأنبياء والصالحين ، فإن مجمل الردود قد أتت بما يخالف مذهب الوهابية وشيخهم الحراني ، سواء من السنة الشريفة أو القرآن الكريم أو أقوال السلف الصالح وأئمة المذاهب وسيرة عامة المسلمين ، لقد كانت الردود كثيرة ومتنوعة وعلى رأسها كتابات الحنابلة الذين وقفوا في وجه هذه الحركة ، وأعلنوا انحرافها ، عن المذهب الحنبلي وتحريفها وعدم فهمها لما قاله الشيخ ابن تيمية وما كتبه في مصنفاته ، والشيء الملاحظ في هذه الردود هو تنوع المرجعيات واختلافها عند من قاموا بالرد على ” فتنة الوهابية ” ، فبالاضافة إلى الحنابلة هناك فقهاء الشافعية والمالكية والأحناف ، وفيهم مؤرخون وعلماء أصول ومفتون كبار ، زد على ذلك مجموعة من رواد التصوف الطرقي الذين حاربتهم ، الوهابية ” السلفية ” ورمتهم بالضلال والانحراف ، فقاموا باعداد ردود كثيرة ومتنوعة ، كما شارك في هذه الحملة علماء وفقهاء الشيعة الامامية والزيدية ، بالاضافة إلى مؤلفات فكرية عامة ألفها مفكرون اسلاميون لمعالجة بعض الظواهر الاجتماعية والسلوكية والفكرية التي نجمت عن انتشار الفكر الوهابي بشكل واسع بين أبناء الصحوة الاسلامية.

 

التوحيد عند السلفية : يقول العلامة السبحاني : ” إن الوهابية تعترف بنوعين من التوحيد وهما التوحيد الربوبي والتوحيد الألوهي ويفسرون الأول بالتوحيد في الخالقية ، والثاني بالتوحيد في العبادة ، وكلا الاصطلاحين خطأ ، أما الأول فالمراد من الربوبية هو تدبير المربوب وادارته ، وأن وظيفة الرب الذي هو بمعنى الصاحب ، ادارة مربوبه ، كرب الدابة والدار والبستان بالنسبة اليها ، فالتوحيد في الربوبية غير التوحيد في الخالقية ، وإن كان ربما تنتهي الربوبية إلى الخالقية ، وأما الثاني ، أعني التوحيد في الألوهية فهو مبني على أن الاله بمعنى المعبود ، ولكنه خطأ ، بل هو ولفظ الجلالة بمعنى واحد ، غير أن الأول كلي والثاني علم لواحد من مصاديق ذلك الكلي ، ويقول أبو حامد في ابطاله هذا التقسيم ” لم يقل أحمد بن حنبل لأصحابه : أن التوحيد قسمان : توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، وإن من يعرف توحيد الألوهية لا تعتبر معرفته لتوحيد الربوبية ، لأن هذا كان يعرفه المشركون ، وهذه عقيدة الامام أحمد مدونة في مصنفات أتباعه ، في مناقبه لابن الجوزي وفي غيره ، ليس فيه هذا الهذيان ، وكذا لم يقل أي واحد من اتباع التابعين لأصحابه ، ولا أى صحابي من أصحاب النبي (ص) … : أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، وإن من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية ، لأن هذا يعرفه المشركون ، فلو اجتمع الثقلان مع ابن تيمية على اثبات هذا التقسيم عند أي واحد منهم لا يستطيعون ، وإني أتحدى كل من له إلمام بالعلم أن ينقل لنا هذا التقسيم المخترع ولو برواية واهية.

 

زيارة القبور وشد الرحال اليها : أفتى ابن تيمية بتحريم شد الرحال لزيارة الصلحاء والأنبياء والأئمة مستدلا بما ورد من النهي عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة ، وقالت الوهابية : لا تجوز زيارة قبور الأئمة ولا تشد الرحال من الأماكن البعيدة لأجل زيارة قبر النبي (ص) ، وإنها من الشرك وعبادة لغير الله تعالى.

أما أهل السنة والامامية فاتفقوا على جواز زيارة القبور ، ويظهر ذلك لمن راجع الكتب الفقهية الحديثية ، ويكفي في ذلك ما أفتى به أئمة المذاهب الأربعة حيث جاء في كتاب ” الفقه على المذاهب الربعة ” ما يلي : ” زيارة القبور مندوبة للاتعاض وتذكر الآخرة ، وتتأكد يوم الجمعة ويوما قبلها ويوما بعدها ، وينبغي للزائر الانشغال بالدعاء والتضرع والاعتبار بالموتى ، وقراءة القرآن للميت فإن ذلك ينفع الميت على الأصح ، إلى أن قال : ولا فرق في الزيارة بين كون المقابر قريبة أو بعيدة ، بل يندب السفر لزيارة الموتى خصوصا مقابر الصالحين ، وأما زيارة قبر النبي (ص) فهي من أعظم القرب ” ، ومن الروايات التي تحث على زيارة القبور قوله : (ص) : ” قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد إذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فانها تذكر بالآخرة ” ، ورواه الخمسة الا البخاري واللفظ للترمذى ، ولا تنحصر الروايات الواردة في هذا المجال بهذا ، بل هناك روايات متضافرة جمعها العلامة السمهودي في كتابه ” وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى “.

 

أما الحديث الذي تشبث به ابن تيمية والوهابية فقد تعرض له العلماء بالشرح والتحليل وأوضحوا المقصود منه ، فقد روي عن الرسول (ص) أنه قال : ” لا تشد الرحال الا إلى ثلاث مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد النبي ، والمسجد الأقصى ” رواه البخاري ، عن أبي هريرة.

وهذا الحديث الذي تمسك به الوهابيون لا يدل على حرمة شد الرحال إلى زيارة القبور ، والأماكن والمشاهد المشرفة ، وذلك لأن الاستثناء الوارد في الحديث مفرغ قد حذف فيه المستثنى منه ، فكما يمكن أن يكون تقدير المستثنى منه : ” لا تشد الرحال إلى مكان من الأمكنة ” يمكن أن يكون تقديره : ” لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد ” ، ولكن المتعين هو الثاني لكون الاستثناء متصلا وهو يقتضي تقدير ” المسجد ” بعنوان مستثنى منه ، لا غيره.

أضف إلى ذلك يقول الشيخ السبحاني : ” أن الضرورة قاضية بجواز شد الرحال إلى طلب التجارة ، وإلى طلب العلم ، وإلى الجهاد ، وزيارة العلماء والصلحاء ، وإلى التداوي والنزهة ، وإن المسلمين في مواسم الحج يشدون الرحال إلى عرفة والمزدلفة ومنى .. هذا مضمون الحديث ومعناه ومع ذلك لا يفهم من هذا الحديث وأشباهه حرمة السفر إلى باقي المساجد ، بل هي ظاهرة في أفضلية هذه المساجد على ما عداها بحيث بلغ فضلها : إن تستحق شد الرحال والسفر اليها للصلاة فيها ، أما سائر المساجد فليس لها هذا الشأن ، كما إن النهي عن شد الرحال إلى سائر المساجد دون الثلاثة ليس نهيا الزاميا بل هو للارشاد إلى عدم ترتب ثواب وافر على التوجه إلى سائر المساجد.

ويدل على ذلك أن الرسول (ص) كان يشد الرحال إلى غير المساجد المذكورة في الحديث كما في صحيح البخاري : ففي باب اتيان مسجد قباء راكبا وماشيا ” ، عن ابن عمر ، قال : كان النبي (ص) يأتي قباء راكبا وماشيا.

 

أما الدليل على زيارة قبر الرسول (ص) وقبور الصالحين وغيرهم ، فنذكر منها : روي عن عبد الله بن عمر أنه قال : قال النبي (ص) : من جاءني زائرا لا تعلمه ( تحمله ) الا زيارتي كان حقا علي : أن أكون له شفيعا يوم القيامة ، وروي أيضا عن عبد الله بن عمر ، عن النبي (ص) أنه قال : من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي ، وأما فعله ، فقد روي عن طلحة بن عبد الله ، قال : خرجنا مع رسول الله يريد قبور الشهداء إلى أن قال : فلما جئنا قبور الشهداء ، قال : هذه قبور اخواننا.

 

أما الاجماع فاطباق السلف والخلف ، لأن الناس لم يزالوا في كل عام إذا قضوا الحج يتوجهون إلى زيارته (ص) ، وإن منهم من يفعل ذلك قبل الحج ، قال السبكي : هذا شاهدناه ، وشاهده من قبلنا وحكاه العلماء عن الأعصار القديمة ، وكلهم يقصدون ذلك ويعرجون إليه وإن لم يكن طريقهم ، ويقطعون فيه مسافة بعيدة ، وينفقون فيه الأموال ، ويبذلون فيه المهج ، معتقدين إن ذلك قربة وطاعة ، واطباق هذا الجمع العظيم من مشارق الأرض ومغاربها على مر السنين وفيهم العلماء والصلحاء وغيرهم يستحيل أن يكون خطأ ، وكلهم يفعلون ذلك على وجه التقرب به إلى الله عز وجل ، ومن تأخر فإنما يتأخر بعجز أو تعويق المقادير مع تأسفه عليه ، وود لو تيسر له ، ومن ادعى أن هذا الجمع العظيم مجمع على الخطأ فهو المخطىء.

 

وأقوال علماء أهل السنة في استحباب الزيارة لقبر الرسول كثيرة جدا وقد تتبع بعضها المحقق الأميني وجمعها في موسوعته القيمة ، نورد منها مثالا واحدا : قال أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الفقيه البغدادي الحنبلي المتوفي (سنة 510 هـ) في مناسكه : إذا كمل لك حجك وعمرتك على الوجه الشروع ، لم يبق بعد ذلك الا اتيان مسجد رسول الله للسلام على النبي والدعاء عنده ، والسلام على صاحبيه ، الوصول إلى البقيع وزيارة ما فيه من قبور الصحابة والتابعين.

 

مواجهة التحريف والتلاعب بعقائد الاسلام : إن وقوف أهل السنة والشيعة الامامية اليوم في صف واحد أصبح ضرورة لابد منها لمواجهة الدعوة السلفية :

أولا : لأن دعاة السلفية يكفرون الفريقين ويستحلون دماءهم وأموالهم وأعراضهم ، والنصوص التي أوردناها من قبل دليل على ما نقول والواقع الحالي يؤكد ذلك.

ثانيا : هذا الوقوف هو دفاع عن الاسلام والمسلمين في نفس الوقت ، فالاسلام يشهد موجة من التحريف والتلاعب بعقائده لم يشهد لها مثيلا من قبل ، أطفال ومراهقون وعوام الناس أصبحوا بفضل المنهج السلفي يمارسون الاجتهاد والاستنباط للأحكام ، ويفتون في الدماء والأعراض ، ومن يريد أن يرى ويسمع الأمثلة الواقعية على ذلك ، فليزر الجزائر وليلتقي بدعاة السلفية هناك ، ليرى كيف يعقد اتباع ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب عقود الزواج بالاكراه وتحت ضغط الارهاب ، وكيف يفسرون الكثير من تعاليم الاسلام ، وكيف يمارسونها ، وكيف يتصرفون مع من يخالفهم ، في هذا التفسير والشرح والممارسة ، كيف يهجم المراهقون المتمسلفة على بعض الشبان الملتزمين ويأخذونهم للمحاكمة ، فإذا نجا البعض منهم بالكذب ونفعه ذكاؤه ، فإن البعض الآخر ينفذ فيه حكم الاعدام مباشرة ، لأنه كافر زنديق مخالف لما كان عليه السلف.

 

ولولا أن يقال : إننا نخدم النظام العسكري الدموي في الجزائر ، لنقلنا من القصص والروايات الواقعية والصحيحة ، ما يندى له جبين الصحوة الاسلامية التي حرفها هؤلاء الدعاء عن الصراط القويم ، ففتاوى التكفير تطال كل من يخالف دعاة السلفية، وفي هذا الجو التكفيري الارهابي الخانق تضيع الحقائق وينعق الغراب في الخرابات التي يحدثها نشر الفكر السلفي الوافد من نجد والحجاز.

كل ذلك على حساب الاسلام والصحوة الاسلامية ، فإذا كان الناس والشباب خاصة ، قد أقبلوا في العقود المنصرمة على الالتزام بالاسلام أفواجا وجماعات ، فاننا نسجل اليوم وبفضل الدعوة السلفية هروب وتراجع الناس أفواجا وجماعات عن الالتزام بالاسلام ، فهذا يخاف من الحكومات والأنظمة السياسية ، التي قد تحشره في صف الارهابيين ، والآخر يقول : إذا كان الاسلام هو هذا التشدد السلفي في الملبس والمظهر ، فأنا غير مستعد للذهاب إلى الصحراء واعتناق عادات وتقاليد البداوة ، وبالجملة هناك نكوص حقيقي وارتداد للصحوة الاسلامية.